افتحوا مسجد الخير ولا تصنفوه فكريا

>
لن يستطيع أحد أن ينكر تصنيف المساجد على أساس فكري ومنهجي. ففي الوقت الذي كانت السلطات الحكومية في عدن وعبر سياسة الأوقاف والإرشاد الديني لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قد فرضت خطاباً دينياً موحداً على جميع المساجد والمنابر والدروس الدينية في كل المحافظات، وتمكنت بذلك من ترسيخ منهج واحدية الخطاب الذي زرع السكينة والوقار والهيبة في المساجد ونزع عنها بؤر الفتنة والشقاق والتمزق والشحناء بين المصلين، وإرسال لجان الرقابة والمتابعة المكلفة من الأوقاف تتابع عن قرب الأنشطة الدعوية في جميع المساجد دون استثناء وهي تراقب المظاهر الفكرية وترصد حركتها وتقيدها تقييداً تاماً وفق سياسة الحظر للأنشطة الفكرية والتوجهات ذات الطابع العقائدي الممنهج خارج إطار الدولة، وتلاحق رواد هذا الفكر وتحد من أنشطتهم السرية والعلنية.. فنتج عن تلك السياسة خطاب ديني مرشد. فعلى الرغم من الانتقاد الشديد لهذا السلوك وتضييقه على الدعوة والدعاة والمنابر ومنهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أن وحدة ذلك الخطاب فرضت سلوكاً عاماً ينطبق على كل المساجد والمنابر في الريف والحضر كل المساجد والمنابر تحت الإشراف العام من قبل السلطات عبر إدارة الأوقاف والإرشاد، فلا توجد مناهج ولا أفكار ولا طوائف ولا جماعات ولا هيئات أو مؤسسات ذات طابع ديني متنازع فاستراحت المساجد وحضرت فيها السكينة والتآخي والانسجام والأمن والأمان، ثم اختلطت على بعضها فيما بعد وأدخلت عليها مدخلات جديدة فكرية وعقائدية ما بين الإفراط والتفريط فتخصصت المساجد والمنابر وانقسمت بين الفرق والمناهج الدينية فصارت مساجد تتبع جماعات سلفية ومساجد تتبع جماعات صوفية وأخرى تتبع جماعات إخوانية، واقتحمت الأفكار المتطرفة أو الحزبية المساجد فصارت تستقطب المناصرين لها عبر أنشطة متنوعة شبابية وإنسانية فانغرست مظاهر العداء والبغضاء بين الجماعات وتحولت المساجد إلى ساحات للصراع والنزاع حتى وصل العجز عند مكاتب الأوقاف والإرشاد في تعيين إمام مسجد أو تغيير آخر بسبب التكتلات ذات التصنيف الفكري، فلا يستطيع مكتب الأوقاف أن ينصب خطيباً لجامع في مسجد طابعه الفكري غير متوافق مع الخطيب أو الإمام. ولن ننسى تداعيات تقسيم المساجد والمنابر الدعوية بين الفئات والجماعات وكيف ظهرت بسببها أفكار متطرفة وأخرى أوصلت جماعة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء إلى مساحة واسعة من الحرية في ترسيخ منهج عقائدي لا صلة له بتراث وتاريخ اليمن المذهبي أو الطائفي فصارت المساجد التابعة للحوثيين نموذجاً للطائفة الاثنا عشرية.

في موضوع آخر.. سنوات عديدة ومسجد جامع الخير في مديرية المعلا معطل عن أداء دوره في إقامة الصلاة وخطب الجمعة وتقديم الدروس الدينية وتعليم الأطفال، فلقد مر بمرحلة عصيبة عجزت فيها كل الجهات عن حلحلة المشاكل التي واجهته بدءاً بالهدم وإزالة المخلفات والتفاهم مع المنتفعين بالدكاكين والوصول أخيراً إلى توافق مع الجميع بإخلائها لصالح المسجد مقابل التعويض والتي استغرقت وقتاً خيالياً يكاد يشبه التفاوض المعقد بين الأطراف السياسية، وبالكاد بدأت عملية البناء والتي استغرقت أيضاً وقتاً طويلاً ما لبث رواد المسجد من أهل الحي يتابعون أحجار البناء ترتص ببطيء شديد حجرة حجرة حتى ارتقت منارة المسجد عالياً ولبست جدرانه الخارجية حلة جديدة تسر الناظرين، ويطوف المتشوقون لمسجدهم من الأهالي وجيران المسجد في أروقته كالسياح في متحف بديع الجمال بكامل زينته وفرشه المبهرة في نعومتها ووفرة وبرها والنجف المدلاة من على الأسقف المزخرفة بأبهى زينتها وأجهزة التكييف عالية الجودة والفخامة.. مسجد من أجمل المساجد التي تم بناؤها في عدن، ومنذ استكمال البناء والتجهيزات الفخمة وفرش السجاد ونصب المنارات عالية وتركيب المكيفات، لم يبقَ إلا أن يرتقى بلال المعلا في جامع الخير أعلى المنارة يهتف الله أكبر بعد انقطاعه لسنوات طويلة لم يمر مسجد في العالم في فترة بناء كمثله على الإطلاق، حتى عمليات الترميم للحرمين المكي والمدني على سعتهما فلم يستغرق ترميمهما ما استغرقه جامع الخير في عدن بمدينة المعلا، كل تلك الفترة التي استغرقت سنوات وسنوات لا يفهم الناس سبب طول الفترة وتأخير افتتاح المسجد.. تساؤلات كثيرة عن استمرار إغلاق أبواب جامع الخير في وجوه الرواد من أبناء الحي والمصلين المارين من أمامه وأول ما يتوجّه بهم المقام هو النزول والتوجّه إلى ساحة المسجد لغرض الدخول للصلاة في المسجد  الخلاب بمنظره الخارجي ثم لا يجدون إجابة من أحد عن سبب إغلاقه وهو في كامل جهوزيته تمر الصلاة بعد الصلاة والجمعة بعد الجمعة وجامع الخير في المعلا مغلق في وجوه المصلين بمنارته الأعلى من عمارات الشارع الرئيسي دون أن يهتف ببنت شفة وبأي صوت وأي لحن لم يرفع الآذان ولم تقم الصلاة ولم يجتمع المصلون للجمعة.. لماذا ولماذا ولماذا يستعجل المصلون دوماً فتح المساجد ويشاركون باستكمال التجهيزات والمسارعة فيها حتى لا يحرم الناس من صلاة تقام في المسجد اليوم قبل الغد.

أسباب مجهولة في إغلاق المسجد وهو جاهز.. فهل يتعلق الأمر بالتصنيف الفكري والمنهجي للمسجد والبحث عن جهة تتبناه فكرياً ومنهجياً بديلاً عن السابقة؟.. افتحوا جامع الخير فلقد طالت فترة التعطيل والمنع.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى