ماذا بعد التوقيع؟

>
في الآية القرآنية «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم». وفي الحديث «تأملوا خيرا تجدوه». نقول الحمد لله إن تم أو سيتم التوقيع على اتفاقية جدة وسيشهد المجتمع الدولي عليها وستكون مفتاحا لحل المشاكل المتبقية وإنهاء لدورة الصراع الدامي القائم على الاستئصال والإلغاء واستحواذ طرف على الآخر حقا وباطلا.. كل ذلك يفترض أن ينتهي ويؤسس لمرحلة جديدة قائمة على إحقاق الحقوق لأصحابها والتعايش السلمي بين جميع الأطراف تحت قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»، والتعامل بحسن النوايا والتقيد بالعهود والاتفاقيات والمضي بحسب ما جاء في بنود الاتفاق الذي سيسجل لمرحلة تشبه اتفاقية الطائف بين الإمام والمملكة وسيكتب التاريخ الاتفاقية، لضمان أمن وسلامة الجيران للمملكة العربية السعودية الذين طالما أرهقوا دول الجوار بالنزاع والصراع الدائم.

ماذا بعد اتفاقية جدة 2019م بشأن الأزمة بين أطراف الصراع في عدن؟ لو ندقق في أطراف الاتفاقية سنجد أنه للمرة الأولى ينحسر بين أطراف جنوبية محضة اختلفت حول قضية الارتباط اليمني، ففصيل الانتقالي يريد إنهاء الارتباط والتوجه نحو الدولة المستقلة، والطرف الآخر هو طرف الشرعية من الجنوبيين المتمسك بخيار اليمن والاتحاد اليمني وأي شكل يضمن بقاء اليمن..

ولاستحالة الجمع بين الطرفين في مشروع واحد ولخطورة بقاء الوضع في حالة الشد والجذب وأثر ذلك على المنطقة التي نجحت في إفشال المشروع الإيراني في تطويق المنطقة ومحاصرتها من الخليج والبحر الأحمر.. صار لزاما على العرب وممثلتهم المملكة العربية السعودية ومصر ومن خلفهم الحلف المناهض والمتضرر من المشروع الإيراني، صار لزاما عليهم التدخل الفوري والمباشر لإحكام السيطرة على المنطقة وسد الباب أمام إسقاط النجاحات التي تحققت في باب المندب بيد المشروع الإيراني من جديد عبر إشغال الجنوب بصراع داخلي بين الجنوبيين أنفسهم، وهذا ما يهدد الأمن والسلم الإقليمي، وكان طوق النجاة للمرة الثانية هو التدخل السعودي المباشر، المرة الأولى في عاصفة الحزم وتحرير عدن، والمرة الثانية في اتفاق جدة والتسوية السياسية.

ليس في التسوية السياسية تحقيق لمشروع أي طرف من الأطراف، فلا فك للارتباط اليمني يلبي مشروع الانتقالي بشكل مباشر، ولا توثيق الارتباط اليمني مجددا يشبع رغبة الشرعية، فكان الوسط المتاح هو في مسك العصا من الوسط، وهذه عملية حسابية ليست بالسهلة، فلن يتخلى الانتقالي إطلاقا عن طموحه وتطلعه الآني والمستقبلي في استعادة الدولة وفك الارتباط، وإن قبوله بالتمكين على الأرض وإدارة الدولة بدون إشهارها والإعلان عنها والتعامل الداخلي والخارجي من خلالها لن يدوم طويلا، وتدريجيا سيسعى لتحقيق ذلك، كما أن الشرعية حبل الوريد الرابط بين الشمال اليمني وحلمه ببقاء الجنوب، والذي لولا تيار الشرعية من الجنوبيين المتبقي حتى اللحظة متمسكا باليمننة لانتهى أمر الدولة اليمنية الواحدة أو الاتحادية أو أي شكل من أشكالها، فظلت شعرة معاوية واقفة للربط بين الجنوب الطموح بفك الارتباط واليمن المتمسك بالوحدة والاتحاد، ولهذا كان اتفاق جدة للمحافظة على توازن المرحلة القادمة التي ستتجه ملامحها إلى خيار واحد هو الحرب من أجل استعادة الجنوب بالقوة عبر الوريد الجنوبي من الجنوبيين أو فك الارتباط بالقوة عن طريق قطع الوريد الرابط بين الجنوب واليمن، ولكن للأسف الشديد هذا الوريد هو في جسد الجنوب ومن أبنائه الجنوبيين..

فاتفاق جدة لابد منه، وهو ضرورة ملحة ولو للمرحلة الحالية هذه على الأقل، وحتى تتشكل النخبة الواعية لدراسة المرحلة القادمة وإمكانية إيجاد الحل الدائم والمناسب لاستقرار الأوضاع بين حق الجنوبيين وشهوة البسط التوسعي عند اليمنيين، ولوضع مداميك الحل الدائم والمستقبلي للأجيال لابد من جولة طويلة من الحوار الثقافي والديني والاجتماعي بين الشعبين الجارين والنخب السياسية لمناقشة جادة وعقلانية بعيدة عن الأصل والفرع والثورة الأم والبنت وغيرها، ويقتنع اليمنيون بحق الجار الجنوبي باختيار سبل العيش الكريم والأمن التي تناسبه خارج الهيمنة والاستبداد والتعالي ومراعاة الجوار والأخوة الإسلامية، غير ذلك فلن تكون اتفاقية جدة بأبعد من اتفاقية معاهدة الأردن، ووثيقة العهد والاتفاق التي مزقها مشروع إعادة الفرع للأصل والثورة الأم 1994م وما بينها حتى 2019م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى