في أبين.. أخطاء طبية تُدفن مع جثث ضحاياها

> تقرير: عبدالله الظبي

> - نقابة المهن الطبية: الصيدليات والمختبرات تعج بغير المؤهلين لكن لا شكاوى من المواطنين
- مواطنون: بعض الممرضين يضربون الحُقن بناء على لونها ولا يفقهون بأضرارها

حاصل على شهادة من قسم الأحياء في كلية التربية يعمل مخبريا ويجري فحوصات طبية، وآخر يحمل مؤهلاً من قسم اللغة الإنجليزية يعمل صيدلانياً ويصرف أدوية بطريقته الخاصة، والنتيجة هي أخطاء كارثية في نتائج التحليلات الطبية ومثلها في صرف الأدوية والوصفات الطبية للمرضي.. هكذا هو الحال في عدد من مديريات أبين وفي مقدمتها العاصمة زنجبار التي تعج بالصيدليات والمختبرات والعيادات الخاصة والحكومية المخالفة لأبسط قواعد المهنية الطبية.

مختبرات بدائية
في واجه أحد المختبرات الخاصة في زنجبار تحدثنا إلى مواطن جاء لإجراء فحوصات طبية، ولم يخفِ غضبه جراء المعاملة التي تبدو أنها ناتجة عن عدم اختصاص من يقومون بإجراء الفحوصات وتحليل العينات، إذ يقول المواطن غسان جوهر "كل المختبرات الموجودة هنا في عاصمة المحافظة زنجبار كلها مختبرات بدائية تنقصها المعدات الحديثة التي تستخدم في مدن اخرى، وأيضا عدم توفر الكادر المؤهل الذي يجيد العمل بالية صحيحة، وهذا له اثرة في نتيجة التحليل الطبي، ثم في إعطاء العلاج المناسب، فجميع المختبرات المتوفرة لدينا غير لائقة وتفتقد لكل المقومات التي تؤهلها للقيام بعملها على أكمل وجه، خاصة كانت أو حكومية"

وأضاف: "التحاليل الطبية في المختبرات، وخصوصاً في أبين، لا تثق بها، فكثيراً ما تطلع تلك الفحوص خاطئة وأحياناً كثيرة تسبب مشاكل كثيرة، حيث يتم صرف أدوية لحالة مرضية وفقاً للفحص الخاطئ".
وأشار إلى "نعم حصلت أخطاء بسبب أن الذين يعملون بهذا المجال غير متخصصين، وأصبح العمل في هذا المجال مجرد مهنة لكسب المال وعدم المبالاة بحياة الناس".

واختتم قائلاً: "إن تساهل السلطة المحلية بحياة المواطنين وعدم متابعة تلك المختبرات والعاملين فيها يعد جريمة كبرى وفساداً تشارك فيه هذه السلطة، فالواجب عليهم ألا يعطوا أي شخص ترخيص بهذا المجال إلا بعد التأكد من شهاداته وخبراته وأيضا التجهيزات الكاملة للمختبرات من معدات حديثة ومتطورة.

"تعرضت حياتي للخطر"
المواطن سليم أحمد الكسادي، قال: "بالنسبة للمختبرات الطبية في عموم محافظة أبين سواء كانت خاصة أو حكومية فالكثير منها تعمل بطريقة عشوائية، والسبب يعود إلى أن من يعملون في هذه المختبرات لا يحملون شهادات تخصصية في هذا المجال، حتى وصل الحال إلى أن بعض الصيدليات والمختبرات بأبين يعمل فيها خريجون من كلية التربية قسم إنجليزي وأحياء".

وأضاف: "أنا واحد من الذين تعرضوا للخطأ الطبي خلال الفترة الماضية، عندما ذهبت إلى أحد المختبرات الطبية فأُجري لي فحصاً وكانت النتيجة خاطئة وصرفت لي علاجات بناءً على تلك النتيجة الخاطئة، ما تسبب بازدياد سوء حالتي، وعند الذهاب إلى طبيب آخر تبين أن نتيجة الفحص السابق كانت خاطئة وأن تدهور الحالة كان بسبب العلاج الخاطئ".

وأوضح الكسادي أنه عاد ليتأكد بطريقته الخاصة فتبين له أن الموظف المختص بإجراء الفحوصات الطبية ليس متخصصاً ولا يحمل مؤهلاً.

وقال: "لا يقتصر هذا على المختبرات بل الصيدليات أيضاً، فهناك بعض من الذين يعملون في الصيدليات وليسوا بنسبة القليلة، لا هم صيدلانيون ولا متخصصون بصرف الأدوية.. نحن من هذا المنبر ندعو الجهات المعنية بأن تقوم بدورها في ضبط هذه الصيدليات والمختبرات، وأن لا تعطي أي أحد ترخيص من دون أن تتأكد من كل الإجراءات الصحيحة حتى تحافظ على حياة الناس".

ويضاف إلى عشوائية العمل الصيدلاني والمختبري في أبين، إشكالية أخرى لا تقل خطورة على حياة المرضى، وهي أن صيدليات ومختبرات خاصة وأخرى حكومية تعتمد على كوادر مؤهله العملي فقط أنه تلقى دورة تدريبية فهي تتراوح ما بين أسبوع وشهر.

غياب الرقابة الصحية
بدوره قال المواطن ناصر مساعد إن "غياب الرقابة الصحية الكارثة الكبرى"، متسائلاً: أين دور مكتب الصحة وتصاريح مزاولة المهنة؟ وقال: "نحمل مكتب الصحة المسؤولية الكاملة عن هذه المأساة التي تهدد في الأصل أرواح الناس".
وأضاف: "أتمنى أن تقوم السلطة الرابعة (الصحافة)، بواجبها النبيل تجاه ما يحدث، وذلك بنقل هذ المشكلة ومخاطرها للرأي العام لتصبح قضية رأي عام تحرك المسؤولين لردع من لا يتحملون مسؤولياتهم الأخلاقية تجاه البسطاء والعامة".

انعدام النظافة
الاختصاصية الاجتماعية في مكتب الشؤون الاجتماعية بمحافظة أبين، نجوى محسن، قالت: "بالنسبة للمختبرات الطبية لها دور هام جداً في حياة المواطنين، ولكن في الآونة الأخيرة ازدادت الأخطاء الطبية، حيث تشخص كثيراً من الأمراض بناءً على التحاليل المخبرية، وعليه فقد خص أطباء حالات مرضي بأنهم مصابون بالسكر، بينما كان السبب هو المختبر أحياناً، كما شاهدت بعدن بمختبرات ذات سمعة عالية بأن نظافة الأنابيب التي توضع بها العينات ليست كافية، لدرجة أن عينة لمريض مصاب بالسكر عندما يعاد استخدام الأداة نفسها لمريض آخر تطلع النتيجة إصابة بالسكر، بسبب عدم تنظيف الأدوات بشكل جيد".

وأضافت: "لم يقتصر هذا على المختبرات الطبية فحسب، فالصيدليات تلعب دوراً آخر سلبياً من خلال بيع أدوية دون استشارة طبيب، ومن خلال معرفتي بصيدليات وملاحظتي لزبائنهم، أغلب الناس يأتي يطلب دواء معين باسم معين والصيدلي يستجيب ويصرف له دون وصفة من الطبيب".

وتابعت: "ورغم إخطار الأدوية، مثل المسكنات والمضادات الحيوية، إلا أن الصيدلي يبيعها دون حتى يخبر المشتري أن الدواء ضار، مثلاً بعض الناس أدمن "الفلتارين" ويظل يشربه طوال الوقت ولا يعلم أنه يسبب فشل كلوي ويضر الكبد، والبعض يستخدم التراما دول وهو دواء ضار جداً ويعتبر من المخدرات، ويصفه الأطباء فقط في حالات معينة لمدة محددة وبجرعات محدده".

وأردفت الاختصاصية الاجتماعية قائلة: "كل الفئات متضررة من استخدام الدواء إما بسبب عدم معرفتهم بالضرر كذلك شاهدت آباء وأمهات يأخذوا أدوية من الصيدلية لأطفال ما دون العام، وأسوأ ما يفعله الصيادلة بيع الأدوية المهربة والتي تنتهي صلاحيتها بسبب سوء التخزين نتيجة لطلب المواطن لها والتي تؤدي للموت المفاجئ بسبب سمية الدواء.. باقي أهم نقطة وهي بعض الصيدليات تبيع الأدوية المخدرة وبدون وصفة طبيبة ولها زبائن، وأحياناً تكون وصفة طبية لمريض فعلاً، فيظل الشخص يستخدم الوصفة بأكثر من صيدلية ليس للمريض ولكن لمدمن علي تعاطي هذه الأدويه".

وأفادت أن ممرضات وممرضين يعملون في عيادات خاصة وحكومية يصرفون أدوية ويضربون حقناً من خلال لون وشكل وحجم الدواء لا عن دراية ولا عن معرفة بالعلاج واستخداماته وأضراره.

تعددت الأسباب والموت واحد
انتشار المرافق الصحية وعدم جديتها في العمل بمهنية أصبح يشكل خطراً كبيراً علي حياة المواطنين، فالأخطاء الطبية تتزايد ونتائجها تدفن مع جثث من وقعوا ضحية، والأخطاء الطبية تتنوع ما بين زيادة جرعة تخدير بغرفة العمليات أو نزيف نتيجة لخطاء جراح أو صرف دواء بطريقة خاطئة.
الشخصية التربوية والإعلامية، محمد صالح الشحيري، قال: "هناك عشوائية في هذا المجال، ولم تكن هناك متابعة من الجهات الصحية، ونجد أنهم يعطوا التراخيص بشكل عشوائي للبعض بالوساطة وغيرها من الوسائل..!، كذلك تجد العشوائية في التحاليل الطبية وهي عملية تؤدي بحياة الناس إلى الموت".

وأضاف: "حصلت عدة أخطاء راح ضحيتها عدة حالات وفاة، وآخرها في مستشفى الرازي نتيجة الإهمال الزائد أدت إلى وفاة امرأة من الكود.. الشيء الآخر أن هناك موظفين في العيادات الخاصة ليسوا متخصصين وتجدهم من خريجي كلية التربية لغة إنجليزية، وهذه الظاهرة منتشرة ودون رقابة ولا محاسبة .

أخطاء تشخيصية
عامل في أحد المختبرات الطبية قال: "لا يمكن القول إن أداء المختبرات الطبية في المحافظة عالٍ، إذ أن أي مختبر لا يمتلك المواصفات المطلوبة ونظام الجودة، ويكون غير قادر على تشخيص الأمراض بشكل صحيح".

وأضاف: "الأخطاء التشخيصية للأمراض التي تقع فيها المختبرات هي انعكاس لتدني التعليم والخبرة لدى العاملين، وكذا عدم توفر محاليل ضبط الجودة ويعود إلى وزارة الصحة أولاً وثانياً للأشخاص الذين يقبلون أي شخص مخبري لا يمتلك شهادة للعمل بها، وأيضاً المعاهد التي تصرف شهادات دون دراسة، والسبب الأهم هو قبول أي شخص يشتغل في مختبر دون عمل أي امتحان".

وتابع: "المسؤولية الأولى تقع على عاتق أصحاب المراكز الحكومية أو الخاصة الذين يوظفون أشخاصاً لا توجد لديهم مؤهلات وحتى إن وجدت لا يعملوا لهم اختبارات ما قبل العمل.. وفي المقابل، هناك كثير من الصيدليات التي تبيع الأدوية وترتكب أخطاءً قاتلة بحق المرضى أو أضراراً تظهر على المدى البعيد بسبب أنهم متسلقين وليسوا من أهل الاختصاص".

وحدد الموظف في أحد المختبرات عدداً من المخاطر، قال إنها تهدد المريض والمجتمع هي:
أولا: الخطر على العاملين في المختبرات الطبية من العدوى والإصابة بأمراض خطيرة معدية، مثل فيروسات الكبد وفيروس الإيدز وأنواع البكتيريا المعدية التي تأتي في العينات وتنتقل إلى الفني إذا لم يكن لديه دراية كاملة عن كيفية التعامل مع العينات من هذه الأنواع.

ثانيا: خطر على المريض، وذلك بصرف نتائج خاطئة وذلك أن النتائج الطبية يجب أن تكون مرتبطة ببعضها، وفني المختبر هو الشخص القادر على الربط بين النتائج وتأكيدها، أما من يعمل كطباخ حافظ لطريقة الفحص أو من غير أهل المجال، فلا يعلم بهذا ولا شك أنه سيصرف نتائج خاطئة، وبالتالي تشخيص خاطئ وعلاج خاطئ.

ثالثا: الخطر على المجتمع وذلك بأن العينات المخبرية المرضية وغير المرضية ومزارع البكتيريا وغيرها يجب التخلص منها بطرق سليمة ومعاملتها كنفايات طبية خطيرة قد تتسبب في أوبئة خطيرة جداً، وما هذه الأوبئة المنتشرة إلا بسبب تصريف النفايات الخاطئ، فعلى سبيل المثال لو أنك تخلصت من مزارع بكتيريا في نفايات وهي تحمل كوليرا فستعدي كل المجتمع وهكذا عينات فيروسات الضنك وغيرها، والمصيبة العظمى أن بعض الميكروبات لها قدرة على مقاومة الظروف وتتمحور لتصبح ميكروب جديد، وبالتالي انتشار أمراض جديدة وظهرت عندنا في الفترة الأخيرة"

العقوبات واضحة
رئيس نقابة المهن الطبية بمكتب الصحة بمحافظة أبين، ناصر صالح شيخ، قال: "بالنسبة لموضوع المختبرات الطبية والصيدليات ومخازن الأدوية والمنشآت الصحية، أنا أتفق مع بعض الملاحظات أن البعض يعملون في الصيدليات ومخازن الأودية والمنشئات الصحية بدون شهادات علمية.. أتفق معكم أن هناك بعض الأخطاء سواء في الفحص المخبري أو غيره، ولكن أقول بصراحة، لم يبلّغ لدينا أي مواطن عن تلك الأخطاء وإن حصلت".

وأضاف: "صحيح هناك بعض مالكي الصيدليات ومخازن الأدوية يعمل بها عاملون غير مؤهلين، وأنا أؤكد ذلك في نزولنا الأخير في فبراير 2020م وجدنا بعض الصيدليات يعمل بها أكثر من خمسة أشخاص وبدون".

وتابع: "نحن الآن في عملية نزول بدأناها لشهر فبراير 2020م، ورقم أننا نواجه بعض الصعوبات وتدخل في العمل وعدم المساعدة من بعض الجهات، حيث وجدنا بعض الصيدليات والمختبرات والمنشآت فاتحين بدون تصاريح أو أبسط الإجراءات البسيطة.. سنعطيك مثالاً بسيطاً، صيدلية مزودة بجميع الأدوية وفيها عمال بدون شهادات، المالك متخصص محاسبة، خصوصاً مديرية خنفر".

وأردف: "هناك بعض الخلل في العلاقة، حيث كان المسؤول المباشر هي السلطات الصحية بدون صدور قانون المجالس المحلية، أصبحت الإيرادات باسم المجالس المحلية والعمل والإشراف والتصاريح من قبل مكتب الصحة في المحافظة والوزارة ونقابة المهن الطبية، وهذا ترك نوعاً من الإشكالية.. سيتم صرف الترخيصات المهنية، كل واحد حسب شهادات وتخصصاتها"

وتابع: "هناك عقوبات، والنظام واضح ومحدد على جميع المنشآت الطبية، توقيف الصيدليات أو المختبرات والمنشآت الصحية وإحالة المخالفين إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات، وبعض اللوائح تنص على سحب الشهادات عند ارتكاب الأخطاء من قبل النقابة المعنية والجهة المشرفة للمنشآت الطبية.
الرسالة التي أقدمها للمواطنين في المحافظة والجهات المسؤولة والمجتمع أن يبلّغوا عن أي خطأ إلى جانب الجهات الصحية والسلطات التنفيذية".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى