عودة فتاوى الحرب ضد الجنوب

> جمال مسعود

>
يؤسفني شديد الأسف أن أكتب منتقداً ومعلقاً على هيئة يفترض أنها علمائية، مما وجب علي وعلى أمثالي ممن يجلون ويوقرون جلالة العلم والعلماء وينأون بالنفس من الخوض في أمور العلم وشؤون العلماء الأجلاء، ولكن يؤسفني أيضاً أن أقول بما جاء عن الإمام الأعظم صاحب المذهب أبو حنيفة النعمان، بعد أن كان قد تهيأ في مجلسه معظماً للسؤال كي يرد على من تساءل أمامه عن أمور استقلها.. فمد رجليه أمامهم استصغاراً لهم عندما قال: "آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه" تلك المقولة المشهورة.

ففي اليمن وللأسف الشديد تخصصت هيئة علماء تدعي أنها باسم اليمن، وهي متخصصة بشؤون الجنوب ومتربصة بتحركات الجنوبيين المناوئة للظلم والاستبداد والهيمنة والعدوان الغاشم، فتجدها تجتمع وتناقش وتقرر، وتفتي بفتاوى مفصلة ضد الجنوب والجنوبيين دون غيرهم، ولا يعنيها ما يدور في العالم من تقلبات وتغييرات واضطرابات فتظل صامتة تنأى بنفسها عن الخوض في أي حديث أو تعليق أو انتقاد أو إعطاء رأي أو تحليل لأي حدث تشهده المنطقة، بينما تثور وتثير الضجة وتتصدر المشهد وتنابز الآراء السياسية وتبارز المواقف والاتجاهات المختلفة في تقييم الحدث الدائر في الجنوب، وتخرج لتفاجئ الرأي العام بإصدار فتوى دينية ليس لها محل من الإعراب، تؤجج المؤجج وتثير المثار وتفجر المتفجر، تضيف مأساة إلى المآسي السابقة، وتعيد ذكريات مريرة ما لبث الجنوبيون أن يتناسوها ويتناسوا آلامها ومرارتها لتصيبهم الصاعقة الكبرى بطباعة نسخة جديدة من الفتاوى الدينية من هيئة الفتاوى الشمالية للشؤون الجنوبية تقضي بما قضت به الفتوى السابقة من تجريم وتكفير وتفسيق وتحشيد وتجييش الجيوش ضد الجنوب والجنوبيين في إعادة للنسخة الثالثة من العدوان الغاشم..

أين هي هيئة علماء اليمن من عدوان الحوثيين واجتياحهم عدن والمحافظات الجنوبية والتنكيل بأهلها وتشريدهم في مخيمات النزوح في الداخل والخارج؟ ثم أين هي قبل ذلك بسنوات من التعليق على المسيرات والاحتجاجات الجنوبية المطالبة بالعدالة والمساواة وإعادة الحقوق وإنصاف المظلومين المهمشين والمسرحين من وظائفهم؟ وأين كانت هيئة علماء اليمن من عمليات النهب الممنهج والمرسوم بخطوات مدروسة تم بواسطتها تصفية المؤسسات والمصانع والشركات الجنوبية وتحويلها إلى إقطاعيات خاصة بأصحاب النفوذ والنهب للمصالح الجنوبية؟، ولمَ لم تساهم الهيئة العلمائية بوظيفة العلماء الأساسية من إصلاح ذات البين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد الضالين وإعادة الحقوق للمستضعفين؟ ألم يك أحرى بالهيئة العلمائية أن تظهر وقت الشدائد قبل أن ينفجر الوضع وتنهار الأمور وتخرج عن السيطرة؟

 والسؤال الأهم من هذا كله هو: ما السر في الاجتهاد والتخصص في الفتاوى الدينية بشأن الجنوب والتجييش ضده في الوقت الذي لا يستوجب إقحام المستند الشرعي والتورط بنص فقهي يقضي بإلزام المستمع والواصلة إليه الفتوى بما أوجبته في نصوصها وأصابت عموم المسلمين بالحيرة والقلق تجاه الفتوى وما تقتضيه من تصريح بالقتل للمسلمين بعضهم تجاه بعض في أمور هي من النزاعات والصراعات السياسية الخاضعة للتفاهمات السياسية التي قد تنتهي توافقياً بين الخصوم في جلسة مفاوضات يصحبها عفو عام قانوني وغير شرعي يهين الفتوى ويسقط العمل بها ويضعها في موضع المثير للفتنة والمحرض للقتل بين المسلمين بالإجازة الشرعية الصادرة عن هيئة علماء إعلان الحرب ضد الجنوبيين؟

ألا تكف تلك الهيئة عن إقحام الشرع والدين والاستناد إليه فيما لا يجب الخوض فيه تقديراً للفتوى وقيمتها المعنوية دينياً وتوقيرها حتى لا تفقد هيبتها وتسقط مكانتها وتنزل إلى مستوى الاستهزاء والسخرية وإهانة العلم والفقه والفتوى، والانتقاص منها وتقديم القرار الدولي وتفاهمات المبعوث الأممي وتوافق القوى السياسية عليها وإهدار القيمة المعنوية للنصوص الشرعية التي استندت إليها الفتوى الدينية الملغية والملغي العمل بما جاء فيها إهانة لها ولمن صدرت عنه هيئة كانت أو شخصا؟

لقد أفرطت الهيئة المسماة بهيئة علماء اليمن بتجريح الفتوى والانتقاص من مكانتها عندما وضعتها موضع الاستهزاء والسخرية والانتقاد ممن هب ودب وتسببت بفقد القيمة المعنوية للفتوى وقداستها، وكانت قد عرضت العلم والفقه الذي يحمله المنتسبون إليها بالطعن والتجريح لتكرار الخطأ المقصود المجروح بنزاهته وصوابيته عند العديد من العلماء والفقهاء واعتباره مدخلاً من مداخل الشيطان الهادف إلى ذبح المسلمين بيد المسلمين في البلدان المتجاورة بغير وجه حق.

كان الأحرى بهيئة علماء الدين أن يطفئوا نيران الحروب ويخمدوا الفتن المشتعلة ويطببوا جراحات المسلمين ويمسحوا دمعات الأطفال اليتامى ويرحموا لوعة قلوب الأمهات الثكالى والنساء الأرامل ويردموا الفجوة العميقة التي تسببت بها الصراعات السياسية، ويقربوا وجهات النظر ويخففوا من الاحتقان، ويسددوا ويقاربوا ويجمعوا القلوب والكلمة وينصروا الضعيف والمسكين بالقول والفعل، لا أن ينفخوا في الكير ويزيدوا من لهيب الاشتعال، ويحيوا نوازع الحقد والغل ويثيروا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يتكلموا بلسان الشيطان والشر، مفرقين غير مجمعين، ومنفرين غير مقربين، لا آمرين بمعروف ولا ناهين عن منكر، مشعلين للحروب وداعين إليها ومألبين القلوب ضد بعضها، مجيشين الجيوش المسلمة لقتال النفوس المسلمة، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى