أسرتا شهيدين بعدن: أبناؤنا استُدرجوا إلى مأرب بحجة الراتب

> راح ضحيته 116 شهيد.. «18 يناير» يوم أسود على أبناء عدن والجنوب

>
تقرير/ فردوس العلمي
ما أقسى أن يموت لك عزيز ولا تتمكن من طبع قبلة الوداع على جبينه!، هكذا كان حال كثير من الأسر في عدن ومحافظات جنوبية أخرى، ممن لقي أبناؤها حتفهم في مجزرة مأرب، وعادوا إليها جثث متفحمة أو مُجزأة محمولين في شوالات (جواني).
مساء السبت، الموافق الثامن عشر من يناير الماضي، سُجل كتاريخ أسود شهدته أرض مأرب، ضحاياه أبناء محافظات عدن ولحج وأبين، من منتسبي اللواء الرابع حامية رئاسية، الذي يقوده العميد مهران القباطي.

مجزرة رهيبة أقدمت عليها مليشيات الحوثي حصدت 160 شهيداً وما يزيد عن 60 جريحاً فور تأديتهم لصلاة المغرب في أحد المساجد في المحافظة.
شباب في عمر الزهور راحوا ضحايا الراتب بعمل جبان لا يمت للإنسانية بصلة، ارتقت أرواحهم الطاهرة وعادت أجسادهم المحروقة والمشوهة لتدفن في مساقط رؤوسهم، فيما وصلت بعدها مرتباتهم التي ذهبوا من أجلها ولكنها ملطخة بدمائهم الزكية.

زارت «الأيام» عائلة الشهيدين أحمد عدنان ومنصور قحطان، الأسرتان مازالتا في صدمة من هول الفاجعة التي نزلت بهما، ولكن بإيمان وتجلد وكّلتا أمرهما لله.

أحمد عريس الجنة
في منزل متواضع من منازل الممدارة في مديرية الشيخ عثمان، اُقيم عزاء مشبع بالحزن والوجع مغطى بألم الفراق، عزاء الشهيدين أحمد عدنان (25 عاماً)، وصهره (زوج أخته) الشهيد منصور قحطان، في العقد الثالث من العمر.
يسكن الوجع جدران ذلك المنزل الذي بات تجمعاً لنسوة الحي ممّن حضرنه لتقديم واجب العزاء للأسرتين المكلومتين.
الشهيد أحمد عدنان
الشهيد أحمد عدنان

كانت أسرة الشهيد أحمد تحضّر ليوم زفافه المنتظر بفارغ الصبر ولم يدُر بخُلد أحد منها أن تكون زفته "زفة رحيل" عن الدنيا بأكملها.

نظرت نظرة استعراضية لأجد بين النسوة أم الشهيد أحمد، لأقدم لها واجب العزاء في فقدان ولدها وكذا زوج ابنتها، فوقع بصري عليها وكانت مستلقية على ظهرها في إحدى زاويا المنزل، لتستقبل العزاء، اقتربت منها فإذا هي طريحة الفراش أقعدتها أمراض متعددة منها انزلاق في العمود الفقري ومرضا السكري والضغط، أضيف إليهما الحزن وألم الفراق، كما إنها فاقدة لنعمة البصر.
الشهيد منصور قحطان
الشهيد منصور قحطان

طوال الوقت لم تكف عينا الحاجة أم الشهيد (ستينية العمر)، من الدموع، كما لم تتوقف شفتاها من الدعاء والتسبيح، وما بين البكاء بصمت والتسبيح وذكر الله وحمده على قضائه وقدره، يشعر من يقعد بجانبها بمدى الوجع وألم الفراق المحبوس في صدرها.

ضحايا الراتب
تقول نزهة، أخت الشهيد أحمد، والتي كانت قاعدة بالقرب من إمها: "أخي وزوج أختي راحوا ضحايا الراتب".

وتضيف في حديثها لـ«الأيام»: "استلموا نصف الراتب هنا في عدن ولكن أخبروهم بأن نصف الثاني سيتم تسليمه لهم في عتق، فذهب زوج أختى مع القائد مهران، وأخي طلع في اليوم التالي مع أخو مهران، وكانت نيتهما هي استلام ما تبقى من الراتب والعودة، وكانوا خلال تواجدهم في عتق على تواصل معنا بشكل يومي وفي أخر مكالمة أبلغونا بأنهم ذاهبين إلى مأرب، ولا نعلم سبب ذهابهم إلى هناك، وبعدها انقطع الاتصال بهم لفترة، نتيجة لأخذ الجولات منهم، ولا يسمحوا لهم بالاتصال بأسرهم إلا مرة في الأسبوع.. لقد سحبوا رجالنا من أجل الراتب إلى عتق وحين وصلوا إليها نقلوهم إلى مأرب، ولا ندري لماذا نقلوهم إلى هناك؟"

وتتابع بالقول: "وصلنا أولاً خبر استشهاد زواج أختي، وأخي أحمد لم نتأكد من استشهاده إلا بعد أسبوع حينها فقدنا الأمل بعودته حياً".
فيما روت زوجة الشهيد منصور وأخت الشهيد أحمد قصتها وألم فراقها قائلة: "نبأ استشهاد زوجي ومن بعده أخي نزل على قلبي كالصاعقة".

وبحزن عميق وخوف من المجهول تضيف: "من لي ولابنتي بعد زوجي، فقد كان سنداً لنا بعد الله، فأنا لا بيت لي ولا عمل".
وللشهيد منصور ابنتان: إلهام (سبعة أعوام)، وآمنة (عام وتسعة أشهر).
إلهام وآمنة ابنتي الشهيد منصور قحطان
إلهام وآمنة ابنتي الشهيد منصور قحطان

وتساءلت في حديثها لـ«الأيام» بعد أن ضمت ابنتيها إلى حضنها قائلة: "هل سيتم معاملتنا كأسر شهداء عام 2015؟، والتي تم حرمانها من الرواتب تحت ذريعة أن أبناءهم قاتلوا لوجه الله وليس من أجل الراتب؟".
وأوضحت في ختام سردها لقصتها الأليمة أن آخر اتصال تلقته من أخيها كان في صباح يوم الحداثة (السبت)، طمأنهم من خلاله عن أحوله، طالباً منهم الانتباه على أمه، مشيرة إلى أنها لم تتمكن من مشاهدة جثمانيهما لمنعهم من قبل الرجال، نظراً لتشوههما.

دفنت هويتهما معهما
رامي عبد الحافظ أبن أخ الشهيد منصور يقول: "عمي ورفاقه كانوا في عدن وتم إبلاغهم بأن من يرغب باستلام راتبه عليه التوجه إلى عتق، وبعد وصولهم إليها تم سحبهم إلى مآرب لـ "معسكرات التدريب"، وظلوا هناك لشهر، مع منعهم من الاتصال بأسرهم، ووصلتنا جثمانيهما يوم الخميس 23 يناير، أي بعد 6 أيام من استشهادهما، وتم دفنهم في نفس اليوم بمقبرة العثماني، ولم نتمكن حتى من النظر إليهما أو حتى إخراج البطاقة الشخصية والعسكرية من ملابسهم، والتي كانت ملتصقة بجثتيهما، فدفنت معهما".

واستغرب عبد الحافظ في حديثه لـ«الأيام» من الدفع بأبناء عدن والمناطق الجنوبية لاستعادة الشرعية في الوقت الذي لا تبعد فيه القوات في مأرب عن الحوثي سوى كيلو مترات قليلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى