عدن.. حنين إلى زمن لجان الدفاع الشعبي

> تقرير / وئام نجيب

> يذكر أن وفداً أجنبيا انتقل من الحديدة في العام 1926م صوب صنعاء لمقابلة الإمام يحيي بن حميد الدين، وعندما جرى اعتراض الموكب ومنع الوفد من مواصلة السفر صوب صنعاء من قبل شيخ قبلي يدعى هادي، في الصباح، بمبرر عدم وصول موافقة من الإمام، لجأ الوفد إلى نجله الذي أوكلت له مهمه الحراسة مساءً وقاموا بدس 500 روبية في جيب قميص ابن هادي ليمنحهم الإذن بالسير إلى صنعاء.

ويقول الشاعر الكبير الراحل عبد الله البردوني معلقا عن الرشوة: "الرشوة كان يطلق عليها خلال فترة حكم الأتراك (العثمانيين) لليمن (البقشيش) وبعد حادثة رشوة ابن هادي أصبحت تعرف بــ (حق ابن هادي)، فمن يريد إنجاز معاملة بطريقة سريعة يدفع حق ابن هادي و من يوصل بضاعة ولا يدفع الرسوم عليها يقولوا عنه: قد دفع حق ابن هادي.

ومنذ مطلع التسعينات انتقلت الرشوة والفساد إلى مدينة عدن والجنوب بنقل تجربة الحكم إليه وتعززت بعد حرب صيف 94م من خلال منظومة الحكم (العسقبلي) المتخلفة، بحسب وصف استاذ التاريخ بجامعة عدن د. سيف علي مقبل.
حضور قيادة الدولة الجنوبية لعيد الجيش الجنوبي 1 سبتمبر  1975 في الكلية العسكرية بعدن
حضور قيادة الدولة الجنوبية لعيد الجيش الجنوبي 1 سبتمبر 1975 في الكلية العسكرية بعدن

ويعتبر مواطنون أن عقال الحارات أحد نتائج نظام صيف 94م، ومازال عقال الحارات يواصلون عملهم ويحصلون على تراخيص عمل من قبل الجهات الأمنية في حواري وأحياء المدينة، وفي الوقت الذي يبرر البعض وجودهم بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد، يرى الكثير من المواطنين جوانب سلبية لعملهم كوسيط بين المؤسسات الحكومية (الدولة) والمواطنين، وكذا دورهم في نشر الرشوة والفساد وعملهم كسماسرة في الأحياء.

ويقول مواطنون في أحاديثهم لـ "الأيام" إن عقال الحارات لم يسجل لهم أي دور يُذكر في خدمة الناس وحل مشاكل الأحياء، بل تزايدت شكاوى الناس منهم وتحولوا إلى عبء على المجتمع، وذهب عدد من المواطنين إلى الدعوة لإحياء تجربة لجان الدفاع الشعبي التي بدأت في سبعينات القرن الماضي بعد نقلها من كوبا إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ويقولون إنها كانت متميزة في الحفاظ على أمن وسلامة الوحدات والأحياء السكنية.
بطاقة عضوية في منظمة لجان الدفاع الشعبي
بطاقة عضوية في منظمة لجان الدفاع الشعبي

في سوق البُّهرة، وهو إحدى أعرق الأسواق في مدينة عدن بمديرية صيرة، التقت "الأيام" الحاج أحمد علي، الذي استحضر ذكرياته مع اللجان الشعبية متهكماً وساخراً من الوضع الراهن، وقال: "كانت تسمى عدن (بالبندر) وكانت منظمة لجان الدفاع الشعبي في كل المديريات وفي كل حي ووحدة، وتتكون من رئيس للجنة وخمسة أعضاء، ومهامها الرئيسية حل مشاكل الحي وحصر عدد الأسر ومشكلاتهم ومتابعة أوضاع السكن وكذا الاهتمام بشؤون الأحياء من مختلف الجوانب كالصحة، الأمن، التعليم والنظافة من خلال تواصلهم المستمر مع الجهات المعنية والأمنية.

ويضيف الحاج أحمد علي: "الناس التي تعيش في الحياء والسيارات معروفة لدى اللجان ولا وجود لمجهولين وعندما يقوم أي مواطن بالإبلاغ عن واقعة سرقة يساعدون الأمن في العثور على اللص والوصول إليه بسرعة قياسية، وانعكس دورهم في تثبيت الأمن، البيوت كانت لا تغلق أبوابها، وكان عمل اللجان يشمل رفع تقارير شهرية وتميز بالتنظيم والتنسيق.

يواصل الرجل الستسيني حديثه لـ "الأيام" بالإشارة إلى تجربة ديمقراطية تبدأ من الحي من خلال انتخابات للجان شعبية وهو الأمر المفقود في تعيين عقال الحارات ويقول: "كان العاملين في اللجان متعلمين ومثقفين ومن أبناء الحي نفسه والساكنين بالحي هم من ينتخبوهم ويختاروهم بناءً على السمعة الطيبة، من خلال انتخابات تجريها منظمات شبابية تابعة للحزب الحاكم حينها (الحزب الاشتراكي) ودور المنظمات لا يتوقف عن حماية الأحياء، بل يمتد لإقامة فعاليات وأنشطة رياضية وتثقيفية.
شعار منظمة لجان الدفاع الشعبي
شعار منظمة لجان الدفاع الشعبي

ويقول الحاج أحمد علي: "لا ندري كيف يتم اليوم اختيار عقال الحارات، وماهي المؤهلات التي يحملونها والمهام التي يقومون بها؟. وإن أردنا المقارنة بين لجان الدفاع الشعبي وعقال الحارات فلا مجال للمقارنة، فالغالبية من عقال الحارات عملهم استثماري وبمجرد حصولهم على الختم من الجهات الأمنية التي عينتهم يكون أغلبهم قد حصل على مصدر دخل وفرصة عمل لجمع الأموال من خلال استغلال حاجة الناس إليه".

ويقول الحاج أحمد علي أن غالبية عقال الحارات يستثمرون حتى في قوت الجياع والتحايل على المنظمات من خلال تسجيلهم لعدد بسيط من الساكنين في الحي ليستفيدوا من المعونات، ولا يقوموا بالدور المناط بهم والمتمثل في حل المشاكل التي يعانيها الناس خاصةً في ظل الوضع الراهن، أما عمل اللجان فكان طوعياً وإنسانياً لخدمة الناس وقضاياهم، والرشوة كانت جريمة تستحق العقاب ومتى ما تبث تقاضي أحد من أعضاء اللجان رشوة تتم محاسبته وسجنه وإلزامه بدفع غرامة مالية".

واختتم حديثه بالقول: "عقال الحارات أحد الويلات التي خلفها نظام صيف 94م، في مدينة هي بأمس الحاجة إلى روح الأمن والاستقرار والطمأنينة".
ويتحدث أحد المواطنين عن معاناته مع عاقل الحي الذي يقيم فيه، ويقول: "عاقل الحارة ربح دون خسارة"، عمل عقال الحارات عن تجارة.
صورة من المؤتمر الاستثنائي لمنظمة لجان الدفاع الشعبي عام 1981م
صورة من المؤتمر الاستثنائي لمنظمة لجان الدفاع الشعبي عام 1981م

ويواصل المواطن الذي فضل حجب اسمه: "حدثت لي قصة مع عاقل حارة، حيث جرت العادة ان اعطي العاقل مبلغ 500 ريال شهرياً مقابل قيامه بتوصيل مبلغ مالي لأحفادي من راتب ولدي الشهيد كونهم يعيشون مع جدتهم لوالدتهم وعند ايصال المبلغ يقوم العاقل بأخذ سند ايصال باستلام المبلغ ، وعندما سمع العاقل عن صرف مكرمة لأسر الشهداء بالريال السعودي، قمت بتقسيم مبلغ الاكرامية بيني وبين احفادي ولإيصال المبلغ هذه المرة اشترط العاقل طلب مني مبلغ 100ريال سعودي، وعندما رفضت وقلت له اترك الناس هي من تعطي لك من تلقاء نفسها، ولا يصح المساومة في مثل هكذا أمور، كانت اجابته لي بأن هذا حقه، وبالفعل اضطررت الى دفع المبلغ له بالسعودي .

ويطالب الكاتب علي راوح بإعادة نشاط اللجان الشعبية التي تم الغائها واستبدالها بنظام عقال الحارات المعمول به في الشمال .
ويضيف في مقال له :"إن اعادة نشاط هذه المنظمة سيخدم المواطنين في العديد من القضايا وفي مقدمتها القضية الامنية، التي باتت مزعزعة، ثم أن عمل هذه المنظمة، هو خير معين للسلطات المختلفة في تقديم أي معلومات مفيدة تتعلق بالسكان في مختلف الأحياء والوحدات السكنية".
منظمة لجان الدفاع الشعبي وحدة الشهيد فيصل مشعبه حي التلال منطقة الخساف
منظمة لجان الدفاع الشعبي وحدة الشهيد فيصل مشعبه حي التلال منطقة الخساف

ويقترح علي راوح على قيادة المجلس الانتقالي، ممثلة بالأخ عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس دراسة هذه المسألة والاستعانة ببعض أولئك المؤسسين الأوائل لمنظمة لجان الدفاع الشعبي.

ويقول أحد المسنين الذي دفعه الحديث عن الزمن الجميل للأدلاء بدلوه بقوله: "في الزمن الجميل كان مركز الشرطة في مديرية كريتر يوجد فيه ضابط واثنين جنود، وكانت المدينة تنعم بالأمن ونحصل على حقوقنا كاملة دون أن ندفع رشوة أو مقابل، أيضاً كنت الشرطة العسكرية موجودة في معسكر عشرين لتدريب وتأهيل الجنود المؤهلين لحماية الناس وأمن ممتلكاتهم، ولديها دوريات تنتشر في المدينة على مدار الساعة لضبط أي تصرفات غريبة، وذلك انعكس على تواجد الأمن بقوة، كما خلت المدينة آنذاك من البناء العشوائي. أما عقال الحارات اليوم فغالبيتهم يشاركون في العبث والبناء العشوائي، وتقاضيهم للرشوة لم يترك لهم أي هيبة أو مكانة في المجتمع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى