التطرف بين الأمس واليوم

> التطرف كارثة هذا العصر وآفة كل عصر، وهو صنو التعصب، وشكل من أشكال الجهل والطيش والسفه، وهو ريح تطفئ سراج العقل، وتطلق دخان الهوى وسراب العواطف المنفلتة، وهو قناعة مطلقة؛ ولكنها تقوم على الوهم، فلا قاعدة لها، وﻻ قرار، إلا في نظر أصحابها الذين يزين لهم الشيطان سوء عملهم، والتطرف طغيان واستغناء عن المراجعة والتفكير والتدبر ولا يقر أن الأمور نسبية، وأنه لا يملك الحقيقة كل الحقيقة إلا المولى تعالى.

قال تعالى: "إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"، ومع هذا كله فقد جاء التطرف في هذا العصر منقحاً ومملحاً وملقحاً بطفرات على يد الاستخبارات العالمية وغير العالمية، فصار مدعوماً وميسراً ومحاطاً بالرعاية وسلاحاً فتاكاً بيد قوى خفية تصوبه حيث شاءت، يركب التطرف على ظهر الباطل وجناح الشيطان، ويظن أنه يستوي على سفينة النجاة والسلام، قال تعالى: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون".

فالمتطرف يخطئ من حيث يظن أنه يصيب ويصر على خطأه، ويفسد من حيث يظن أنه يصلح، فهناك مشكلة في تركيبة الفكر نفسها لدى المتطرفين وفي الفهم والتأويل وتحري الحق والتسديد وفي عدم الإحاطة بالأمور، قال صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا".

ولكن التطرف لا يسدد ولا يقارب، ولكن يمرق عن الهدف كما يمرق السهم عن الرمية، كما جاء في الحديث النبوي الشريف.

هنالك تطرف في الدين وهناك تطرف في السياسة، وتطرف في الفكر وغير ذلك. والمتطرف كذلك يلغي الآخر ويحتكر الحقيقة ولا يرى إلا نفسه، لقد طغى واستغنى.

قال تعالى: "وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس * قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء * ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون"، فالناس في الآية الكريمة تدل على الكثرة وعلى الاتجاه العام والجماعة في الإيمان، ولكن التطرف شاذ فيسفه الناس في إيمانهم وليس من سفيه إلا هو، ولكن المتطرف لا يعلم بذلك، ومن هنا ارتبط التطرف بالجهل.

الموضوع قديم إذن وتاريخي ولكنه في عصر التكنولوجيا صار أشد كارثية وضرراً فلم يعد مكتفياً بنفسه، ولا منطوياً عليها؛ بل صار وسيلة لقوى أخرى تتفنن في تغذيته وتطويره وتوظيفه وادخاره. "جيء يوماً لعمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه - برجلين متطرفين من الخوارج، فسمع لقولهما، فقال أشهد أنكما خرجتما من أجل الجنة ولكنكما أخطأتم طريقها".

فانظر إلى شبابنا اليوم الذين يفجرون أنفسهم ومركباتهم في وسط إخوانهم المسلمين، أو غير المسلمين معتقدين ألا يفصلهم شيء عن الجنة وحياة النعيم إلا أن يضغطوا على (زر) محدد فينتهي كل شيء. لقد أخطؤوا الطريق إلى حياة النعيم، ويا له من خطأ فادح!.

اقرؤوا تاريخ الخوارج، ففي التاريخ صور لهذا التطرف، وفيه العبرة لمن تطرف ولمن أراد أن يكافح التطرف.

وقبل كل ذلك وبعده فإن المتطرف يتميز بالعنف؛ لأنه يخالف الجميع، ويفتقر للحجة البالغة، إلا عند ضحاياه القصر، ولأن المتطرف لديه يقين وهمي بأحقية ما يعتقد، ومع هذا فلا ييأس العلماء والمثقفون من محاورة مثل هؤلاء..

وللموضوع بقية بعون الله تعالى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى