ابناء احد ضحايا مأرب: متى سيعود أبي

> لقمة العيش وقلة الحيلة من دفعا به إلى هذا المصير

>

باسم عبد القوى.. شهيد لقمة العيش
عدن «الأيام» وئام نجيب
 تسببت مجزرة مأرب بتحول عشرات البيوت في عدن وأبين ولحج إلى أماكن للعويل والنياح على شباب غادروا الدنيا في مقتبل العمر إثر عملية إرهابية تعد هي الأبشع.

العاصمة عدن كان لها نصيب وافر من الألم والحزن العميق، إذ إن العديد من الأسر فيها فقدت أكثر من ابن لها، وأخرى أخا أو معيلها الوحيد كحال أسرة الشهيد باسم علي عبدالقوي البالغ من العمر (35 عاماً).

«الأيام» زارت منزل الشهيد الكائن في مديرية المعلا بعدن، لإعداد مادة صحيفة ضمن سلسلة تقارير ستنشرها عن شهداء مجزرة مأرب والتي راح ضحيتها 116 شهيداً وما يزيد عن 60 جريحاً، وصفت جروح الكثير منهم بالخطيرة.

منزل الشهيد
منزل الشهيد

الحزن ما زال مخيما على بيت الشهيد وما زالت زوجته وأولاده الأربعة في صدمة ولم يستوعبوا المصيبة الجلل بعد.

تقول زوجته والعبرات تكاد تخنقها: "حُرمت من أن أُلقي نظرة الوداع الأخيرة على جثمان زوجي لهول المنظر".

لم تجد زوجة الشهيد وابنة خاله، والمنتسب للواء الرابع حماية رئاسية، ما تفتتح به قصة معاناتها إلا بهذه العبارة التي تدل على عمق الألم وقساوة الفراق الدامي.

واصلت حديثها والدموع تذرف من عينيها: "بعد توقف راتبه لمدة طويلة أتت توجيهات بصرفه ولكن في محافظة شبوة، حينها توجه بمعية زملائه إليها، على الرغم من أنني كنت رافضة أمر سفره بشدة، لاعتمادي عليه بشكل أساسي، غير أنه طمأنني بأنه سيعود بعد أيام قليلة إلينا سالماً غانماً.. وكانت آخر كلماته لي قبل مغادرته للمنزل هي توصيته لي بالاهتمام والانتباه على أولادنا، وبعد وصوله إلى شبوة استلم راتب شهر وسرعان ما أرسل به لنا عبر حوالة، ومن ثم تواصل معي وأخبرني بأنه سيتم نقلهم إلى محافظة مأرب للتدريب العسكري، وقبل الحادثة بيوم واحد عاود الاتصال بنا مرة أخرى والمصادف الجمعة السابع عشر من يناير الجاري، وأوضح لي بأنه سيعود إلى عدن في يوم السبت أو الأحد ولكنه لم يعد إلا جثة هامدة".
لقمة العيش
الدراجة النارية الخاصة بالشهيد باسم
الدراجة النارية الخاصة بالشهيد باسم
وبمرارة تضيف لـ«الأيام»: "لقمة العيش وقلة الحيلة هي من دفعت زوجي وأمثاله للسفر إلى شبوة بغية الحصول على الراتب، إذ سبق له أن لجأ للعمل بالدراجة النارية الخاصة به والأعمال العضلية لتوفير مصاريف البيت، نتيجة لتوقف راتبه لمدة أربعة أشهر.. لم يكن يخطر ببالي بأنه ذهب ليموت، ولم أعلم بخبر استشهاده إلا من خلال أخي الذي يعمل في محل لبيع الحلويات بأحد الأسواق في محافظة مأرب، حيث تواصل بي يوم الحادثة الموافق الثامن عشر يناير الجاري وأخبرني بحدوث تفجير بالمسجد الذي يقع في معسكر الاستقبال، وأن البعض من الجنود أُصيبوا، لكنه أكد لي عبر الاتصال في البدء بأن زوجي لم يصب بأي جروح.. كان طيلة المكالمة يطمئنني بأن لا أخاف، فيما كانت نفسي تحدثني بأنه أصيب وسيتم معالجته ويعود لي سالماً، غير أنه في المساء اتصل بي مرة أخرى، ولكن في هذه المرة فاجأني بالمصيبة في طلبه مني أن أتماسك وأدعو لزوجي.. وأضاف لقد تم العثور على جثته.. حينها لم أتمالك نفسي صرخت وذرفت دموعي، فأنا أعاني من انسداد في صمام القلب، كان أخي وأهلي يخشون بأن تتدهور صحتي عند سماعي بخبر استشهاده ولم يعلموا بأنني أضحيت لم أعد اشعر بوجود عضلة القلب بأكملها، إذ لم يكن "باسم" مجرد زوج لي ونصفي الآخر فقط، بل كان أمي وأبي وكل آمالي في الحياة، شعرت بالخوف وعدم الأمان، فكيف لي أن أعيش وأولادي بدونه، حيث لم أعرف معنى الحياة إلا به وبقربه، اعتمدت عليه بشكل أساسي في أعظم الأشياء وأصغرها، فكرت الانتحار لأكثر من مرة، فقد قطعنا عهداً على أنفسنا بأن نتشارك في كل شيء، ولكن عند رؤيتي لأولادي خشيت وخفت عليهم والمصير الذي سيؤولون إليه من بعدي".

وبعد صمت وشرود لبرهة من الوقت واصلت حديثها لـ«الأيام» قائلة: "حتى يومنا هذا وأنا أكتوي بنار الفراق لعدم رؤيته وتوديعه، حيث وصل جثمانه إلى عدن بعد مرور خمسة أيام من التفجير ولم يتم إدخاله إلى المنزل، كما أنه لم يُسمح لي بتوديعه وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، وحينما شاهدوني أصرخ بشكل هستيري فاجأوني بالقول: لن تتحملي هول منظر جثمان زوجك.. إنه مشوه ولا توجد بعض من أجزاء جسمه، بل إنه لم يتم التعرف عليه، بحسب قولهم، إلا من خلال بطاقته العسكرية التي كانت في جيب قميصه أثناء وقوع التفجير.. وتم الصلاة عليه في مسجد السلام الواقع بالقرب من منزلنا قبل أن يتم تشييع جثمانه إلى مثواه في مقبرة الرضوان بمديرية دار سعد، وحالياً أسكن بمعية أولادي بمنزل أسرة زوجي الذي تزوجنا فيه وما تزال أصداء صوته تتردد في أرجائه، وقد أتت والدتي المسنة للسكن معي في المنزل، كوني أقطن بمفردي فيه، فوالدة زوجي قعيدة الفراش وجرى نقلها إلى مديرية القبيطة بمحافظة لحج قبل حدوث الوفاة، كما أن أشقاء زوجي يعيشون خارج المنزل".
معاناة الأبناء
مكالمة اجرتها طفلة الشهيد بعد وفاته
مكالمة اجرتها طفلة الشهيد بعد وفاته
وبصوت متهدج تواصل الزوجة قصتها الأليمة بالقول: "ترك لي زوجي أربعة من الأولاد في مقتبل العمر، طفلين واثنتين من البنات، وجميعهم لم يكفوا بالسؤال عن أبيهم وهذا يُعد ألماً آخر بالنسبة لي، فأصغر أبنائي بعمر عامين ونصف، أصيب بحمى شديدة منذ يوم وفاة والده، وفي كل أوقاته يردد كلمة "بابا بابا" في استيقاظه ومنامه، أما عن الابنة الكبرى (10 أعوام) فعلمت بنبأ استشهاد والدها من خلال رفاقها في الحي وحينها عادت مسرعة إلى المنزل وهي تبكي وتصرخ قائلة لي: من سيأخذ لنا ملابس في العيد يا أمي؟ من سيذهب بنا إلى الحديقة لنلعب. فيما ابنتي (6 أعوام)، فدائماً ما تحمل الجوال في محاولة للاتصال به وهي تقول: أين أنت يا أبي؟ والآخر يسألني عن سبب تأخر أبيه بالعودة إلينا".

وطالبت زوجة الشهيد "باسم علي عبد القوي"، في ختام حديثها لـ«الأيام»، الجهات المعنية بصرف مرتب الشهيد بانتظام، لكونه مصدر دخل الأسرة الوحيد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى