«الأيام» في مخيم النازحين في البريقة

> يقتاتون على فتات المطاعم ومقالب القمامة ويسكنون خيما من فاعل خير

> تقرير/ وئام نجيب
"لا أحد ينام بدون عشاء" عبارة سمعناها ورددناها مراراً وتكراراً، لكن وصلنا إلى مرحلة أن صُدمنا بواقع مغاير يفقدها مصداقيتها، هنا في مخيم النازحين ينام الكبار والأطفال دون الحصول على كسرة رغيف تسد جوعهم ويصحون على معدة خاوية، فالظروف المعيشية صعبة حالت دون الحصول على أدنى مقومات العيش الكريم..


أسر صار حلمها توفير قوت يومها وحماية أطفالها الذين باتوا عرضة للأمراض والأوبئة في مكان غير صالح للسكن الآدمي ومن المفترض أن يكون ملاذ الفارين.

مشاهد الألم التي رأيناها في مخيم النازحين بمدخل بئر أحمد الواقع على خط مديرية البريقة في العاصمة عدن تدمي القلوب وتغير مفهومنا عن الجوع والمرض وآثارهما الحقيقة، فكم هو محزن أن تسحق الإنسانية بفعل قلوب تملؤها
الغلظة والقسوة، فهذه يتخمها الشبع، وتلك يقتلها الجوع، وما بين هذه وتلك مفارقة عجيبة يموت خلالها الآلاف.


موت مترصد وآخر محتم
لم يعلم النازحون بأنهم سيهربون من حرب في مناطقهم لتواجههم حرب أخرى في المخيمات تؤدي إلى الهلاك والموت..
يتواجد في المخيم نازحون من محافظة الحديدة وتعز، ومنذ ستة أشهر لم تزرهم أي منظمة، حسب قولهم، فالأطفال فيه مهددون بالموت بسبب سوء التغذية الحاد والأوبئة بسبب انتشار البعوض الذي يمص دماءهم ليلاً، والذباب الذي يشاركهم فتاتهم نهاراً، يخبرنا ياسين هائل، أحد سكان المخيم، قائلاً: "نفتقر في هذا المخيم إلى لقمة نسد بها جوعنا، فنقتات الفتات وبقايا الأكل التي نجدها في المطاعم ومقالب القمامة"، وفيما يخص السكن قال: "صُرفت لنا أقل من 20 خيمة غير مهيأة للسكن من قِبل فاعل خير، فاضطرت معظم الأسر إلى بناء (عشش) مكشوفة السقف ينامون بداخلها".


وحتى في أصعب الظروف وأحلكها يلجأ الناس إلى المفاضلة بين من يستحق الحياة ومن لا يستحقها، أشار هائل إلى حصول 5 أسر في المخيم على دعم شهري من إحدى المنظمات، فيما بقية الأسر لم تحصل على أي دعم منذ نزوحها.
وعن احتياج المخيم أضاف: "تفتقر كافة الخيم إلى الأساسيات كالفرش والبطانيات والناموسيات، ويخلو المخيم من براميل القمامة، ولا تأتي سيارة صندوق النظافة لرفع القمامة بتاتاً"، وهكذا أصبح المخيم مكاناً مخيفاً مليئاً بالحشرات والأفاعي التي تهدد حياة ساكنيه الفارين من الموت.
اللجوء إلى التسول
تعتمد غالبية الأسر في المخيم على التسول كمصدر دخل أساسي، حيث يتوجه رجال ونساء وحتى أطفال الأسر النازحة، التي بلغ عددها حوالي 51 أسرة، ويصل عدد الأطفال فيها إلى 137 طفلا، ويتراوح عدد الأسرة الواحدة من 8 إلى 15 فرداً، يتجهون إلى المطاعم والبقالات طلباً للطعام، ويلجؤون إلى إشعال النار بالأقمشة وبعض المواد البلاستيكية وإطارات السيارات لطبخ ما تسير لهم بعد أن عجزوا عن جمع الحطب ووجدوا أنفسهم، حسب قولهم، من المنسيين أو ربما في تعداد الموتى بالنسبة للمنظمات الإغاثية والإنسانية.

وتستخدم الأسر طرقاً بدائية في غسيل الملابس باستخدام الأحجار، فقد تكفلت جمعية خيرية بمد المخيم بالماء بشكل مستمر، لكن الكهرباء لم تتكفل أي جهة بإيصالها، فهم يعيشون في ظلام يحفه البرد القارس في عششهم المكشوفة.
المرض يفرد أذرعه للنازحين
قال هائل: "حين يمرض أطفالنا لا ندري من ماذا يشتكون، فقد تزايدات حالات الإسهالات، وبدأت تنتشر الحمى الفيروسية في المخيم، إضافة إلى أن البعض يعاني من ثقب بالقلب، وتكسرات بالدم، ويشكو البعض الآخر من اضطرابات وأمراض نفسية نقف أمامها عاجزين، حيث لا نستطيع التوجه إلى أي مرفق طبي لتلقي العلاج، ولم يتم التوفير لنا عيادة خاصة".

وأثناء قيامنا بتصوير المخيم استوقفتنا امرأة مستلقية في عشتها وبجانبها أطفالها، وقالت: "أنا اليوم مريضة ولم أتمكن من الخروج لسؤال الناس، فمن سيطعم أطفالي؟"، وبحسرة أردفت: "نموت جوعاً ولا يسأل علينا أحد سواء أكانت الجهات الحكومية أم المنظمات الإنسانية".


كما لوحظ وجود أفراد من منظمة رعاية الأطفال، أفادوا لـ«الأيام»الحد بالقول: "نأتي يومياً إلى المخيم من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشر ظهراً منذ شهر أكتوبر العام الماضي؛ لإقامة أنشطة الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين لاحظنا أنهم منطويين"، مؤكدين أن المخيم غير ملائم للعيش الآدمي كون من فيه يقضون حوائجهم في العراء.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى