السيسي لن يحارب إثيوبيا

> فماذا تبقى أمامه قبل أن يتسبب سد النهضة في تعطيش مصر؟

>

من غير المتوقع أن تؤدي الاجتماعات الثلاثية في الخرطوم لإحداث تغير في الموقف الإثيوبي تجاه المقترحات المصرية فيما يتعلق بسد النهضة، وهو ما يطرح تساؤلات مهمة حول الخيارات المتبقية لدى النظام المصري للتعامل مع الآثار الكارثية المتوقعة مع اكتمال بناء السد وتشغيله العام المقبل أو الذي يليه.

ما هو الجديد في الملف؟

طرحتا للجنة الفنية الثلاثية المكونة من خبراء من السودان ومصر وإثيوبيا، مقترحاتها لبحث آلية تشغيل سد النهضة الإثيوبي، في اجتماعات اليوم الأول في الخرطوم وذلك أمس الإثنين 30 سبتمبر .

وتناقش اللجنة الفنية في الأيام المقبلة، بشكل تفصيلي تلك المقترحات، وتصور كل طرف ورده على مقترح الطرف الآخر، تمهيداً للوصول إلى توصيات، ورفعها إلى اجتماعات وزراء الموارد المائية والري في الدول الثلاث.

واقترحت مصر أن تتم عملية ملء السد خلال 7 سنوات مع الإبقاء على مستوى المياه في سد أسوان عند 165 متراً فوق سطح الأرض، وأن تقدم إثيوبيا 40 مليار متر مكعب سنوياً من المياه إليها، لكن إثيوبيا رفضت على الفور الاقتراح، قائلة إنه «لا يحترم سيادتها والحق في تنمية مواردها».

ما هي الخيارات المتاحة؟

وفي حال فشل هذه الجولة من المفاوضات كما هو متوقع، في ظل غياب أي طرح جديد أو تغير في المواقف المتباعدة، لن يكون أمام مصر سوى البحث عن خيارات أخرى للضغط على إثيوبيا، فما هي تلك الخيارات؟

الأسبوع الماضي وفي لحظة نادرة في تاريخ الدبلوماسية المصرية، وقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمام الجمعية العام للأمم المتحدة شاكياً إثيوبيا، متهماً إياها بعدم مراعاة مصالح مصر في مياه النيل، ومحذراً من أن هذه الممارسات ستؤثر على  الاستقرار بالمنطقة.

وعلى مدار المفاوضات بين دول حوض النيل الأرزق الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان، كانت مصر حريصة على العلاقة مع إثيوبيا وعدم التصعيد، بل إن السيسي نفسه وقَّع اتفاقاً للمبادئ عام 2014، مع أديس أبابا والخرطوم، اعتبره كثيرون تفريطاً في الحقوق المصرية.

فعقب تولي السيسي الرئاسة عادت المفاوضات من جديد، في يونيو  2014، وفي مارس  2015 وقَّع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ميريام ديسيلين، في العاصمة السودانية الخرطوم، وثيقة إعلان مبادئ «سد النهضة»، وتضمَّنت الوثيقة 10 مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية، رغم تصاعُد المفاوضات بين الشد والجذب بين جميع الأطراف.

رهان مصري غير واقعي 

وراهنت السياسة المصرية خلال مراحل التفاوض المختلفة بشكل أساسي على حسن العلاقة مع إثيوبيا وصولاً إلى محاولة إرضائها، وكان هناك موقف شهير للسيسي عندما جعل رئيس وزراء إثيوبيا الجديد آبي أحمد يقسم باللغة العربية التي لا يفهمها أنه لن يضر مصر.

واستبشر كثير من المصريين، حتى من معارضي السيسي بقدوم آبي أحمد للسلطة، فالرجل يحاول بناء الديمقراطية الإثيوبية، وترميم حقوق الإنسان، وتصفير المشاكل مع دول الجوار، حتى إنه قاد الوساطة الإفريقية التي توصلت للحل السياسي في السودان.

كل ما سبق جعل المصريين يأملون أن يكون لدى الرجل حل معتدل لمشروع سد النهضة، خاصة أنه سبق أنه نسبت له تصريحات انتقد فيها هذا المشروع.

ولكن كل هذه الآمال يبدو أنها تبدَّدت، ويبدو أن مصر وقعت في مأزق حقيقي، مأزق دفعها أولاً للاستنجاد في حالة نادرة في تاريخ مصر بأشقائها في الجامعة العربية، حيث عرض وزير الخارجية سامح شكري الوضع التفاوضي الدقيق على وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير، في بداية سبتمبر  2019، وكان هذا الموضوع محور المؤتمر الصحفي الذي عقده الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط عقب الاجتماع.

كما امتد إلى مناقشة الأمر خلال لقاء جمع نائب وزير الخارجية للشؤون الإفريقية المصري حمدي لوزا، مع سفراء الدول الأوروبية في القاهرة.

اللجوء للتحكيم الدولي؟

لا يوجد على الطاولة الآن سوى الاتجاه للتحكيم الدولي للفصل في الخلاف على ملء وتشغيل سد النهضة، الذي تسعى إثيوبيا إلى تشغيله بأسرع وقت ممكن، ولكن هل تتحمل مصر تبعات هكذا مسار من المنتظر أن يستغرق وقتاً طويلاً بينما تكون إثيوبيا قد انتهت من بناء السد وبدأت مصر تعاني من تبعاته؟

في حين وقف السيسي على منصة الأمم المتحدة معلناً أن مياه النيل مسألة حياة أو موت لمصر، إلا أن كواليس المفاوضات تظهر أن الحكومة المصرية قد استسلمت للأمر الواقع وهو أن سد النهضة أصبح أمراً واقعاً وأن حصة مصر من مياه النيل ستتأثر، بينما تواصل الحكومة «طمأنة» الشعب من خلال رسائلها التي تحمل معنى أن حصة مصر لن تتأثر بالسد بأي حال من الأحوال، وهي الرسائل المنفصلة تماماً عن الواقع وتصدر بالأساس بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة، بحسب تقرير لمجلس دراسات ذي أتلانتيك.

إثيوبيا تواصل بناء السد

جاء هذا الموقف المصري بعدما رفضت وزارة الخارجية الإثيوبية في بيان حاد اللهجة، الجمعة 20 سبتمبر ، أحدث مقترح لمصر بشأن مشروع سد النهضة، ووصفته بأنه «ضد سيادة إثيوبيا».

جاء البيان الإثيوبي بعد وقت قصير على إعلان مصر فشل جولة جديدة من المحادثات حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، الذي سيكتمل قريباً، في إحراز تقدم. وكانت المباحثات قد استؤنفت بعد أكثر من عام.

نقطة الخلاف الرئيسية

يتفق المقترحان (المصري والإثيوبي) على أن المرحلة الأولى من المراحل الخمس لملء السد ستستغرق عامين، وفي نهاية المطاف سيتم ملء خزان السد في إثيوبيا إلى 595 متراً وستصبح جميع توربينات الطاقة الكهرومائية في السد جاهزة للعمل.

صورة من سد النهضة الإثيوبي/ بلومبيرغ
صورة من سد النهضة الإثيوبي/ بلومبيرغ

لكن الاقتراح المصري يقول إنه إذا تزامنت هذه المرحلة الأولى مع فترة جفاف شديد في النيل الأزرق في إثيوبيا، على غرار ما حدث في 1979 و1980، فيجب تمديد فترة العامين للحفاظ على منسوب المياه في السد العالي بأسوان من التراجع إلى أقل من 165 متراً.

وتقول مصر إنها ستكون بدون هذا عرضة لفقد أكثر من مليون وظيفة و1.8 مليار دولار من الناتج الاقتصادي سنوياً، كما ستفقد كهرباء بقيمة 300 مليون دولار.

وبعد المرحلة الأولى من التعبئة، يتطلب اقتراح مصر تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنوياً، بينما تقترح إثيوبيا 35 مليار متر مكعب، وفقاً للمذكرة المصرية.

وتنسب المذكرة إلى إثيوبيا قولها الشهر الماضي إن الاقتراح المصري ”يضع عملية ملء السد في وضع مستحيل“، وهو أمر تنفيه مصر، وتقول المذكرة: ”المقترح الإثيوبي.. ينحاز بقوة لإثيوبيا ومجحف بشدة بمصالح دول المصب“.

أين وصلت عملية تشييد سد النهضة؟

بدأت إثيوبيا في إنشاء مشروع سد النهضة في 2 أبريل  2011 على النيل الأزرق بمدينة «قوبا» بإقليم (بني شنقول – جومز) على الحدود الإثيوبية-السودانية، على بعد أكثر من 980 كيلومتراً من العاصمة أديس أبابا.

وكان من المفترض أن يكتمل بناء السد عام 2017، لكن مجموعة من المشاكل السياسية الداخلية والتوترات الإقليمية، إلى جانب التمويل، أدت لتأخر ذلك حتى الآن، وبحسب الموعد المعلن من جانب حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، يفترض أن تنتهي العملية عام 2022.

سد النهضة تبلغ تكلفته نحو خمسة مليارات دولار (كانت في البداية تقدر بنحو أربعة مليارات لكن تسبب التأخير في ارتفاع التكلفة)، وتم تصميمه ليكون حجر الزاوية في مساعي إثيوبيا لتصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في إفريقيا من خلال توليد أكثر من 6000 ميغاوات.

وفي يناير ، قال وزير المياه والطاقة في إثيوبيا إنه بعد تأخر البناء، سيبدأ السد بإنتاج الكهرباء بحلول نهاية عام 2020، وسيبدأ تشغيله بالكامل بحلول عام 2022.

بحسب آخر التقارير حول عملية تشييد السد في بداية يوليو ، بلغت نسبة البناء 67% والأعمال المدنية اكتملت بنسبة 82%، بينما بلغت الأعمال الكهروميكانيكية 28%، وبحلول العام المقبل ستبدأ وحدتا توليد كهرباء العمل بالفعل لتنتج 750 ميغاواط، والمفترض تركيب 11 وحدة من تلك الوحدات.​

عربي بوست

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى