الجمعة, 16 مايو 2025
165
في زمن تتشظى فيه الجغرافيا وتُستباح فيه الحقوق، يبقى "الصوت الجمعي" هو الحصن الأخير، صوت الناس الذين لم يفقدوا إيمانهم بحقهم في حياة كريمة وخدمات تليق بإنسانيتهم وكرامتهم. هذا الصوت ليس شعارًا عابرًا، بل تعبيرٌ عن وحدة المعاناة، ووحدة المطالب، ووحدة المصير.
إن المطالبة بالخدمات الأساسية ـ من كهرباء ومياه وصحة وتعليم ونظافة وطرق وأمن غذائي ـ لا تُعد ترفًا سياسيًا أو مساومة ظرفية، بل هي جوهر العقد الاجتماعي الذي يجب أن يربط بين الحاكم والمحكوم، ومتى ما اختلت هذه العلاقة يحق للشعوب أن تنتفض بصوت واحد، لا أن يتم تفتيته أو تفريغه من مضمونه تحت أي ذريعة.
"ثورة الخدمات" ليست خيانة ولا عصيانًا، بل هي دفاع مشروع عن حق أصيل كفلته الشرائع السماوية، ونصّت عليه القوانين الدولية والدساتير الوطنية. إنها امتداد لحالة الرفض التي تعم الشارع الجنوبي والعدني خصوصًا، تجاه الإهمال الممنهج والعبث المستمر بمصالح الناس وحقوقهم.
كل محاولة لتجزئة هذا الصوت، أو ربطه بأجندات مشبوهة أو تسفيهه تحت مسمى "الفتنة"، إنما هي خيانة مزدوجة: خيانة للحق وخيانة للناس الذين يُقاسون يوميًا مرارات العيش.
لسنا في صدد الصمت عن الألم، ولسنا بوارد التنازل عن مطالبنا، ولسنا على استعداد لتسليم صوتنا لخطابات التخويف. نقول بوضوح: "صوتنا من بعض.. لا تعملوا على تقسيمه"، فصوت المعاناة واحد، والمطالب مشروعة، والحراك السلمي من أجل الخدمات هو درب من دروب الدفاع عن الحقوق لا تهديد لها.
علينا أن نحصّن هذا الصوت بوحدة الكلمة، ووعي الحقوق، ونقاء النوايا، ونرفض أي تلوين سياسي يسعى لتشويهه. فكرامة الناس تبدأ من صنبور ماء نقي، وكرسي مدرسة آمن، ومصباح كهرباء لا يخون ليلهم.