> تقرير/ فردوس العلمي
يعد الانتحار أحد الأسباب الرئيسية لزيادة نسبة الوفيات في العالم، لاسيما في العالم الثالث.
وتزايدت عمليات الانتحار بشكل ملحوظ في البلاد منذ عام 90 والذي يعد الشباب من أبرز ضحاياها، نتيجة لحالات الاكتئاب والتحطم التي يصابون بها بسبب الظروف المعيشية وتداعياتها الكثيرة على الأسرة والمجتمع ككل.
ولا توجد إحصائية رسمية حديثة حول أعداد ضحايا الانتحار في البلاد، إلا أنه لا تكاد تمر بضعة أيام دون أن تسجل علمية جديدة بهذا الشأن.
واحتل اليمن المرتبة الثالثة بين الدول العربية عام 2016م من حيث معدلات الانتحار بواقع (2335) حالة انتحار، وفقاً لتقرير أعدته منظمة الصحة العالمية، بعد أن كانت في المستوى الرابع عربياً عام 2014 بنسبة 3.7 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص، بحسب تقرير لذات المنظمة.
أسباب كثيرة أدت إلى تفاقم المشكلة مؤخراً وتحويلها إلى ظاهرة تقض مضاجع الكثير من الأسر، يعد من ابرزها الفقر والأمراض النفسية والخلافات الأسرية، وفقدان مصادر الدخل وغيرها.
█ الشباب أبرز الضحايا
وأشارت كتب الإحصاء السنوية في اليمن إلى حدوث (4246) حالة انتحار خلال عشر سنوات، في الفترة 2003 - 2012م في جميع المحافظات اليمنية.
كما أوضحت رسالة ماجستير للطالب سند حيدر، أجراها عام 2009م على طلاب جامعة عدن، أن ظاهرة الشروع في الانتحار تنتشر في الفئة العمرية (21 - 25عاماً)، وفي المستويات التعليمية المتدنية (الأمية) والعليا (الجامعية).

وبيّنت الدراسة بأن الشروع في الانتحار أكثر انتشاراً عند العزاب بنسبة (2‚67 %)، في حين انتشرت ظاهرة الانتحار عند العاطلين عن العمل بنسبة (8‚78 %). وأظهرت الدراسة أن الإدمان من أهم الدوافع لظاهرة الانتحار بنسبة (3‚58 %). وتوصلت الدراسة التي أجريت تحت عنوان "معارف واتجاهات طلاب الجامعة في محافظة عدن نحو ظاهرة الشروع في الانتحار"، إلى أن ضعف الوازع الديني من أهم الدوافع وراء ظاهرة الانتحار بنسبة (2‚85 %)، كما بينت نتائج الدراسة أن اتجاهات طلاب جامعة عدن نحو ظاهرة الانتحار كانت في مجملها إيجابية".
فيما أشارت نتائج بحث أجراه د. عبده فرحان الحميري، حول عملية الانتحار بين طلاب المرحلتين الثانوية والجامعية في محافظة ذمار عام 2012م، إلى أن (63) طالباً وطالبة من المرحلة الثانوية وبنسبة (3‚5 %) أقدموا على الانتحار، منهم (31) من الذكور بنسبة (2‚5 %)، و(32) من الإناث بنسبة (4‚5 %)، أما طلاب الجامعة فقد تبين أن (118) طالباً وطالبة بنسبة (3‚7 %) أقدموا على الانتحار، منهم (65) من الذكور بنسبة (3‚5 %)، و(53) من الإناث بنسبة (6‚6 %)، ولم تكن الفروق دالة معنوياً بين الطلبة بحسب النوع (ذكور- إناث)، والمرحلة الدراسية (ثانوية - جامعة).
█ تزايد عمليات الانتحار
من جهته أوضح د. عبد السلام يحي الشاعري، في أطروحته عام 2017م، والتي تحدث فيها عن بعض المتغيرات النفسية والديموجرافية المنبئة باحتمالية الانتحار لدى متعاطيي القات من طلاب جامعة عدن.. أوضح أن الدرجات المرتفعة التي حصل عليها أفراد العينة من طلاب جامعة عدن باليمن المتعاطين للقات على مقياس سمات الشخصية كالعصابية، والذهنية، والانطواء، والكذب قد يؤدي إلى عدم الاستقرار النفسي أو الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية والإحباط والشعور باليأس والكآبة مما يؤدي إلى زيادة مخاطر الانتحار لديهم، ولفت الباحث في أطروحته إلى أن الأفراد الذين يعانون من هذه السمات تتملكهم عمليات الإحباط والفشل والشعور باليأس ما يجعلهم يحاولون دائماً تجنب التفكير الواقعي والاستسلام لضغوط الحياة وعدم تقبل الفرد لحياته والتفكير بالانتحار، كحل ينهي له كل العقبات التي تواجهه.
وكانت "الأيام" قد نشرت بتاريخ 17 سبتمبر 1997م، في عددها (394) تقريراً منقولاً عن صحيفة الخليج الإماراتية، أوضحت فيها وزارة الداخلية اليمنية عن رصد 12 حالة انتحار و20 حالة شروع واحتلت محافظة عدن المرتبة الأولى.
وكشفت التقارير التي اطلعت عليها "الأيام"، والخاصة بحالات الانتحار تزايد عمليات الانتحار بشكل ملفت من بعد عام 1990م.
وأكد متخصصون ومهتمون في أحاديث متفرقة لـ "الأيام" أن الظروف المادية الصعبة أبرز الأسباب المؤدية إلى الانتحار.
ووصف المواطن محمد عبدالله (خمسيني العمر) المنتحر، بأنه شخص ضعيف غلبته نفسه الأمارة بالسوء، مضيفاً: "يعتقد المنتحر بأنه بإقدامه على الانتحار يضع حداً لحياته غير مدرك لِما ينتظره من عذاب لقتله نفسه.
█ أسباب متعددة
وتحدث رئيس مؤسسة البرنس للتوعية والتنمية الإنسانية، مساعد الحريري، عن أسباب الانتحار ودوافعه بالقول: "الانتحار هو رد فعل تراجيدي ومأساوي لمواقف الحياة المجهدة، كالتوتر والقلق من المستقبل وضغوطات مجتمع المدينة والمشاكل الأسرية أو التفكك الأسري كلها عوامل تزيد من نسب الانتحار يوماً بعد يوم، ولكن الأمراض العقلية عموماً تُعد العامل الرئيس في حالات الانتحار في أغلب بقاع العالم، بحسب العديد من الإحصائيات".
وأكد الحريري في تصريحه لـ "الأيام" أن مشكلة الانتحار عادة ما ترتبط بالظروف والضغوطات التي يتعرض لها الشخص مثل مضاعفات لمرض عقلي معين، أو اضطراب ثنائي القطب والاكتئاب الأعظم والفصام والذهان وانفصام الشخصية التعددي، مضيفاً: "غالباً ما تكون هذه الأمراض ناتجة عن مرض وراثي جيني معيّن، لذلك يُمكن اعتبار أنّ أحد أسباب الانتحار هي وراثية أو جينية، والمرض العقلي قد يشمل أيضاً اضطرابات تعاطي المخدرات والكحول والأفيون وغيرها، بالإضافة إلى الاعتماد الدائم (Drug dependence) على الأدوية المخدرة أو إساءة استخدام أي دواء آخر مثل: الهيروين والكوكايين و الميثافيتامين أو ميث، والمواد الأفيونية مثل: أوكسيكودون، والهيدروكودون والمورفين، إذ أن الإدمان على مثل هذه المواد قد يزيد من مستويات الأفكار الانتحارية في الدماغ، ما يؤدي إلى زيادة خطورة الإقدام على الانتحار، وتتعلّق أسباب الانتحار بالاكتئاب الذي صحّ أن يُطلق عليه سرطان العصر، كونه على رأس قائمة أسباب الانتحار والأفكار الانتحارية في الكثير من البلدان، وقد يصف الناس الاكتئاب هذا أيضاً على أنه شعور محاصر أو خارج نطاق السيطرة، والشعور أيضاً بانعدام الأمل وعدم الإحساس بأن الأمور سوف تتحسن فيما بعد، وفي بعض الأحيان يمكن أن تكون هذه المشاعر السوداوية أو الاكتئابية بسبب التعرض للمضايقة أو الإساءة أو الاعتداءات أو التنمر أو التعرض لصدمات أخرى، وهذه الأمور غالباً ما تولّد العجز، وهو شعور بأنه لا يمكن فعل شيء لتغيير الأشياء أو حل المشاكل".
█ سلوكيات تسبق الانتحار
فردوس مانع، باحثة نفسية في اتحاد نساء اليمن بعدن، أعادت لجوء بعض الأشخاص للانتحار لأسباب متعددة منها: الشعور بالإحباط والفشل أو فقدان عزيز أو تغيّر المستوى المعيشي وازدياد المشاكل الأسرية، موضحة: "أن من يعانون من هذه المعوقات أو بضعها عادة ما يدخلون في محيط الاكتئاب والانعزال عن الآخرين واللجوء إلى النوم والامتناع عن الأكل والشرب وصولاً إلى الإقدام على الانتحار.
وأكدت أنه بالإمكان إنقاذ من ينوون ويفكرون بعملية الانتحار بالعلاج النفسي، ونصيحتهم بالتقرب من الله بالعبادات مثل قراءة القران والمحافظة على الصلوات وغيرها.
█ مشكلة اجتماعية وشخصية
من جهتها أكدت أستاذ مشارك علم النفس، د. رهيلا حسين ناصر عمير، بأن الانتحار ظاهرة موجودة في جميع المجتمعات الإنسانية منذ الأزل، وتُعد مشكلة اجتماعية وشخصية في آن واحد.
وأوضحت في تصريحها لـ "الأيام" أن الانتحار يكون ناتج عن اختلال لدى الشخص واضطراب في صحته النفسية من جراء ما يعانيه من تناقضات بين حقوقه والتزاماته، أو بين إمكانياته الشخصية والاجتماعية، وبين توقعات الآخرين التي تمثلها في نفسه، وهو ما يؤثر على إضعاف "الأنا" لديه وقدرتها علي تبصر الواقع بكل إمكانياته.
وتعرف د. عمير، الانتحار بأنه فعلٌ يقتضي إنهاء الشخص لحياته بكلتا يديه وعمداً مهدراً بذلك حقه في الحياة، والذي يُعد أقدس حقوق الإنسان على الإطلاق، مؤكدة بأن المنتحر ضحية لعوامل كثيرة متشابكة ومتفاعلة، تدفعه لذروة اليأس حتى يقدم على قرار الانتحار منها: الفترة العمرية وخاصة في سن المراهقة، ومشاعر اليأس وضعف النفس، ومرض الاضطرابات العقلية والنفسية وخاصة الاكتئاب، التعامل الخاطئ مع الأدوية النفسية ومضادات الاكتئاب، الفصام، والهلاوس السمعية والبصرية، الوصم بسبب المرض، والتوجّه الجنسي، وغياب الثقافة المجتمعية، وضعف الوازع الديني، والإدمان، من خلال إساءة استعمال المواد المخدرة وخاصة الكحول والانتكاس والعودة للمخدرات، إضافة إلى الظروف اقتصادية، والصعوبات المالية، والخسائر الكبيرة المفاجئة، والتغيير الحاد في الوضع الصحي، ومحاولات الانتحار السابقة، إلى جانب أسباب مجتمعية كالتفكك الأسري، والفراغ، والوحدة، وعدم اتخاذ هدف في الحياة، والخوف من العقاب عند ارتكاب جريمة ما، أو الخوف من الفضيحة والتعرض للقهر والتنمر، وهي عوامل قد تتشابك معاً لتصيب المرء بحالة من اليأس تجعله يقدم على الانتحار.
█ علامات استباقية
ولفتت د. رهيلا عمير، إلى أن المنتحر تظهر لديه علامات في سلوكه تدل على أنه قادم على الانتحار منها: التحدث عن الانتحار، الحصول على وسائل الانتحار، الانسحاب من مواقف الاتصال الاجتماعي والرغبة في العزلة، المعاناة من التقلبات المزاجية، الهوس بفكرة الوفاة أو الموت أو العنف، الشعور بالانحصار أو اليأس، والقيام بأشياء مضرة أو مدمرة للنفس والقيادة المتهورة، تعاطي الكحول والمخدرات بجرعات متهورة، تغيير الروتين العادي، بما في ذلك أنماط الأكل أو النوم، حدوث تغيرات في الشخصية أو فرط الإحساس بالقلق أو الغضب.
وعن كيفية التعامل مع هؤلاء الاشخاص والطرق المناسبة لثنيهم عن الاقدام على الانتحار قالت: "شجع الشخص للحصول على العلاج، عرض عليه المساعدة باستشارة الطبيب أو مقدم خدمات الصحة العقلية، أو المساعدة من مجموعات الدعم، أو أحد مراكز إدارة الأزمات أو اتواصل مع شخص متدين أو المعلم أو شخص يثق به.
وتابعت قائلة: "يمكنك تقديم الدعم والنصيحة، اتسم بالاحترام وتعرف على مشاعر الشخص، تجنب المجاملة أو إطلاق الأحكام، لا تعد الشخص مطلقاً بالحفاظ على سرية مشاعره الانتحارية، طمأنه بأن الأشياء ستتحسن، شجعه على تجنب تناول الكحوليات أو تعاطي المخدرات، وكذا التخلص من الأشياء محتملة الخطورة من منزل".
█ الرصاص والشنق أبرز الأساليب
من جهته أوضح رئيس وحدة الطب الشرعي في عدن، صلاح محمد حسين، أن الوحدة سجلت خلال العام الماضي تسع حالات انتحار في عدن فقط.
وأعاد في تصريحه لـ "الأيام" أسباب الانتحار إلى الحالات النفسية والظروف المادية والمشاكل الأسرية، لافتاً إلى أن أكثر حالات الانتحار كانت بواسطة الرصاص والشنق.
وتزايدت عمليات الانتحار بشكل ملحوظ في البلاد منذ عام 90 والذي يعد الشباب من أبرز ضحاياها، نتيجة لحالات الاكتئاب والتحطم التي يصابون بها بسبب الظروف المعيشية وتداعياتها الكثيرة على الأسرة والمجتمع ككل.
ولا توجد إحصائية رسمية حديثة حول أعداد ضحايا الانتحار في البلاد، إلا أنه لا تكاد تمر بضعة أيام دون أن تسجل علمية جديدة بهذا الشأن.
واحتل اليمن المرتبة الثالثة بين الدول العربية عام 2016م من حيث معدلات الانتحار بواقع (2335) حالة انتحار، وفقاً لتقرير أعدته منظمة الصحة العالمية، بعد أن كانت في المستوى الرابع عربياً عام 2014 بنسبة 3.7 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص، بحسب تقرير لذات المنظمة.
أسباب كثيرة أدت إلى تفاقم المشكلة مؤخراً وتحويلها إلى ظاهرة تقض مضاجع الكثير من الأسر، يعد من ابرزها الفقر والأمراض النفسية والخلافات الأسرية، وفقدان مصادر الدخل وغيرها.
█ الشباب أبرز الضحايا
وأشارت كتب الإحصاء السنوية في اليمن إلى حدوث (4246) حالة انتحار خلال عشر سنوات، في الفترة 2003 - 2012م في جميع المحافظات اليمنية.
كما أوضحت رسالة ماجستير للطالب سند حيدر، أجراها عام 2009م على طلاب جامعة عدن، أن ظاهرة الشروع في الانتحار تنتشر في الفئة العمرية (21 - 25عاماً)، وفي المستويات التعليمية المتدنية (الأمية) والعليا (الجامعية).

وبيّنت الدراسة بأن الشروع في الانتحار أكثر انتشاراً عند العزاب بنسبة (2‚67 %)، في حين انتشرت ظاهرة الانتحار عند العاطلين عن العمل بنسبة (8‚78 %). وأظهرت الدراسة أن الإدمان من أهم الدوافع لظاهرة الانتحار بنسبة (3‚58 %). وتوصلت الدراسة التي أجريت تحت عنوان "معارف واتجاهات طلاب الجامعة في محافظة عدن نحو ظاهرة الشروع في الانتحار"، إلى أن ضعف الوازع الديني من أهم الدوافع وراء ظاهرة الانتحار بنسبة (2‚85 %)، كما بينت نتائج الدراسة أن اتجاهات طلاب جامعة عدن نحو ظاهرة الانتحار كانت في مجملها إيجابية".
فيما أشارت نتائج بحث أجراه د. عبده فرحان الحميري، حول عملية الانتحار بين طلاب المرحلتين الثانوية والجامعية في محافظة ذمار عام 2012م، إلى أن (63) طالباً وطالبة من المرحلة الثانوية وبنسبة (3‚5 %) أقدموا على الانتحار، منهم (31) من الذكور بنسبة (2‚5 %)، و(32) من الإناث بنسبة (4‚5 %)، أما طلاب الجامعة فقد تبين أن (118) طالباً وطالبة بنسبة (3‚7 %) أقدموا على الانتحار، منهم (65) من الذكور بنسبة (3‚5 %)، و(53) من الإناث بنسبة (6‚6 %)، ولم تكن الفروق دالة معنوياً بين الطلبة بحسب النوع (ذكور- إناث)، والمرحلة الدراسية (ثانوية - جامعة).
█ تزايد عمليات الانتحار
من جهته أوضح د. عبد السلام يحي الشاعري، في أطروحته عام 2017م، والتي تحدث فيها عن بعض المتغيرات النفسية والديموجرافية المنبئة باحتمالية الانتحار لدى متعاطيي القات من طلاب جامعة عدن.. أوضح أن الدرجات المرتفعة التي حصل عليها أفراد العينة من طلاب جامعة عدن باليمن المتعاطين للقات على مقياس سمات الشخصية كالعصابية، والذهنية، والانطواء، والكذب قد يؤدي إلى عدم الاستقرار النفسي أو الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية والإحباط والشعور باليأس والكآبة مما يؤدي إلى زيادة مخاطر الانتحار لديهم، ولفت الباحث في أطروحته إلى أن الأفراد الذين يعانون من هذه السمات تتملكهم عمليات الإحباط والفشل والشعور باليأس ما يجعلهم يحاولون دائماً تجنب التفكير الواقعي والاستسلام لضغوط الحياة وعدم تقبل الفرد لحياته والتفكير بالانتحار، كحل ينهي له كل العقبات التي تواجهه.
وكانت "الأيام" قد نشرت بتاريخ 17 سبتمبر 1997م، في عددها (394) تقريراً منقولاً عن صحيفة الخليج الإماراتية، أوضحت فيها وزارة الداخلية اليمنية عن رصد 12 حالة انتحار و20 حالة شروع واحتلت محافظة عدن المرتبة الأولى.
وكشفت التقارير التي اطلعت عليها "الأيام"، والخاصة بحالات الانتحار تزايد عمليات الانتحار بشكل ملفت من بعد عام 1990م.
وأكد متخصصون ومهتمون في أحاديث متفرقة لـ "الأيام" أن الظروف المادية الصعبة أبرز الأسباب المؤدية إلى الانتحار.
ووصف المواطن محمد عبدالله (خمسيني العمر) المنتحر، بأنه شخص ضعيف غلبته نفسه الأمارة بالسوء، مضيفاً: "يعتقد المنتحر بأنه بإقدامه على الانتحار يضع حداً لحياته غير مدرك لِما ينتظره من عذاب لقتله نفسه.
█ أسباب متعددة
وتحدث رئيس مؤسسة البرنس للتوعية والتنمية الإنسانية، مساعد الحريري، عن أسباب الانتحار ودوافعه بالقول: "الانتحار هو رد فعل تراجيدي ومأساوي لمواقف الحياة المجهدة، كالتوتر والقلق من المستقبل وضغوطات مجتمع المدينة والمشاكل الأسرية أو التفكك الأسري كلها عوامل تزيد من نسب الانتحار يوماً بعد يوم، ولكن الأمراض العقلية عموماً تُعد العامل الرئيس في حالات الانتحار في أغلب بقاع العالم، بحسب العديد من الإحصائيات".
وأكد الحريري في تصريحه لـ "الأيام" أن مشكلة الانتحار عادة ما ترتبط بالظروف والضغوطات التي يتعرض لها الشخص مثل مضاعفات لمرض عقلي معين، أو اضطراب ثنائي القطب والاكتئاب الأعظم والفصام والذهان وانفصام الشخصية التعددي، مضيفاً: "غالباً ما تكون هذه الأمراض ناتجة عن مرض وراثي جيني معيّن، لذلك يُمكن اعتبار أنّ أحد أسباب الانتحار هي وراثية أو جينية، والمرض العقلي قد يشمل أيضاً اضطرابات تعاطي المخدرات والكحول والأفيون وغيرها، بالإضافة إلى الاعتماد الدائم (Drug dependence) على الأدوية المخدرة أو إساءة استخدام أي دواء آخر مثل: الهيروين والكوكايين و الميثافيتامين أو ميث، والمواد الأفيونية مثل: أوكسيكودون، والهيدروكودون والمورفين، إذ أن الإدمان على مثل هذه المواد قد يزيد من مستويات الأفكار الانتحارية في الدماغ، ما يؤدي إلى زيادة خطورة الإقدام على الانتحار، وتتعلّق أسباب الانتحار بالاكتئاب الذي صحّ أن يُطلق عليه سرطان العصر، كونه على رأس قائمة أسباب الانتحار والأفكار الانتحارية في الكثير من البلدان، وقد يصف الناس الاكتئاب هذا أيضاً على أنه شعور محاصر أو خارج نطاق السيطرة، والشعور أيضاً بانعدام الأمل وعدم الإحساس بأن الأمور سوف تتحسن فيما بعد، وفي بعض الأحيان يمكن أن تكون هذه المشاعر السوداوية أو الاكتئابية بسبب التعرض للمضايقة أو الإساءة أو الاعتداءات أو التنمر أو التعرض لصدمات أخرى، وهذه الأمور غالباً ما تولّد العجز، وهو شعور بأنه لا يمكن فعل شيء لتغيير الأشياء أو حل المشاكل".
█ سلوكيات تسبق الانتحار
فردوس مانع، باحثة نفسية في اتحاد نساء اليمن بعدن، أعادت لجوء بعض الأشخاص للانتحار لأسباب متعددة منها: الشعور بالإحباط والفشل أو فقدان عزيز أو تغيّر المستوى المعيشي وازدياد المشاكل الأسرية، موضحة: "أن من يعانون من هذه المعوقات أو بضعها عادة ما يدخلون في محيط الاكتئاب والانعزال عن الآخرين واللجوء إلى النوم والامتناع عن الأكل والشرب وصولاً إلى الإقدام على الانتحار.
وأكدت أنه بالإمكان إنقاذ من ينوون ويفكرون بعملية الانتحار بالعلاج النفسي، ونصيحتهم بالتقرب من الله بالعبادات مثل قراءة القران والمحافظة على الصلوات وغيرها.
█ مشكلة اجتماعية وشخصية
من جهتها أكدت أستاذ مشارك علم النفس، د. رهيلا حسين ناصر عمير، بأن الانتحار ظاهرة موجودة في جميع المجتمعات الإنسانية منذ الأزل، وتُعد مشكلة اجتماعية وشخصية في آن واحد.
وأوضحت في تصريحها لـ "الأيام" أن الانتحار يكون ناتج عن اختلال لدى الشخص واضطراب في صحته النفسية من جراء ما يعانيه من تناقضات بين حقوقه والتزاماته، أو بين إمكانياته الشخصية والاجتماعية، وبين توقعات الآخرين التي تمثلها في نفسه، وهو ما يؤثر على إضعاف "الأنا" لديه وقدرتها علي تبصر الواقع بكل إمكانياته.
وتعرف د. عمير، الانتحار بأنه فعلٌ يقتضي إنهاء الشخص لحياته بكلتا يديه وعمداً مهدراً بذلك حقه في الحياة، والذي يُعد أقدس حقوق الإنسان على الإطلاق، مؤكدة بأن المنتحر ضحية لعوامل كثيرة متشابكة ومتفاعلة، تدفعه لذروة اليأس حتى يقدم على قرار الانتحار منها: الفترة العمرية وخاصة في سن المراهقة، ومشاعر اليأس وضعف النفس، ومرض الاضطرابات العقلية والنفسية وخاصة الاكتئاب، التعامل الخاطئ مع الأدوية النفسية ومضادات الاكتئاب، الفصام، والهلاوس السمعية والبصرية، الوصم بسبب المرض، والتوجّه الجنسي، وغياب الثقافة المجتمعية، وضعف الوازع الديني، والإدمان، من خلال إساءة استعمال المواد المخدرة وخاصة الكحول والانتكاس والعودة للمخدرات، إضافة إلى الظروف اقتصادية، والصعوبات المالية، والخسائر الكبيرة المفاجئة، والتغيير الحاد في الوضع الصحي، ومحاولات الانتحار السابقة، إلى جانب أسباب مجتمعية كالتفكك الأسري، والفراغ، والوحدة، وعدم اتخاذ هدف في الحياة، والخوف من العقاب عند ارتكاب جريمة ما، أو الخوف من الفضيحة والتعرض للقهر والتنمر، وهي عوامل قد تتشابك معاً لتصيب المرء بحالة من اليأس تجعله يقدم على الانتحار.
█ علامات استباقية
ولفتت د. رهيلا عمير، إلى أن المنتحر تظهر لديه علامات في سلوكه تدل على أنه قادم على الانتحار منها: التحدث عن الانتحار، الحصول على وسائل الانتحار، الانسحاب من مواقف الاتصال الاجتماعي والرغبة في العزلة، المعاناة من التقلبات المزاجية، الهوس بفكرة الوفاة أو الموت أو العنف، الشعور بالانحصار أو اليأس، والقيام بأشياء مضرة أو مدمرة للنفس والقيادة المتهورة، تعاطي الكحول والمخدرات بجرعات متهورة، تغيير الروتين العادي، بما في ذلك أنماط الأكل أو النوم، حدوث تغيرات في الشخصية أو فرط الإحساس بالقلق أو الغضب.
وعن كيفية التعامل مع هؤلاء الاشخاص والطرق المناسبة لثنيهم عن الاقدام على الانتحار قالت: "شجع الشخص للحصول على العلاج، عرض عليه المساعدة باستشارة الطبيب أو مقدم خدمات الصحة العقلية، أو المساعدة من مجموعات الدعم، أو أحد مراكز إدارة الأزمات أو اتواصل مع شخص متدين أو المعلم أو شخص يثق به.
وتابعت قائلة: "يمكنك تقديم الدعم والنصيحة، اتسم بالاحترام وتعرف على مشاعر الشخص، تجنب المجاملة أو إطلاق الأحكام، لا تعد الشخص مطلقاً بالحفاظ على سرية مشاعره الانتحارية، طمأنه بأن الأشياء ستتحسن، شجعه على تجنب تناول الكحوليات أو تعاطي المخدرات، وكذا التخلص من الأشياء محتملة الخطورة من منزل".
█ الرصاص والشنق أبرز الأساليب
من جهته أوضح رئيس وحدة الطب الشرعي في عدن، صلاح محمد حسين، أن الوحدة سجلت خلال العام الماضي تسع حالات انتحار في عدن فقط.
وأعاد في تصريحه لـ "الأيام" أسباب الانتحار إلى الحالات النفسية والظروف المادية والمشاكل الأسرية، لافتاً إلى أن أكثر حالات الانتحار كانت بواسطة الرصاص والشنق.