أوراق الخريف.. هل يستعيد اليمن عافيته بعد اتفاق الرياض؟

> أحمد باتميرة

> منذ أيام قليلة استقبل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ـ الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وهذه الزيارة وحفاوة الاستقبال وما تبعها من الترحيب باتفاق الرياض تؤكد على تاريخ العلاقات الطيبة بين البلدين الشقيقين والراسخة والمتماسكة منذ سنوات طويلة.

زيارة قال عنها الأمير خالد عبر حسابه على "تويتر": "بناء على توجيه ولي العهد سررت بزيارة سلطنة عمان الشقيقة، ولقاء جلالة السلطان قابوس والاستماع لرؤية جلالته حول الأوضاع في المنطقة. ونقلت لجلالته رسالة من سمو سيدي ولي العهد، وتم التأكيد على عمق العلاقات الاستراتيجية والتاريخية الأخوية بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها". هكذا هي العلاقة بين السلطنة والمملكة العربية السعودية.

ولعل الترحيب باتفاق الرياض يأتي في إطار مساندة ودعم توجه المملكة العربية السعودية الشقيقة لإيجاد حل مرضٍ للأزمة اليمنية، بما يحقق الاستقرار والأمن لليمن، فالسعي للوصول إلى حل سياسي للأزمة نادت به السلطنة مرارا وتكرارا على اعتبار أنه الحل الأفضل للأزمة ولتعزيز الحفاظ على وحدة اليمن وتماسكه.

فسياسة السلام ودعم الأمن والاستقرار والحوار منهج ثابت للسياسة العمانية تحت قيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ أيده الله. ومن منطلق ذلك المنهج الثابت رحبت السلطنة باتفاق الرياض وأيضا بكل الجهود السياسية والدبلوماسية التي ساهمت وتسهم في تحقيق المصالحة اليمنية ـ اليمنية ما يعزز الجهود الخليجية لحل الأزمة اليمنية ونحن متفائلون بتحقيق السلام الشامل بين جميع الأطراف اليمنية.

وفي كلمته أمام مجلس الشورى السعودي أعرب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عن أمله أن يفتح اتفاق الرياض الباب أمام تفاهمات أوسع بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية وفقا للمرجعيات الثلاث.

وهذا الأمر يتطلب تعاون كل الأطراف لوقف هذه الحرب وإنهاء الأزمة من أجل أن يتفرع اليمن للتنمية والبناء وإعادة الإعمار. لذا تأمل السلطنة أن يمهد اتفاق الرياض للوصول إلى تسوية سياسية شاملة تنهي الأزمة الحالية في الجمهورية اليمنية الشقيقة، وأن ينجح في تحقيق أهدافه.

فكم هو جميل ذلك البلد، بلد التاريخ والحضارة والعمارة والمنارة، أصل الحضارات وموطن العروبة من أزمنة بعيدة، مملكة بلقيس وسبأ وقتبان ومعين وحمير وجرهم وكندة وغيرها، يعجز القلم عن الكتابة عنها، ولسان الشعراء عن التعبير في وصفها، هي سجل متكامل من الكنوز والعقيق، والعروش، وآثار أقوام وأقوام ما زالت في الذاكرة، هو موطن سد مأرب، هو اليمن الحضارة وفصاحة اللسان والبلاغة والفن، هو "بلدة طيبة" كما ذكر في القرآن الكريم، واليمن السعيد.

فالتقريب والاتفاق بين أهل الجنوب هو بداية للإسهام في حلحلة الأمور وحل الخلافات بينهم، وخطوة أولى نحو استعادة اليمن لوحدته ولمكانته، والتمهيد للجلوس على طاولة المفاوضات مع الحوثيين، ومن ثم تفعيل المؤسسات وتشكيل الحكومة الجديدة ليعم الأمن والاستقرار كافة ربوع اليمن.

كانت وما زالت السلطنة، وانطلاقا من إيمانها العميق والدائم بأن الحوار والمفاوضات هما أنجع الوسائل لحل الخلافات، فإنها تبذل بالتعاون مع شقيقاتها جهودا مشتركة ومساعي خيّرة لدعم هذه المبادرات التي من شأنها المساعدة في حل الخلافات، ووقف الحروب والدمار، ونشر ثقافة السلام والأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة برمتها.

وفي هذا الإطار جاء ترحيب السلطنة بجهود المملكة العربية السعودية الشقيقة في التوصل إلى اتفاق الرياض بين بعض الأطراف اليمنية. وتأمل السلطنة ـ كما جاء في بيان وزارة الخارجية ـ في أن يمهد ذلك الاتفاق للوصول إلى تسوية سياسية شاملة تنهي الأزمة الحالية في الجمهورية اليمنية الشقيقة.

فعُمان تدعم كل الجهود العربية والأممية والدولية لإيحاد حل سياسي في اليمن، فعلى الأطراف اليمنية تغليب المصلحة الوطنية العليا، وأخذ زمام المبادرة في إنهاء الصراع من أجل مصلحة بلدهم، فقد حان الوقت لوقف الحرب المشتعلة والتي أضحى استمرارها يشكل أزمة حقيقية للشعب اليمني اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وأمنيا وإنسانيا كذلك.

فالسلطنة كرست وتكرس كل جهودها لوقف الحرب في اليمن، وهو الأمر الذي تطرق إليه مرارا وتكرارا معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في لقاءاته وتصريحاته. فالنهج العماني ثابت ولم يتغير، ويهدف إلى مساندة كل الجهود لوقف هذه الحرب التي استنزفت الكثير والكثير من كافة الأطراف.

لذا أسعدنا جميعا "اتفاق الرياض" بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو اتفاق يمهد لما هو أكبر في قادم الأيام بين الحكومة الشرعية والحوثيين في الشمال مما يمكن اليمنيين من إدارة شؤون بلادهم، والاتفاق على كثير من النقاط التي نأمل أن تعيد لهذا البلد العظيم مكانته وعروبته وقوته وسيادته الوطنية مستندين إلى وحدة هذا الشعب على مر القرون والعصور في حل قضاياه بالحكمة اليمانية.

لذا نأمل أن يحقق اتفاق الرياض وما سيأتي بعده الوحدة لليمنيين ولا يفرقهم ـ بإذن الله ـ ليعيش الشعب اليمني الشقيق في سلام وأمان الجنوب حتى الشمال، وأن ينهي كافة الخلافات الحروب والجلوس على طاولة المفاوضات بصدق نية صافية، ومن ثم التعايش بسلام بين كافة أطياف المجتمع اليمني.

فالحوار ثم الحوار هو الطريقة السلمية للوصول لاتفاق ينهي الأزمة نهائيا ويوقف الحرب، ثم الاتفاق على حكومة وحدة وطنية، وتغليب مصالح اليمن العليا على المصالح الضيقة دون تفريق أو استبعاد طرف. فالحرب لن تأتي بسلام، ولا بأمان، ولا رفاهية، بل إنها مزقت البلد والشعب وقضت على ثروات هائلة.

أربع سنوات من الحرب أفقدت اليمن الكثير والكثير، واليوم نأمل بعد "اتفاق الرياض" أن يعم الهدوء والسكينة والاستقرار ذلك البلد، وحسبما يراه أبناؤه، فسلطنة عمان وقائدها الحكيم جلالة السلطان قابوس بذل ويبذل كل جهد من أجل استقرار اليمن حكومة وشعبا، وإعادة اليمن السعيد كما كان وأفضل، وهو موقف تاريخي وثابت نظرا لمكان اليمن وشعبه في وجدان كل عماني.

فالأمس عادت الروح وتنفسنا الصعداء، بعد تحركات وجهود مضنية قامت بها حكومة خادم الحرمين الشريفين بقيادة الملك سلمان وولي عهده في تعاملها مع أزمة الجنوب، والتي نأمل أن تتبعها تحركات أخرى في الشمال، فإسهامات دول مجلس التعاون الخليجي في حل الأزمة اليمنية لا يمكن نكرانها من خلال المبادرة الخليجية التي طرحت على الإخوة في اليمن أثناء مؤتمر الحوار قبل اندلاع الحرب وهي واضحة للعيان، واليوم جاء اتفاق الرياض ليدعم هذه المبادرات لتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع في اليمن للوصول لحلول مرضية للجميع ودون ضرر أو ضرار.

موقف السلطنة صريح وثابت بعدم التدخل في شؤون الآخرين، وترك المجال لهم لحل قضاياهم بالطرق السلمية والحوار، دون الوقوف مع طرف ضد الآخر، والشواهد كثيرة، حقنا للدماء وسعيا للحوار، ومن ثم التوصل إلى ما يحقق المصلحة العامة للشعب اليمني الشقيق، وحل كافة الملفات العالقة بين الفرقاء وعودة الشرعية إلى كامل التراب اليمني من خلال تسوية حقيقية لكل الإشكاليات العالقة في اليمن.

لقد نادت سلطنة عمان وأثبتت منذ بداية الأزمة أنها مع الحوار والتراضي، وما أكثر الرسائل العمانية البليغة في هذا الإطار، وأتذكر جيدا اللقاء الطيب الذي جمعني يوما ما بسعادة الدكتور السفير خالد شطيف سفير الجمهورية اليمنية في السلطنة وإشادته بالعلاقات القائمة بين اليمن وسلطنة عمان وحجم الحب الذي يكنه الشعب اليمني لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم لمواقف جلالته، ومواقف الشعب العماني تجاه كافة القضايا اليمنية، وهي ليست غريبة على جلالته وحكومته ـ كما يقول سعادته ـ بل هي متجذرة ومستمرة وتستند إلى الاحترام المتبادل والأخوة الصادقة والحرص على تنميتها وتطويرها في كافة المجالات.

لذا سيبقى اليمن متميزا بعراقته وتاريخه وطبيعته وفنونه وعاداته وتقاليده ودوره الحضاري والتاريخي، وستظل الحكمة يمانية تسمو فوق كل التحديات.. لذا نأمل أن يستعيد اليمن عافيته بعد اتفاق الرياض، وأن تعود إليه سعادته المفقودة. والله من وراء القصد.

"الوطن" العمانية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى