اتفاق الرياض.. وحسابات الربح والخسارة بين الانتقالي والشرعية

> قبول الانتقالي ببقاء الوحدة «سياسة مرحلية» لا تتعارض مع الهدف الأساسي لإقامة دولة مستقلة

> "اتفاق الرياض" الأخير الذي ينتظر التوقيع عليه بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي سيفضي إلى اقتسام المناصب الحكومية، الوزارات والهيئات المستقلة، "مناصفة" بين شمال اليمن وجنوبه.
وينص الاتفاق على تشكيل حكومة مؤلفة من 24 وزيراً، في "حكومة مناصفة ما بين المحافظات الجنوبية والشمالية في اليمن"، وتشكيل "لجنة مشتركة" يشرف عليها التحالف العربي لتنفيذ الاتفاق.

ومع ذلك، فإن اتفاق تقاسم السلطة في حقيقته، اعتراف ضمني بنوع من "الشرعية" للمجلس الانتقالي الذي لا تزال الأمم المتحدة المشرفة على عملية السلام بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي ترفض مشاركة ممثليه في جميع الاتفاقيات بين الطرفين.

لكن الأهم في اتفاق الرياض، هو تأجيل أية تحركات للمجلس الانتقالي "راهنة" تهدف لفرض الأمر الواقع باستخدام القوة لانفصال الجنوب على الأقل، إلى ما بعد الانتهاء من الحرب على جماعة الحوثي، وهو الهدف الأول من تدخل السعودية التي ترى في الجماعة تهديدا لأمنها واستقرارها، والبنية التحتية للاقتصاد السعودي المهدد من جماعة الحوثي من خلال سلسلة من الهجمات التي استهدفت قطاع الطاقة.

أضعف الصراع بين الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية الموقف السعودي في مواجهة جماعة الحوثي التي نجحت في تعزيز قدراتها وترسيخ سلطاتها في مناطق سيطرتها بشكل أكبر بعد قرار الإمارات سحب جزء من قواتها وإعادة انتشار ما تبقى منها تاركة السعودية "بمفردها" في مواجهة تهديدات جماعة الحوثي مكتفية بدعم القوات الحليفة لها في تشكيلات المجلس الانتقالي الجنوبي.

اقتسام السلطة بين طرفي المواجهة في الجبهة المناهضة لجماعة الحوثي يعكس إلى حد ما "عجز" السعودية عن الحفاظ على وحدة التحالف وتسخير إمكانياته في مواجهة جماعة الحوثي والقضاء على تهديداتها.

يمكن أن يؤدي اقتسام السلطة وفق "اتفاق الرياض" إلى تعزيز قدرات المجلس الانتقالي الجنوبي من خلال الصلاحيات الإضافية داخل الحكومة والتي "قد" تفضي إلى منح المجلس سلطة "حكم ذاتي" في جنوب اليمن يمكن له على المدى البعيد أن يؤدي مستقبلا إلى إقامة دولة مستقلة عن الجنوب، وهو الهدف الذي يسعى إليه المجلس الانتقالي وتدعمه الإمارات بشكل ما.

بموجب الاتفاق، فإن قوات الحزام الأمني وقوات أخرى مرتبطة بالمجلس الانتقالي ستكون جزءا من القوات الحكومية اليمنية، ما يعزز شرعية المجلس والقوات المرتبطة به والتي كان يُنظر إليها على أنها قوات انفصالية متمردة على الشرعية.

يمكن أن يكون لنشر قوات سعودية في عدن بدلا من القوات الإماراتية المنسحبة، أو التي تشير بعض التقارير إلى أنها ستنسحب مستقبلا، أن تضع حدا لموجات جديدة من الاقتتال بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، لكن ذلك سوف لن يحد من قدرات قوات المجلس في إمكانية فرض الأمر الواقع باستخدام القوة في مراحل لاحقة تعتمد على استمرار قدرة السعودية على ديمومة التوافق السياسي بين الطرفين، المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية.

قد يكون "التنازل" الوحيد الذي قدمه المجلس الانتقالي الجنوبي، هو القبول بتضمين اتفاق الرياض التأكيد على "وحدة" الأراضي اليمنية في دولة واحدة، لكن يمكن أن يكون هذا الموقف مجرد "سياسة مرحلية" لا تتعارض مع الهدف الرئيسي للمجلس في إقامة دولة في الجنوب "مستقلة" عن الشمال.

وعلى ما يبدو فإن اتفاق الرياض سيعطي للدور السعودي في اليمن شكلا من أشكال التحكم بالقرار الحكومي باعتبارها الدولة التي هندست الاتفاق في حالة شبيهة من النفوذ السعودي الفاعل في لبنان في الفترة بين توقيع "اتفاق الطائف" لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989 واغتيال رئيس الوزراء الأسبق "رفيق الحريري" في عام 2005.

وسيكون لإعادة انتشار القوات السعودية في العاصمة المؤقتة بدلا من القوات الإماراتية تعزيزا للنفوذ السعودي في اليمن ودورها في رسم مستقبل البلاد وشكل الحكومة الجديدة والحكومات التي تعقبها.

وتشير التسريبات، التي توفرت قبيل التوقيع، إلى أن الاتفاق ينتزع من الحكومة الشرعية عناصر سيادية جوهرية على أصعدة سياسية وإدارية وعسكرية وأمنية، ويهبها في المقابل جوائز ترضية تتمثل في عودة الحكومة ومؤسسات الدولة إلى عدن، والمناصفة مع الشمال في الحقائب الوزارية، ومنح الرئيس اليمني سلطة تسمية الوزارات السيادية وتعيين بعض المحافظين.

ورغم أنه في المقابل لا يمكّن للمجلس الانتقالي الجنوبي من ممارسة السلطة ميدانياً، فإن الاتفاق يدخله في حكومة شراكة وطنية ويدمج عناصره العسكرية في الجيش كما يضم وحداته الأمنية إلى وزارة الداخلية.
وفي أحد بنوده الأخطر يضع الاتفاق كلاً من الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي على قدم المساواة من حيث تجميع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، بما في ذلك الدبابات والمدرعات والمدفعية والصواريخ الحرارية، ونقلها إلى معسكرات في عدن تشرف عليها قوات التحالف.

وهذا يعني عملياً نقل هيمنة الأمر الواقع من التحالف في شقه الإماراتي إلى التحالف في شقه السعودي، وتكريس ذلك بموجب اتفاق «دولي» الطابع تصادق عليه الأمم المتحدة ويعتمده المجتمع الدولي، رغم أنه ينقل مآزق اليمن إلى طور أكثر تعقيداً وأشد مأساوية.

رئيس وحدة التسليح بالمركز المصري للدراسات والفكر أحمد عليبة رأى في مسود الاتفاق خمسة محاور إستراتيجية رابطة بينها وحدد فيما يلي:

1 - تضع وثيقة الرياض خريطة طريق مستقبلية واضحة الملامح تتضمن جدولًا زمنيًّا لخطة عمل سياسية وأمنية واقتصادية وعسكرية لإنهاء الصراع بين الحكومة الشرعية والجنوب. وفي واقع الأمر، تعيد هذه الخريطة هندسة الوضع الجنوبي ضمن الإطار العام للدولة استنادًا إلى المرجعيات الثلاث المعروفة لتسوية الأزمة اليمنية، وهي: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرار الأممي 2216. وبالتالي، فإنها لا تحسم الأزمة فقط بين الحكومة الشرعية والجنوب، أو بمعنى آخر "احتواء الأزمة"، وإنما تحسم "القضية الجنوبية" في إطار الأزمة اليمنية بشكل عام، لكن سيظل الحكم النهائي على هذا الاستنتاج رهن التجربة في المستقبل، ومدى القدرة على استقرار الاتفاق.

2 - ما يتعلق بالعلاقة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي ورد في سياق عملية تقاسم سلطة وليس تقاسم نفوذ، حيث تحفظ للشرعية مركزية القرار وحق الإدارة، وهو ما يظهر من الخطوات التنفيذية الخاصة بالملحَقَيْن السياسي والعسكري، حيث سيتم تقاسم المواقع الحكومية (في إطار إعادة تشكيل حكومة من 24 وزيرًا) تتوزع بالمناصفة بين الشمال والجنوب، وهو ما ينطوي على صفقة للتسوية السياسية لكنها تظل تحتكم إلى الرئيس باعتباره رأس الهرم في السلطة، وما دونه يمكن التشاور بشأنه، مع الاحتفاظ له ضمنيًّا أيضًا باختيار رئيس الوزراء.

3 - من شأن الاتفاق قطع الطريق على مشاريع الانفصال أو استقلال الجنوب، وإنهاء مشروع الوحدة، وفقًا للدعوات التي تشكلت في إطار مسار الصراع السابق، بل إنها أيضًا استندت إلى قواعد مخرجات الحوار الوطني فيما يتعلق بترتيبات الحكم على النمط الفيدرالي الكلاسيكي، حيث الاتفاق على الأقاليم الستة، ومنها إقليم عدن الذي يشمل إلى جانب عدن أبين والضالع، وبالتالي يقوض التطلعات الخاصة بمشروع تمدد نفوذ القوى الجنوبية في باقي مناطق الجنوب. وبالتالي لدينا مؤشر على فكرة استقرار الاتفاق في المستقبل ولن يكون مجرد اتفاق مؤقت.

4 - هناك عملية إعادة انتشار شامل للقوات العسكرية وتوزيع القوات الأمنية، وهنا ملاحظتان أساسيتان، الأولى أنه لن يكون هناك عملية "إدماج" قوات وإنما عملية "ضم" بحيث يتم توحيد قرار المؤسسة في يد سلطة واحدة، مع بعض الضمانات "الانتقالية" لنزع فتيل أي صدام محتمل بحيث يتم إخلاء عدن من مظاهر التسلح المتوسط والثقيل، ووضعه في معسكرات خارجها والتي سيبقى قرار تحركها مقيدًا بيد قيادة التحالف التي تمثلها السعودية. والثانية هي عملية الانتشار العسكري الخاصة بالتحالف والتي بموجبها سيصبح الثقل العسكري في الجنوب في يد المملكة العربية السعودية، وهو ما يعني تمدد الانتشار السعودي لتصبح القوة الأساسية في الجنوب ضمن عملية إعادة انتشار القوة الإماراتية المتبقية في ضوء خطة "إعادة الانتشار الإماراتي". وتشير الوثيقة في هذا الصدد إلى أن هذا سيحقق عملية السيطرة والمراقبة للسواحل البحرية الجنوبية اليمنية، وبالتالي يقوض انتهاكات إمداد السلاح لقوى التمرد الحوثي في الشمال، ويضبط إيقاع الحركة في بحر العرب وصولًا إلى باب المندب، وهو أمر سيحتاج من المملكة انتشارًا بحريًّا كثيفًا سيتطلب دعم قوى بحرية أخرى من التحالف في تلك المواقع.

5 - يعيد الاتفاق الاعتبار للمرجعيات السياسية الخاصة بالأزمة اليمنية، وانطلاقًا منها إعادة الاعتبار على التوالي للشرعية اليمنية وللمؤسسات اليمنية التي طغى عليها طابع الانقسام والصراع وغلبة المصالح والاعتبارات الحزبية والأيديولوجية والجهوية. لكن يظل أيضًا أن التطبيق هو الحاكم للمشهد، حيث إن هناك اعترافًا واضحًا بسلطة المجلس الانتقالي في كافة بنود الوثيقة، وبالتالي هناك مكون جنوبي له اعتبار سياسي كسلطة حكم ذاتي لديها صلاحيات تتوازى مع صلاحيات الحكومة المركزية، وهو أمر يحتاج إلى قدر من بناء الثقة، ولا سيما في المرحلة الأولى من الإجراءات التنفيذية، خاصة أن أول إجراء تنفيذي هو عودة رئيس الحكومة إلى العاصمة عدن وإدارة المؤسسات من هناك.

كما تطرق الباحث عليبة إلى طبيعة الصراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الشرعية اليمنية وما يتفرع منه ويرتبط من مصارعات أخري، مشيرا إلى مستويات من الصراع حددها في:

1 - تعدد دوائر الصراع: تتعدد دوائر الصراع في المشهد اليمني بتعدد ساحات المعارك في الشمال والجنوب، ودخول تنظيمات التطرف على خط الأزمة، بحيث أصبح المشهد في الجنوب ربما أكثر تصعيدًا من نظيره في الشمال. ومن المتصور أن مواصلة هذه الجولات وعدم توقفها سيفتح الباب لمزيد من الأنماط الأخرى من الصراعات المناطقية، في إطار الأوزان العصوبية في الجنوب. فالرئيس اليمني ينتمي إلى أبين على سبيل المثال، كذلك قد تنتفض حضرموت لاحقًا في حال تمكن الانتقالي من فرض سيطرته على الجنوب في أي من الجولات الدائرة. وهناك خلاف حول المشروع السياسي قائم بين المؤتمر الوطني الجامع في حضرموت وبين الانتقالي في عدن. كما قد يوقظ مشروع الانتقالي نفسه المكونات السياسية الأخرى المعارِضة له في عدن، والتي كانت تنضوي تحت إطار الحراك الجنوبي قبل ظهور الانتقالي عام 2017.

2 - تغير مدركات الأطراف لطبيعة الأزمة: هناك متغير يتعلق بمدركات الأطراف لطبيعة الأزمة اليمنية في الوقت الراهن، والمسار الذي يجب اتباعه مرحليًّا؛ إذ انحرف مسار الصراع المركزي الذي بدأ مع إطلاق "عاصفة الحزم" في مارس 2015 لإنهاء التمرد الحوثي في الشمال وإعادة الشرعية إلى العاصمة، ليتمدد الصراع حاليًّا إلى الجنوب مع تمرد الانتقالي على الشرعية، وبالتالي أصبحت هناك مدركات مختلفة بين الفاعلين الإقليميين والمحليين في الصراع، فاختلطت الأوراق حول ترتيب الأولويات والأهداف المرحلية، بين تمكين الشرعية في المناطق المحررة وتأجيل النظر في أي مشروع سياسي إلى حين الانتهاء من المهمة الأصلية، وبين استكمال مشروع تحرير العاصمة في الشمال. وأيضًا هناك حاجة لإعادة النظر في بنية التحالف، وطبيعة القيادة والشراكة واستحقاقات كل دور من تلك الأدوار.

3 - تعمق الخلاف وتراجع الحوار: من شأن تعاقب جولات المعارك الحالية في الجنوب تعميق الخلاف بين الانتقالي والشرعية، ولا سيما مع تمسك كل طرف بفرض أجندته السياسية على الآخر؛ فالانتقالي يتمسك بإعادة هيكلة الحكومة، وإنهاء دور الإصلاح (الإخوان) فيها، وإنهاء التواجد العسكري في الجنوب، حيث تشير كافة بيانات الانتقالي المتعددة إلى إخراج "القوات الشمالية" من الجنوب، ومواصلة المساعي نحو "دولة الجنوب الفيدرالية المستقلة"، وتدويل قضية الجنوب بوضعها على جدول أعمال المبعوث الأممي في مقابل القبول بالشرعية الرئاسية فقط، مقابل دعم الانتقالي للمعركة ضد الحوثي. وفي المقابل، ترفض الشرعية تلك الصفقة، وتتمسك بالعودة إلى وضع ما قبل أغسطس، الأمر الذي عرقل الحوار الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية في جدة قبل أسبوعين. ومن المتصور أن الجولات الحالية ستزيد من صعوبات انعقاد الحوار بين الطرفين.
«الأيام» غرفة الأخبار

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى