الشهيد منير محمود علي "أبو اليمامة"في موكب الخالدين

>
الخميس 12 ديسمبر 2019م يصادف مرور مائة يوم على وقوع ثلاث عمليات إرهابية في توقيت متزامن استهدفت معسكرات ومراكز القوات الجنوبية في كل من معسكر الجلاء في مديرية البريقة، ومركز شرطة الشيخ عثمان، ومعسكر الحزام الأمني في مديرية المحفد، نجم عنها سثوط عشرات الشهداء والجرحى كان في مقدمتهم الشهيد القائد/ منير محمود علي "أبو اليمامة"، وشكّلت الاعتداءات الثلاثة قمّت مظاهر التنسيق بين القوى الثلاث المعادية للجنوب وهي الجماعات الإرهابية، وتنظيم الإخوان المسلمين، والمليشيات الحوثية. وكان لتلك العمليات والحداث ما بعدها من تطورات خطيرة عاشها الجنوب ولا يزال وبالذات في عدن ولحج وأبين وشبوة، وبلغت ذروتها في محاولة إسقاط عدن يوم 28 أغسطس.

ترك استشهاد القائد الفذ أبو اليمامة فراغًا كبيرًا وخطيرًا في صف القوى الجنوبية لما كان يتمتع به من قدرات وصفات قيادية وبسالة وشجاعة وتأثير، وبمناسبة مرور مائة يوم على رحيله ماذا يمكن للكتابة أن تضيف إلى ما سطره الشهيد، وما مثّله وخطه طوال مسيرة حياته القصيرة زمنًا وعمرًا، والثرية والغنية بما اعتمل خلالها، بمضمونها، بالقيم والمثل الوطنية والإنسانية التي تحلى بها الشهيد، وكرّسها في حياته وفي كل أعماله ونشاطه، وبالأهداف والغايات التي نذر نفسه لها، ووهب حياته لنيلها وبلوغها؛ عن إنسان استثنائي، استشهد في ريعان شبابه وقمة عطاءه، جسد كل ما يعنيه ويدل عليه الوصف من قيم ومثل نبيله وساميه: التواضع، الإخلاص، النقاء، الحكمة، الطهارة، حب الناس والوطن، الشهامة والشجاعة، نصرة الحق والمظلوم ورفض ومقاومة الظلم والظلمة، وغيرها. عن مناضل صلب جسور، ومقاوم شجاع، وقائد محنّك، ورمز وطني اجتماعي حضيَ بحب الناس وإعجابهم، وحاز على ثقتهم.

بحثت في معجم المعاني عن ما تعنيه اسم "منير" فوجدت الإجابة التالية أنه يعني: "المضيء، المشع نورًا، مشرق الوجه، الذي يتفاءل به الجميع". أما "المنير" بإضافة أدوات التعريف فهو اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه وفقًا لذات المرجع: "باعث النور والهداية في النفوس".

لقد كانت حياة الشهيد تجسيدًا لما دلّت عليه معاني الاسم بوضوح ومجسّدَة في شخصية الشهيد بأدق التفاصيل والملامح والشواهد .. في حياته العامة والخاصة، في تعاطيه مع الآخر، والشأن العام. وفي هذا يكمن سر وأساس المكانة التي حضيَ بها ونالها الشهيد من عامة الناس من أصى الجنوب إلى أقصاه، ومن خارج الجنوب، ومن غير الجنوبيين.

في هذه الجزئية يمكن الإشارة إلى بعض مما ورد في تقرير صدر عن مؤسسة بحثية أمريكية مستقلة ومرموقة هي "مركز واشنطن" عن استشهاد أبو اليمامة، والتي تعكس الانطباع الذي تكون لدى باحثي المركز عن الشهيد الذي كان حاضرا في لقائهم مع قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي ورد فيه: " جلس أبو اليمامة، الذي يشتهر بكلامه الهادئ، على بعد مقعدين فقط من الزبيدي، مما يُظهر مكانته الرفيعة ضمن الجماعة الموالية للانفصاليين. وفي الوقت نفسه، ارتدى زيه العسكري الحكومي واعتمر القبعة الحمراء العائدة لـقوات الحزام الأمني. وعكس هذا الترتيب على نحو ملائم الحالة الأمنية الراهنة في جنوب اليمن، حيث تعمل الشخصيات الرئيسية - التي يفضلها الكثيرون من الإمارات لمهاراتها القتالية - لصالح حكومة هادي في الظاهر، ولكنها تفضل عملياً دولة يقودها "المجلس الانتقالي الجنوبي".

لقد كان استهداف القوى المعادية للجنوب من حوثية وإخوانية وإرهابية ومن تحالف معها وارتبط فصلا من فصول الصراع حول مستقبل الجنوب، وهي الحقيقة التي أكدتها الأحداث الخطيرة التي شهدتها ساحة الجنوب منذُ الأول من أغسطس، وعدا عن ذلك دوافع وأهداف أخرى كانت تقف وراء استهدافها لهذا القائد البارز وفي هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ الجنوب، فقد اعتبرت هذه القوى أن تخلصها من "أبو اليمامة" ودوره وتأثيره يُعدّ شرطا لنجاحها في مخطط اسقاط الجنوب وهزيمة شعبه ومؤسساته وإعادة احتلاله، والذي حاولت اكمال تنفيذه في 28 أغسطس 2019، ومنيت بالفشل والهزيمة.

لقد تحول الغضب الشعبي والشعور العام بالصدمة مما حصل إلى تحرك نضالي حاسم، لتحقيق أهداف نوعية متقدمة، من بينها مغادرة حالة المراوحة، والاكتفاء بردود الفعل، واستعادة زمام المبادرة، والتحرك لتحقيق السيطرة على الأرض، وبالذات في عدن، وإجهاض مخطط إسقاط عدن من داخلها، واحتواء الثورة الجنوبية، وهي الدعوى الجماهيرية التي استجاب لها المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوى جنوبية أخرى.

ومثل ما شكّل "أبو اليمامة" خسارة كبيرة للجنوب، شكّل أيضا خسارة ليافع وترك فراغا كبيرا، سواء على صعيد وضعها الداخلي، أو لجهة موقفها العام، ودورها تجاه ما يواجه الجنوب من تحديات واستحقاقات.
في الختام لا يسعني إلا أن أحيي بكل إجلال وإكبار روح الشهيد "أبو اليمامة" وكل شهداء النضال الجنوبي، سائلا المولى عز وجل أن يتقبلهم مع الصالحين وأن يرفع مكانتهم في علّيين، وأن يشفي الجرحى، ويفكّ أسر الأسرى، وأن يكتب لشعب الجنوب الأبيّ النصر وبلوغ كامل أهدافه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى