كهرباء تجار «المواطير».. سلعة بأسعار خيالية في تعز

> تقرير/ مرزوق ياسين

> مسئول: غياب للدور الرسمي ومولدات كثيرة تعرضت للنهب
يدفع المواطن محمود سلطان، مالك منجرة أخشاب، 300 ريال على كل كيلو وات، ويصل إجمالي استهلاكه الشهري قرابة مائة ألف ريال.

نصف عقد من الزمن ومحافظة تعز ترزح في ظلام دامس بسبب تعثر إعادة خدمة الكهرباء إلى المدينة وتضرر شبكة الكهرباء بسبب الحرب التي تسببت بدمار كبير في البنية التحتية ومساكن المواطنين وأعادها الحصار المفروض على المدينة من قِبل الحوثيين في الجهة الشرقية والشمالية إلى القرون الوسطى. يعتمد سلطان على أحد تجار بائعي الكهرباء (أصحاب المواطير) لتزويده بخدمة الكهرباء، ويشتري الكيلو وات الواحد بمبلغ 300 ريال، وتضاف إلى فاتورته النصف شهرية رسوم خدمة 2000 ريال. يقول سلطان مالك منجرة وسط المدينة إن إجمالي استهلاكه الشهري من خدمة الكهرباء الحكومية كان لا يتجاوز 10 آلاف ريال، وأنه اضطر للتزود بالكهرباء من تجار المواطير للوفاء بالتزاماته وإنجاز عقود العمل الخاصة بالزبائن. ويتقاسم تجار بيع الكهرباء أحياء المدينة، ويبيعونها كسلعة مربحة بأسعار تصل إلى 10 أضعاف أسعارها الرسمية التي استمرت الدولة تقدمها كخدمة للمواطنين على مدى عقود من الزمن.
مولد تعرض للنهب
مولد تعرض للنهب

ويلجأ الكثير من ملاك المِحال التجارية والورش والمعامل إلى شراء الطاقة الكهربائية من أصحاب المواطير كخيار وحيد لاستمرار أنشطتهم المهنية. وعلى الرغم من الوعود الحكومية في تزويد الشق الخاضع لسلطة الشرعية في مدينة تعز بطاقة كهربائية (30 ميجاوات) إلا أن هذه الوعود تبخرت ولم تتحقق منذ قرابة ثلاثة أعوام.

خسائر باهظة
وبحسب تقديرات غير رسمية وجهود ميدانية أنجزتها لجنة الدفاع عن مؤسسة الكهرباء بساحة الحقوق والحريات، فإن الخسائر التي تتكبدها المؤسسة العامة للكهرباء بتعز باهظة نتيجة التوقف القسري محطة كهرباء (عصيفرة) ومحطة (المخا البخارية) منذ 6 سنوات. وتنتج محطة المخا ومحطة عصيفرة طاقة كهربائية تتجاوز 160 ميجا وات في الساعة الواحدة، كما ترتبط محافظة تعز بالمنظومة الوطنية للكهرباء التي تعرضت للدمار، وتقع في خطوط المواجهات بين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة الشرعية شرق المحافظة.
مدخنة مواطير وسط أحد الأحياء.. إزعاج و أضرار بيئية
مدخنة مواطير وسط أحد الأحياء.. إزعاج و أضرار بيئية

ويعتقد رئيس لجنة الدفاع عن المؤسسة العامة للكهرباء، م. أمين الحاج، في حديث لـ«الأيام»، أن خسائر المؤسسة فرع تعز من توقف وفوات خدمة الكهرباء بلغت 120 مليار ريال، مشيراً إلى أن خسائر أخرى في بعض المعدات والأجهزة وأبراج وخطوط النقل (132 K.V)، والتي تتطلب إعادة تأهيل وصيانة لها، وكذلك الأضرار والخسائر البشرية التي لحقت بالمدينة السكنية للكهرباء في المخا، فضلاً عن الأضرار الكثير التي لحقت بالبنية التحتية لكهرباء تعز؛ نتيجة تخريب ممنهج.

خسائر بنحو 12.5 مليون دولار
وبحسب دراسة أعدتها مؤسسة كهرباء تعز في بعض أجزاء من المدينة المحررة، فقد قدرت الخسائر الناجمة عن أعمال التخريب حوالي 12.5 مليون دولار أمريكي. ويقول م. أمين الحاج: "إن 380 ألف مشترك في المحافظة انقطعت عنهم خدمة الكهرباء الحكومية بشكل كامل، ولو افترضنا أن كل مشترك قام بشراء ألواح شمسية وتوابعها بمبلغ 100 ألف ريال كبديل للكهرباء سيصل تكاليف الحلول إلى 380 مليار ريال، ناهيكم عن الخسائر الباهظة التي لحقت بكبار المشتركين من مؤسسات وشركات ومحلات صناعية وتجارية مقابل شراء مولدات".
رئيس لجنة الدفاع عن مؤسسة الكهرباء في ساحة الحقوق والحريات
رئيس لجنة الدفاع عن مؤسسة الكهرباء في ساحة الحقوق والحريات

ويتابع حديثه لـ«الأيام» عن معاناة المواطنين بسبب تعثر إعادة خدمة الكهرباء قائلاً: "انعدام الكهرباء في محافظة يقطنها 5 ملايين مواطن لمدة 6 سنوات يمثل ضربة قاصمة للمشاريع والتنمية"، مضيفاً: "الكهرباء في تعز تُعد من المخفين قسراً وحكومة الشرعية والسلطة المحلية بالمحافظة تعلم ذلك، وكلما مرت الأيام يتأكد لنا عدم رغبة هذه السلطات في تشغيل محطتي (عُصَيفِرة) و(المخا) وإصلاح الأضرار التي لحقت بشبكاتها ومعداتها وعدم اكتراثهم لمعاناة الناس، وتوفير البدائل لسد احتياجات المواطنين مثل باقي المحافظات المحررة الأخرى كمأرب وعدن والجوف وغيرها، والمؤكد أن عودة الكهرباء إلى تعز تحتاج قراراً سياسياً من رئاسة الدولة لقد كان ولا يزال عدم توفر الكهرباء العامة لمحافظة تعز، هو السبب الرئيس وراء التهجير والنزوح القسري لرؤوس الأموال والمستثمرين والتجار والعقول الأدمغة في ملفات المجالات، إما إلى خارج الوطن أو إلى المحافظات الأخرى".

واعتبر م. أمين الحاج، تقاعس المسئولين في المحافظة عن الوفاء بتوفير الكهرباء ناتجاً عن العائدات غير القانونية التي يجنيها البعض من خلال تأجير شبكة الكهرباء لتجار المواطير الذين حولوا خدمة الكهرباء إلى سلعة تباع بأسعار مبالغ فيها دون رقيب أو حسيب.
أضرار تعرضت لها شبكة نقل الكهرباء
أضرار تعرضت لها شبكة نقل الكهرباء

تأجير غير قانوني
وأكد رئيس لجنة الدفاع عن مؤسسة الكهرباء بساحة الحقوق والحريات بتعز بأن ما يتم الآن من استغلال لشبكات الكهرباء وللمواطنين من سكان مدينة تعز ومدنها الثانوية الأخرى مثل التربة والمعافر غير القانوني لشبكات الكهرباء العامة من قِبل الفاسدين في إدارة الكهرباء وفروعها لتجار (المواطير) هو الصورة الجلية والحقيقية للاستغلال البشع لحاجات الناس الماسة للكهرباء العامة.

وأضاف: "ما يجري في تعز ليس استثماراً كما يتم الترويج له عن طريق الكذب والتدليس؛ ولكنه عبث يكشف حقيقة الاستغلال البشع الذي يمارسه تجار الحروب. وترى لجنة الدفاع عن المؤسسة العامة للكهرباء أن هناك إمكانية كبيرة لتشغيل كهرباء تعز من خلال محطة عصيفرة والمولدات المتنقلة المتواجدة فيها، والتي لم يتم استغلالها وتشغيلها من خلال توفير المتطلبات اللازمة لإعادة تأهيلها وصيانتها وتوفير وقود الديزل من المنحة التي تقدمها دول التحالف العربي لتشغيل محطات الكهرباء في المناطق المحررة من أجل سد احتياجات الناس وإعادة الحياة للمدينة وللحفاظ على شبكات الكهرباء العامة الذي يطالها بشكل متواصل التخريب الممنهج، وهي أضرار تتجاوز أضعاف ما خربته القذائف الحوثية".

تعرض مولدات للنهب
وبحسب مواطنين ومهتمين، فإن الشرعية التي سيطرت على أغلب مناطق المدينة باستثناء الضفة الشرقية (منطقة الحوبان) عجزت عن إدارة المدينة واستمرت المدينة تدار من قِبل مجاميع مسلحة، وفي مراحل "التحرير" العصيبة تحولت التمديدات وأجزاء مهمة من الشبكة إلى مصادر دخل للصوص وتجار النحاس والمعادن والكابلات التي جرى في كثير من الأحيان سرقتها في وضح النهار ونقلها إلى محافظات أخرى.
مولد أحد تجار الكهرباء
مولد أحد تجار الكهرباء

وطبقاً لمصادر في مؤسسة الكهرباء أشارت إلى أن كثيراً من تجار مواطير الكهرباء ينتمون لحزب الإصلاح ومقربين من قيادات الحزب قدمت لهم تسهيلات من قيادات عسكرية ومحلية للشروع في بيع الكهرباء عن طريق وضع مولدات في أحواش واستخدام الشبكة العمومية لإيصال الكهرباء للمشتركين.
وعلى مدى سنوات أثيرت قضايا كثيرة مرتبطة بقطاع الكهرباء في المحافظة، لعل من أهمها سرقة المولدات الخاصة بالمؤسسات العمومية والمستشفيات واستخدامها من قِبل ملاك المواطير.
مولد تعرض للنهب
مولد تعرض للنهب

وأشارت إحصائية رصدها ناشطون في مدينة تعز إلى عشرات المولدات الحكومية التي تعرضت للنهب في المدينة التي تسيطر عليها ألوية محسوبة على حزب الإصلاح (الذراع السياسي لجماعة الإخوان).

وذكرت الإحصائية أن (35 مولداً) تم نهبها لاسيما مولدات كبيرة بقوة 2 ميجا وات من محطة (عصيفرة) لم يمضِ عام على تسلم المحطة لها. وتعرضت المولدات الكهربائية الخاصة بجامعة تعز وكلية الطب ومؤسسة الجمهورية ومؤسسة السعيد والمالية والبريد والبنك المركزي وإدارة مجموعة هائل سعيد وغيرها من المؤسسات الحكومية والخاصة لنهب لم يستثنِ مولدات المستشفيات الحكومية. ويشير كثير من العاملين في مؤسسة الكهرباء إلى تورط مسئولين محلين وآخرين ينتمون لجماعة الحوثي في أعمال النهب، كما يحملون السلطة المحلية مسئولية غير المبالاة وعدم استعادة الكثير من المولدات المنهوبة المتواجدة داخل أحواش تجار بيع الكهرباء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى