«عيون بريئة».. قصة قصيرة

> قصة / عبير صفوت

> حلقت كالفراشة متكسرة الجوانح، تطفو على حوائج الحلم، تزدرد الريق، مبصرة قطعة خبز جافة، تشهرها من شدة الجوع والظماء، تخاَطب تلك الأم بعيون متوسلة لله، حتى لاَح صوت مبحوح ضعيف، لابنة الرابعة، بعيون جحظت من أجفانها تطلب بمذلة:
ماما أريد من هذا يا ماما..

جاَل نظر الأم لهذه الهيئة الضعيفة، لفرخ تساقط زغبة، سرعاَن ما انهمرت الدموع تسرى كالفيض، تحاول أن ترتب حروفها:
نعم.. قطعاَ سيأتي بابا الآن.

وعادت الأم تتساءل بفؤادها: ما الذى أخر حاجتك ياعبد الحفيظ؟!
وانشغلت عيناها تطفوا من تلك النافذة الصغيرة المطلة على حي السكاكينى الزهيد.. مسحت مآقيها الحوانيت والأزقة والمقاهي، إنما لا محالة.

وتذكرت تلك الأحبولة، حين قال زوجها المسكين بصوت أقرب للبكاء: ماذا أفعل بهذا العالم؟، لا يتم الرضا لأعوانه، إلا لشخوص مات فيهم الضمير، ومحيت الذمم.. يا لهذا عبد الحفيظ المسكين، لن يخلو زمن الأشراف من المتاعب.
وفركت عينيها خلف ظل يسرى مترنحاً بلا ثبات، وشهقت عندما تجلى وجهاً بائساً، تذكرته جيداً، لهذا الجار البغيض، كيف تسوّل له نفسه المساومة؟! ولاحت بضع كلمات سامة في براح الذاكرة:

هنا بيتك سيدتي وملهى لابنتك الصغيرة، فبعض الأزواج كتبهم القدر كاسم، أما الفعل ربما يكون لأمثالي.
ودلفت دمعة حارقة، مفادها الحسرة على سائر الفقراء، ورائحة الحاجة والقحط والمذلة، وتنبهت لابنتها حين نكزتها برفق، تشهر فتات الخبز الجافة، بصوتها المبحوح: ماما أريد من هذا يا ماما.

وتشبثت الأم بضلوع ابنتها، تحتوى قلباً صغيراً، لا يعرف إلا الطعام والحنان والأمان، ومسحت بعينيها مجرى الحوانيت والمقاهي والأزقة، متلهفة: ما الذى أخر حاجتك ياعبد الحفيظ..؟​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى