الصراع اليمني.. مسارات متغيرة

> «الأيام» عن "فَنَك"

> يبدو أن الصراع الدموي الدائر في اليمن منذ خمس سنوات بدأ يغير مساره في الأشهر الأخيرة من عام 2019، حيث إن المملكة العربية السعودية، قائدة التحالف العربي الذي يشن الحرب ضد الحوثيين، تتغير ببطء ولكن بثبات لقبول تسوية مع الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء منذ سبتمبر 2014.

منذ ذلك الحين اندلعت حرب شاملة في البلاد بين المتمردين الشيعة الحوثيين والحكومة المدعومة من السعودية من الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي أجبر على الفرار من صنعاء في يناير 2015، وتلا ذلك بدء الغارات الجوية السعودية على صنعاء والحرب المفتوحة في مارس 2015.
اتفاق الرياض
في محاولة لتوحيد حلفائها المتناحرين في اليمن، توسط السعوديون للتوصل لاتفاق بين حكومة هادي المعترف بها دوليا والجماعات الانفصالية في جنوب البلاد بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على عدن منذ يناير 2018 بدعم قوي من الإمارات العربية المتحدة.

ينص الاتفاق الموقع في الرياض في الخامس من نوفمبر 2019 على تشكيل حكومة جديدة لا تتجاوز 24 وزيرا مناصفة بين المجلس الانتقالي والحكومة المعترف بها دوليا وضم ممثلين من المجلس الانتقالي الجنوبي لمفاوضات وترتيبات وقف الحرب في اليمن ووضع جميع القوات العسكرية تحت إمرة وزارة الدفاع وقوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، وعودة كل القوات المنتشرة في البلاد إلى مواقعها الأصلية قبل أغسطس 2019. وفقًا للاتفاقية، يتعين على جميع القوات مغادرة محافظة عدن في غضون 30 يومًا، وتكون القوات السعودية مسؤولة عن الأمن في عدن.

حضر التوقيع على الاتفاقية كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، مما يدل على أهمية القضية بالنسبة للبلدين المتورطين في النزاع اليمني.
لا مفاجآت
لم يكن فشل الطرفين في الالتزام بتاريخ 5 ديسمبر 2019 كموعد نهائي لتشكيل حكومتهما المشتركة وانسحاب كل القوات من عدن مفاجأة لليمنيين الذين اعتادوا على مراوغات الأطراف المتحاربة.

يقول نيل بارتريك، محلل شؤون الشرق الأوسط ومقره لندن، لوكالة فرانس برس: "لقد نص اتفاق الرياض على مجموعة حزمة من المهل الزمنية كان من الواضح أن الالتزام بها يعتمد على مدى إخلاص الأطراف اليمنية المتصارعة في تقاسم السلطة في عدن".

ويضيف قائلا "الخطة كانت طموحة إلى حد غير واقعي، وكان الأمل هو التوصل لاتفاق لتقاسم السلطة في عدن، أما النظر لهذا الاتفاق باعتباره أساسا لتقاسم السلطة في جميع أنحاء الجنوب ومن ثم التحرك لإنهاء سيطرة الحوثيين على الشمال، فقد لا يكون امرا جديا وواقعيا".

في هذه الأثناء، أصبح من الواضح أن السعودية لم تعد تحتمل الكلفة المادية والسياسية لتطاول حرب اليمن، خاصةً أعقاب الهجوم المدمر الذي نفذته طائرات بدون طيار على منشآت نفط أرامكو في سبتمبر الماضي، والذي ادعى الحوثيون مسؤوليتهم عنه بالرغم من أن هذا الادعاء لا يحظى بتصديق واسع وقد اعتبر السعوديون والأمريكان وحلفاؤهم أن إيران هي المسئولة عن هذه الهجمات. لكن وعلى أية حال يبدو أن السعودية عازمة على حرمان إيران من أية حجة لشن مثل هذه الهجمات العدوانية عليها ونقل صراع النفوذ الإقليمي إلى داخل الأراضي السعودية.

وكانت الإمارات العربية المتحدة، الحليف الرئيس للسعودية في حرب اليمن، قد أعادت النظر في موقفها في وقت أبكر من ذلك بكثير. على الرغم من حقيقة أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الداعم الرئيسي للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن فقد قررت سحب قواتها من اليمن تدريجيا حتى اكتمل انسحاب من اليمن قواتها في يوليو الماضي. لم تترك هذه الخطوة إلا خيارات محدودة للغاية لمواصلة الحرب.
خيارات أخرى
من الواضح أن السعوديين يدرسون خيارات أخرى. وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمر صحفي "يمكن لجميع اليمنيين بمن فيهم الحوثيون أن يكون لهم دور في مستقبل البلاد، وأضاف أنه قد يكون هناك تسوية في البلاد، والتي تسبق حلا شاملا، بحسب ما أوردته قناة العربية التلفزيونية، "هناك احتمال لتهدئة الوضع الذي تتبعه تسوية في اليمن".

قبل ذلك بفترة طويلة، لم يكن سرا أن السعوديين يجرون اتصالات غير المباشرة مع الحوثيين في سلطنة عُمان، والتي، على عكس بقية دول الخليج، تتخذ موقفا محايدا فيما يتعلق بالنزاع في اليمن وتحاول أن توفر منصة لعقد اجتماعات سرية أو علنية بين الأطراف المتقاتلة في اليمن وحلفائهم الإقليميين.

وسط تقارير إعلامية بأن السلطنة تتوسط في محادثات غير مباشرة حول أزمات اليمن، قال وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي "فيما يتعلق بالوضع في اليمن، اتفقت جميع الأطراف على أن الوقت قد حان لحل هذا الصراع وإنهاء العنف والدمار. هناك فرصة حقيقية للعمل على تدابير بناء الثقة من خلال تسوية الخلافات والتفكير في المصالح المشتركة".

وتشير تقارير صحفية عديدة في اليمني وخارجها إلى أن السعوديين والحوثيين يعقدون مفاوضات سرية مباشرة في كل من صنعاء والرياض.

منذ سبتمبر 2019، لاحظت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن الحوثيين والسعوديين قد تبادلوا تلميحات عامة إيجابية على نحو غير عادي تشير إلى اهتمامهم بوقف التصعيد، وهنالك تقارير تشير إلى أنهم أعادوا فتح مناقشات القناة الخلفية. وتقترح المجلة أن تتوسط الأمم المتحدة في اتفاق لوقف إطلاق النار بين الخصوم اليمنيين -بما في ذلك الحوثيون والحكومة اليمنية والانفصاليون الجنوبيون المدعومون من الإمارات- يمكن أن تمهد الطريق لإنهاء الحرب في اليمن.

ويذهب المعلق اليمني المقرب للسعوديين محمد علي السقاف إلى أبعد من ذلك ليقول إن المملكة العربية السعودية حافظت على علاقات تاريخية ممتازة مع الزيديين اليمنيين، الحاضنة الدينية والاجتماعية للحوثيين، وأنه من الممكن فصل الحوثيين عن إيران. "الحوثيون، على عكس حزب الله في لبنان، ليسوا سوى أقلية في اليمن وعلاقاتهم مع إيران حديثة نسبياً".

لكن عبد الناصر المودعي، وهو كاتب يمني بارز، يرى أنه من الصعب للغاية، إن لم يكن مستحيلًا، إبرام صفقة مع الحوثيين ليكونوا جزءًا من المصالحة الوطنية يقتسم بموجبها السلطة في اليمن، جميع الأطراف المتحاربة في اليمن. وأنهم أقل ميلا لقبول صفقة بسبب توجهاتهم الأيديولوجية الطائفية التي لا تعطي مجالاً للتعايش مع القوى السياسية الأخرى، بالإضافة إلى حقيقة أن هيمنة الجنوبيين على حكومة هادي الشرعية وقبضة الانفصاليين القوية في عدن لا تترك خيارًا للغالبية الشمالية (80 ٪ من السكان)، غير قبول الحوثيين باعتبارهم الحكام الشماليين الفعليين للبلاد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى