كيف انتصرت شبوة للجنوب؟ وكيف بادلها الوفاء بالوفاء؟

>
سيسجل التاريخ أن محافظة شبوة المعروفة بطبيعتها القبلية وشيوع مظاهر حمل السلاح بين أوساط عامتها، قد كانت نموذجاً رائداً بين محافظات الجنوب في اكتساء ثوب المدنية وتوشح ردا الدولة وتقيّدها والتزامها بتطبيق النظام والقانون، لتشكل بهذا الانصهار السريع ظاهرة فريدة من نوعها ولعل أحد أسبابه يعود للرغبة الكبيرة لدى المجتمع الشبواني، الذي كان يبحث في ثنايا تلك الرغبة عن صناعة مجدا ونهضة لشبوة.

ما كانت الرغبة لدى المجتمع الشبوانية ولا الأمنيات كافية ليتحقق ذلك التطبع المدني والحضاري وإنما كان له أن يتحقق بفضل تشكُل قوة وطنية نظامية مدربة أطلق عليها قوات النخبة الشبوانية، كان لها الفضل في إرساء ضوابط النظام والقانون ومحاربة الإرهاب والتطرف والفوضى والإسهام في إذابة كل النزاعات والثارات، حتى أصبحت شبوة نموذجاً في مستوى الأمن والأمان والاستقرار.

ما كان لهذا الاستقرار الذي شهدته شبوة أن يروق لجماعة الإخوان المسلمين، التي اتخذت من مارب مركزا لها تحيك منه مخططاتها ومؤامراتها لتفتيت أي لحمة وطنية وإفشال أي تجربة فريدة في مناطق الجنوب فجعلت من شبوة المحاذية لمأرب هدفاً لها.

 تنبهت قوات النخبة الشبوانية لمخطط جماعة الإخوان المسلمين داخل العاصمة عتق، حيث زجت هذه الجماعة بعناصر متطرفة ومتشددة تم استقدامها من مأرب ومحافظات شمالية إلى اللواء 21 ميكا التابع للمنطقة الثالثة ومعسكرات أخرى تتموضع داخل وبعض أطراف العاصمة عتق والمكونة في مجملها من لفيف من العناصر المتشددة من جماعة الإخوان المسلمين من عدة محافظات شمالية وبعض أبناء شبوة المنتمين لهذه الجماعة.

ومع قدوم تلك العناصر المتطرفة إلى عتق ما كان للنخبة الشبوانية ومن خلفها المجتمع الشبواني إلا بالضغط والمطالبة بإخلاء عتق من أي تواجد لعناصر شمالية كون لا مبرر لوجودها، عدا تقويض حالة الاستقرار التي شهدتها المحافظة بعد خروج مليشيات الحوثي ونجاح القوات المحلية التي تم تنظيمها في إطار قوات النخبة الشبوانية لتأمين المحافظة وفرض الاستقرار.

ومع تصاعد حالة التوتر وبدء بوادر اندلاع الصدامات استجابت قوات النخبة لوساطة قادها عدد من المشايخ من منطلق تجنيب المحافظة أي إراقة للدماء وحفاظاً على لحمة أبناء شبوة من أي نزاعات من شأنها أن تحدث شرخاً في النسيج الاجتماعي ،حيث قضت الوساطة بإخراج اللواء 21 ميكا وجميع قوات الجيش اليمني من عتق إلى خارج حدود المحافظة على تتولى قوات الأمن مهام أمن عاصمة المحافظة وتشكل قوات النخبة حزاماً أمنيا لها غير أن التيار الإخواني داخل شبوة ظل يماطل ويتلكأ في التنفيذ إلى أن يتسنى له تعزيز مليشياته بقوات من مأرب ليعلن انقلابه الصريح على الوساطة بالتزامن وعقب التداعيات التي شهدتها عدن وأبين مطلع شهر أغسطس.

ومع بدء العمليات القتالية في عتق  كانت الأفضلية لقوات النخبة على حساب مليشيات الإخوان المسلمين، وكان بمقدور قوات النخبة حسم المعركة في ساعات قليلة وهي لا تزال في عتق غير أن هناك مستجداً هاماً طرأ في ذلك الوقت وكان لا بد لقوات النخبة أن تقف أمامه بكل حس ومسؤولية وهو إعلان مبادرة كريمة من الأشقاء في المملكة العربية السعودية دعت فيها أطراف الأزمة للدخول في جولة حوار في على أراضيها.

على الرغم أن قوات النخبة كانت قريبة من حسم المعركة لصالحها إلا أنها فضلت الالتزام والتقييد بالتوجيهات التي وجهتها قيادة المجلس الانتقالي إليها بوقف الأعمال القتالية وضبط النفس كون المجلس قد استجاب لدعوة الأشقاء في دخول حوار مع الحكومة.

تعاملت النخبة بكل مسئولية والتزمت لتوجيهات قيادتها العليا بوقف إطلاق النار، وكان من المفترض أن يقابل هذا الموقف بنفس الإجراء من قبل المليشيات الإخوانية المتسترة تحت عباءة الحكومة التي هي الأخرى أعلنت استجابتها للحوار، لكنها أوعزت في ذات الوقت لمليشياتها بالاستمرار في عملياتها القتالية لكسب أكبر مساحات ومواقع ممكنة خاصة مع انضباط قوات النخبة بوقف القتال.

شكلت استجابة قوات النخبة لتوجيهات قيادة المجلس الانتقالي بوقف الأعمال القتالية موقفا وطنياً كون القضية لم تعد متمحورة حول شبوة وإنما أصبحت حول قضية الجنوب والمحافظات الجنوبية بشكل عام، وعلى الرغم من أن ذلك الموقف كان له كلفة كبيرة، حيث اضطرت معه قوات النخبة الشبوانية لتغيير إستراتيجيتها القتالية من موقع الهجوم والسيطرة إلى موقع الدفاع والحفاظ على مواقعها من هجمات الطرف الآخر، الذي لم يستجب لدعوات وقف إطلاق النار واستمر في تعزيز قوات للانقضاض على مواقع قوات النخبة.

ومع هذا الواقع وجدت قوات النخبة نفسها بين خيارين إما المواجهة وإضعاف دور المجلس الانتقالي وإحراجه أمام الأشقاء وإفشال الاستحقاق السياسي الهام المتمثل بدعوة المملكة لطرفي الأزمة في الانخراط في حوار في أراضيها وإما امتصاص ضربات المليشيات الإخونجية، وتحمل تبعاتها وإن كانت مكلفة، وبالتالي تعزيز موقف المجلس الانتقالي أمام راعي الحوار والحفاظ على هذا الاستحقاق السياسي حتى يرى النور والذي من شأنه أن يلبي جزءً من تطلعات شعب الجنوب ويعزز من موقع القضية الجنوبية، ويمهد الطريق لاستحقاق سياسي أكبر سيبحث المعالجة الحقيقية لقضية شعب الجنوب التواق للاستقلال واستعادة دولته كاملة السيادة.

بهذا الموقف العظيم لقوات النخبة ورغم التكلفة والضريبة الكبيرة التي تحملها أبناء شبوة إلا أن هذا الموقف أثبت أن قوات النخبة الشبوانية قوات وطنية تنتمي لهويتها الجنوبية وتدين بولائها للجنوب، إضافة إلى أن ذلك الموقع كان عاملا حاسما في تمكين المجلس الانتقالي من حجز موقعه كطرف ندّي للحكومة في المباحثات التي سيتم رعايته من دول الإقليم، وسيبحث خلالها وضع الجنوب والمحافظات الجنوبية ومن بينها شبوة الجريحة.

انتصرت شبوة للجنوب وإن كانت أتت على نفسها من أجل الانتصار لقضيته الأسمى، وكان لا بد من الجنوب ومن خلال المجلس الانتقالي الذي يحظى بتأييد شعبي واسع والذي اسهمت هذه المواقف الوطنية في إحلاله طرفاً نديا، ممثلا عن الجنوب أن ينتصر لهذه المواقف وهذه التضحيات، وفعلاً لم تخيب قيادة المجلس الانتقالي ثقة شعب الجنوب وثقة أبناء شبوة فيها وكانت عند حجم الثقة والمسئولية  واستطاعت انتزاع مكاسب عظيمة من خلال وثيقة الرياض، التي كانت من أهم بنودها انسحاب جميع القوات الغازية الشمالية من شبوة وعودة قوات النخبة لاستلام مواقعها علاوة على إنصاف أبناء شبوة بتعيين محافظ جديد يلبي تطلعات وآمال شبوة خلفاً لمحافظها الحاقد الذي أدخلها في واقع ونفق مظلم، تلبية لرغبات حزبه الإخونجي الواهم في استعادة السيطرة على مقدرات وثروات شبوة والجنوب.
هنيئاً للجنوب شموخ شبوة، وهنيئا لشبوة التي ستكون على موعد قريب مع واقع جديد، يلبي آمالها وتطلعاتها وطموحاتها وينتصر لمواقفها العظيمة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى