بسبب البنى التحتية المتردية وانقطاع المياه.. وباء حمى الضنك يحصد الأرواح في البريقة

> تقرير/ رشا فريد

> البريقة.. درة عدن، كما كان يُقال، التي بمجرد ذكرها تتبادر إلى الأذهان مناظرها الخلابة وشواطؤها الآسرة والجميلة.
تلك الصورة التي طُبعت في أذهاننا تختلف كلياً عن الواقع الحالي.. فالبريقة أصبحت مرتعاً لانتشار الأوبئة والأمراض، وأضحى أهلها معرضين للموت يوميا، شيوخا وأطفالا، رجالاً ونساء.

وتسبب انقطاع المياه فيها لفترات طويلة بانتشار الأمراض بشكل واسع، كما أدت هذه الانقطاعات المتكررة إلى تكوين مستنقعات ومسطحات مائية إثر تركيد الأهالي للمياه بسبب تعبئتهم للخزانات ونقلهم المتكرر للمياه من مصادر بعيده.. هو ما أسهم في انتشار الأمراض الوبائية التي يعد مرض حمى الضنك من أخطرها.
ومشكلة المياه التي بدأت بالتفاقم مؤخراً لا توجد لها أي حلول من قِبل الدولة لمعالجة الأسباب التي أدت لحرمان المواطنين من توفر هذه الخدمة بشكل دائم وكانت وبالا عليهم وسبباً في انتشار العديد من الأمراض والأوبئة التي لم يعهدها أبناء المدينة من قبل.

تزايد الوفيات والمصابين
أعداد المصابين والوفيات الناتجة عن حمى الضنك في تزايد مستمر، وفي طريق استقصائنا عن الوباء توجهنا إلى إدارة الصحة والترصد الوبائي فرع البريقة، وطوال أسبوع كامل لم يتم إعطاؤنا أي معلومة بل كان التحفظ مبالغا فيه.
وفي مستشفى المصافي أيضاً حيث يتم ترقيد المصابين بالحمى هناك لم يتم السماح لنا بالتصوير مقابلة المرضى، ورفضت القائمة بأعمال مدير مستشفى المصافي مقابلتنا وتم معاملتنا بتوجس غريب.

وعدد الأسِرّة في المستشفى الحكومي الوحيد الموجود في مديرية البريقة والخاص بتمديد الحالات المصابة بالوباء لا تتعدى عشرين سريراً، موزعة على غرفتين.

الجدير بالذكر أن الأعداد التي يتم حصرها من قبل وزارة الصحة غير واقعية لأسباب عديدة أولها: أن الناس لم يعودوا يتجهون إلى المستشفيات الحكومية بشكل أساسي فقد حلت محلها المستشفيات والمراكز والعيادات الخاصة، ويعود ذلك إلى عدم تقديم تلك المستشفيات للخدمات الصحية للمرضى، كما تقول سلوى المصابة بالمرض التي لجأت إلى مستشفى الوالي خارج مديرية البريقة.

وعلقت المريضة حميدة قائلة: "أصيبت ابنتي ذات اثني عشر ربيعاً واضطررنا إلى بيع أغراضنا لتوفير قيمة العلاج في مستشفى خاص".
ولم تكن الطفلة ريماس ذات السبع السنوات بمنأى عن المرض الذي أنهى حياتها وجعل أهلها يتحرقون لفراقها وهي الابنة الوحيدة لهم، كذلك الشاب أركان مقرع والحجة مريم اللذان ساءت حالتهما في مستشفى المصافي وانتهت حياتهما بسبب ذلك الوباء اللعين.

ومن الأسباب التي تؤكد عدم صحة أغلب بيانات وزارة الصحة أن المعلومات التي يتم جمعها من قبل الوزارة لا تشمل المستشفيات والمرافق الخاصة الأخرى، وهذا بحد ذاته يجعل التنبؤ بالعدد الفعلي للمصابين بالوباء ضربا من المستحيل.

ووفق النشرة الطبية التي تصدرها الوزارة بيّنت، فإن الحالات المصابة بالحمى خلال أسبوع واحد فقط من ديسمبر الماضي تعادل 13 حالة موبوءة بالحمى، توفي منها 8 حالات وهو العدد الخاص بالمستشفيات والمجمعات الصحية التابعة لوزارة الصحة فقط، ويستثني جميع المشافي والعيادات الخاصة التي لا ترفع أي بيانات لمكاتب الصحة والترصد الوبائي في المديريات.

اللجوء للمراكز الخاصة
ويقول د. عبدالرب، مدير مركز صحي بالبريقة، بعد انتشار المرض منذ الشهرين الأخيرين لوحظ أن أغلب المصابين بالحالات المشتبهة يتجهون للفحص إلى المشافي والمستوصفات الخاصة التي قد لا يوجد فيها عدد كافٍ من الأسِرة ولا يرقى بعضها إلى الخدمة الطبية وأغلبها خارج المديرية، وهي تثقل كاهل المواطن بالمصاريف إذا كانت الحالة تستدعي التمديد أو العلاج المطول.

وبحسب د. عبدالرب "يكثر استقبال الحالات الموبوءة عندما يبدأ الطقس بالتغير أو في الفترة التي تكون ما بين فصلين، ويستقبل المركز الكثير من الحالات يوميا وهي متنوعة ما بين الحميات الناتجة عن العدوى الفيروسية وحمى الضنك والتيفوئيد والملاريا، حيث انتشرت مؤخرا بشكل كبير خصوصا حمى الضنك والتيفوئيد".
وفي معرض رده عن عدد الحالات الموبوءة التي تأتي إلى المركز يوميا أجاب قائلاً: "يستقبل المركز يوميا أكثر من خمسين حالة موبوءة تشتبه إصابتها بحمى الضنك وبعد الفحص يتضح أن المصابين فعليا بمعدل من 3 - 5 حالات".

وأضاف في حديثه لـ "الأيام": "حالات الإصابة ازدادت مؤخراً بسبب الانقطاعات المتكررة للمياه وعدم وعي الناس بوجوب تغطية مصادر المياه العذبة التي يتكاثر فيها البعوض المسبب لحمى الضنك خصوصا في النهار".
في سياق متصل أوضح عبدالرب أن المركز يتميز بالكشف المبكر عن الوباء في اليوم الأول للمرض قبل أن يصل عدد الصفائح إلى مستوى متدني، ويصبح المريض معرضا للوفاة.

وتابع بالقول: "هذا الفحص يسمى (Dengu Ag) والذي لا يتوافر في أغلب المستشفيات الحكومية التي تستخدم فحص (IgG+IgM)، والذي لا تظهر النتيجة إلا بعد رابع أو خامس يوم من الإصابة بعد أن يكون المريض قد انتكس وتدهورت حالته وعدم توفر هذا الفحص في المستشفيات العامة يعرض حياة الكثيرين من المرضى للخطر".
ويقتصر دور مكتب الصحة في الدعم المقدم من منظمات الأمم المتحدة والدعم حسب الإمكانيات شبه المعدومة التي تتاح له على أضيق نطاق.

ولا زال خطر الموت يحوم في هواء تلك المدينة التي تعاني الأمرين من انقطاع المياه وتدهور البنية التحتية وإهمال الجهات المختصة وترك السكان يواجهون مصيرهم المحتوم.
ومستوى الخطر يتأثر بمعدل هطول الأمطار، ودرجة الحرارة، والعمران السريع العشوائي.

ما هو وباء حمى الضنك؟
عبارة عن عدوى فيروسية تنقلها أنثى البعوض من جنس الزاعجة المصرية التي تعيش في الماء العذب الراكد وينتقل إلى الإنسان عبر لسعات الأنثى المصابة به.
وتصل فترات لسعتها إلى ذروتها في مطلع الصباح وفي المساء قبل الغروب حيث تلسع عدة أشخاص خلال كل فترة تغذية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى