استمرار تشغيل محطة الحسوة الحرارية يكبد كهرباء عدن أكثر من 21 مليون دولار سنويا

> تقرير / معاذ المقطري

> الشركة الأوكرانية لم تقدم قيمة الضمان لوقوع اليمن تحت الفصل السابع
الشركة تتعامل مع بنوك غير معروفة للبنك الأهلي أو بنوك وهمية
تم سحب قطع غيار بنحو 400 مليون ريال من مخازن المحطة سلفة للشركة الأوكرانية

ما حجم الاعتمادات التي رصدتها الحكومات المتعاقبة لتطوير قطاع الكهرباء في عدن، خلال السنوات العشر الأخيرة؟ وهل كان ذلك كافياً؟
هنا في هذا الجزء من التقرير تأتيكم “الأيام” بالإجابات الشافية عن هذه الأسئلة التي بحثنا عن إجابات لها في دهاليز المؤسسة العامة للكهرباء والمعتمدة لعقود الطاقة المشتراة في عدن.

تذهب تأكيدات المؤسسة العامة لكهرباء عدن إلى أن من أهم أسباب تدهور قطاع الكهرباء في عدن هو عدم رصد الاعتمادات الكافية لتطوير هذا القطاع عبر البرنامج الاستثماري للحكومات المتعافية، فضلا عن تقادم وتهالك المحطات التابعة لها.
الشيء الذي لم يسلم به الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة من خلال وقوفه على الإجراءات العملية التي اتخذتها خلال السنوات الأخيرة في مجال إصلاح قطاع الكهرباء.

خلال العام 2014 تعاقدت الحكومة من إحدى الشركات على إعادة تأهيل كل من: محطة المنصورة (2) ومحطة خور مكسر، بتكلفة إجمالية تجاوزت 23 مليون يورو.
وفي عام 2017 تعاقدت الحكومة مع الشركة الأوكرانية “بدسيرفس” على إعادة تأهيل محطة الحسوة الحرارية المرحلة الأولى بتكلفة إجمالية تجاوزت 31 مليون دولار، فيما تم إضافة قدرات توليدية جديدة بقدرات إجمالية بلغت 140 ميجاوات، خلال عامي 2016  - 2017م، ورصد وتوفير الاعتمادات اللازمة لتوريد قطع الغيار المرتبطة بصيانة العديد من المحطات القائمة في عدن.

ويشير تقرير الجهاز المركز للرقابة والمحاسبة إلى وجود مخزون كبير من قطع الغيار لدى محطة الحسوة الحرارية لا يستفاد منه تم صرف جزء كبير منه من تكلفة تتجاوز 200 مليون ريال، سلفة للشركة الأوكرانية “بدسيرفس” التي تم التعاقد معها على إصلاح محطة الحسوة.
ويكشف هذا التقرير عملية استلام الاعتمادات المرصودة لمشروع إعادة تأهيل محطة الحسوة الحرارية وكيف تم إسناد هذا المشروع للشركة التي لا تتوفر لديها الخبرات الكافية التي تؤهلها للقيام بهكذا مشاريع.

في 2017/5/20م تعاقدت الحكومة اليمنية مع الشركة الأوكرانية “بدسيرفس” لتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع إعادة تأهيل محط الحسوة الحرارية
وهو المشروع الذي تسعى فيه الحكومة إلى تحقيق هدفين رئيسيين الأول رفع القدرة الإنتاجية للتوربينتين(3) و(5) إلى قدرتيهما المصنعية بإجمالي 50 ميجاوات وبواقع 25 ميجاوات لكل وحدة توربينية.

والثاني: رفع القدرة الإنتاجية للفلايتين (3) و(6) إلى (320) طناً / ساعة، بواقع (160) طناً / ساعة، لكل غلاية.
وبلغت قيمة العقد (31.162.730) دولار شاملة الضرائب والرسوم والعوائد الأخرى، وكان ما نسبته 81 % قيمة لقطع الغيار شاملاً التوصيل لمخازن المحطة (DPP) وباقي النسبة قيمة خدمات الصيانة والتركيب.

وكانت مدة تنفيذ الشركة للمشروع بهذا العقد ستة أشهر، تبدأ بعد 30 يوماً من تاريخ استلام المقاول للدفعة المقدمة عبر الاعتماد المستندي لدى البنك الأهلي بعدن
ولكن، ما الذي انطوى عليه تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بنتيجة فحصة للعقد رقم (3) لعام 2017م، الخاص بالمرحلة الأولى لمشروع أعادة تأهيل محطة الحسوة الحرارية؟

المختصون يغلبون مصلحة “بدسيرفس”
لم يقف الجهاز على كل الوثائق التي تجعله على يقين كامل في أن شركة “بدسيرفس” الأوكرانية ستدمر هذا المشروع بدلاً من النهوض به كما يجب.
ذلك أن المختصين في كل من وزارة الكهرباء والمؤسسة العامة للكهرباء عدن، فضلاً عن الوحدة التنفيذية للمشروع، قد حجبوا عنه وثائق هامة من أولويات المشروع تمكنه من قول ذلك.

يؤكد الجهاز أن أولئك المختصين انتهجوا سلسلة من الإجراءات قبل وأثناء تنفيذ العقد، على نحو غلبوا فيه مصلحة الشركة الأوكرانية على المصلحة العامة للبلاد.
لقد تم تنفيذ المشروع بالأمر المباشر مع عدم فتح المجال أمام الشركات العالمية المختصة للدخول في المناقشة على المشروع بالرغم من ضخامة كلفته كما تم إعفاء الشركة من تقديم ضمانات الأداء دونما اكتراث بمخاطر هذا الإعفاء الذي يقابله حرمان المؤسسة العامة لكهرباء عدن من الحصول على أي تعويضات أو تحصيل اي غرامات مستحقة على الشركة عند إخلالها بالتزاماتها التعاقدية.

وبعد شهرين من توقيع العقد الأساسي مع الشركة قام أولئك المختصون بتغيير عملة العقد من الدولار إلى اليورو، تحت مبرر أن البنك الأهلي لا يتعامل بالدولار، كما قاموا بتغيير طريقة السداد لقيمة العقد إلى الصرف بموجب المستخلصات وبناء على توجيهات شفوية من رئيس مجلس الوزراء ووزير الكهرباء والطاقة.
ثمة مذكرة موجهة من نائب وزير الكهرباء إلى نائب وزير المالية بنهاية عام 2018م هي التي تأكد من خلالها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة على قيام وزارة المالية بصرف (3.022.190) يورو دون خصم ما نسبته (45 %) من إجمالي المبالغ المسددة كضمان تنفيذي، وكان من النسبة الإجمالية للضمان 15 % ضمان تنفيذي من قيمة المشتريات و 15 % ضمان من قيمة الجودة، و15 % ضمان تنفيذي من قيمة العمل، فيما تبرر الشركة الأوكرانية عدم تمكنها من دفع الضمان التنفيذي المحدد بالعقد بعدم تعامل البنوك الأوروبية مع اليمن، كونها تقع تحت الفصل السابع لمجلس الأمن الدولي، وتقول الشركة إنها ستقوم بإصدار تلك الضمانات من بنك دبي، حيث يوجد لها حسابات هناك وتطالب بتوريد مستحقاتها إلى ذلك البنك، بالإضافة إلى الضمانات المرتبطة بقطع الغيار.

وكان الجهاز قد حصل على تأكيدات من البنك الأهلي اليمني على أن البنوك التي تتعامل معها شركة بدسيرفس الأوكرانية غير معروفة ولم يسبق للبنك التعامل معها أو هي بنوك وهمية.

استبدال التوربين رقم (5)
تم إعفاء الشركة بدسيرفس الأوكرانية المنفذة لمشروع تأهيل محطة الحسوة الحرارية من تحديد الشركة المصنعة لقطع الغيار مع اكتفاء المختصين في وزارة الكهرباء والمؤسسة العامة للكهرباء بتحديد أسماء الدول التي سيتم استيراد قطع الغيار منها (روسيا - أوكرانيا) ما يفتح أمام الشركة المنفذة اختيار قطع الغيار من المصانع التي تريد رغم اختلاف مواصفات قطع الغيار من مصنع لآخر.
ويشير تقرير الجهاز إلى قيام المختصين في الوزارة ولجنة تحليل العطاءات أقروا اعتماد أسعار قطع الغيار التي تمثل ما نسبته 81 % من إجمالي قيمة العقد دون الحصول على عروض أسعار من الشركات المصنعة.
كما يشير تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إلى أن الشركة الأوكرانية قامت باستبدال التوربين رقم (5) بتوربين آخر مستخدم من شركة أخرى مصنعة دونما إبرام عقد ملحق يخولها ذلك، ودونما اعتراض من المختصين.

في حين يقتصر العقد الأصلي على قيام الشركة بإعادة التأهيل للتوربينات والغلايات وليس استبدال توربين بآخر.
تقرير “الرقابة والمحاسبة” يؤكد أن المختصين في الوحدة التنفيذية للمشروع اعتمدوا عملية استبدال التوربين رقم (5) مع ان مثل تلك التوربينات قد تم إخراجها قبل سنوات من الخدمة في كل من أوكرانيا وروسيا، وذلك أن إنتاجية التوربين المستبدل تبدو منخفضة بنسبة لا تقل عن 32 % قياساً بالقدرة المحددة بموجب العقد بـ 25 % ميجاوات، الأمر الذي بينته التقارير اليومية والشهرية الصادرة عن المختصين بالمحطة، واعتمد عليها تقرير الجهاز.

وتحت مبرر تسهل أعمال الشركة وافق المختصون إياهم على سحب الشركة لكميات كبيرة من قطع الغيار الثابتة للمحطة بلغت قيمتها (378.014.803) ريال، مقابل ذلك يقول المختصون بأنهم ألزموا الشركة بإعادة ما تم سحبه من الكميات التي سيتم توريدها من قبلهم بالرغم من اختلاف مواصفات ومصادر قطع الغيار المستوردة من قبل الشركة عن قطع الغيار الأصلية التابعة للمحطة.

بدء صرف الدفع المالية للشركة الأوكرانية المنفذة لمشروع تأهيل محطة الحسوة في 2018/1/15م، يظهر هذا في محضر موقع بين المختصين وكبار مسؤولي الشركة، وهو المحضر الذي وقف عليه الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لتأكيد أن الشركة لم تقم بإنجاز كافة الأعمال التعاقدية حتى ذلك التاريخ.
حيال ذلك لم يقم المختصون بفرض أي غرامات على الشركة، بل اكتفوا برفع مذكرة لنائب وزير المالية بتاريخ 6/11/2018م عن الغرامات المستحقة على الشركة والبالغة (2.796.544) يورو مطالبين نائب الوزير مصادرة الضمان التنفيذي للشركة وهو الضمان الذي أكد تقرير الجهاز بأن الشركة لم تكن قد قدمته أصلا حتى ذلك التاريخ.

وكانت الشركة الأوكرانية قد استلمت ما نسبته 37 % من إجمالي قيمة العقد المبرم معها حين قدم المختصون في الوزارة والوحدة التنفيذية للمشروع تعهدات سداد (403.808.145) ريال لمصلحة الجمارك نيابة عنها، فضلا عن مبلغ (228.594) يورو مقابل ضريبة لتنفيذ خدمات.
وبالرغم من قيام المختصين بكل من الوزارة والوحدة التنفيذية للمشروع بتقديم كل هذه التنازلات والإفراط فيها لصالح الشركة بدسيرفس، يؤكد الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عدم تمكن الشركة من إنجاز كافة المهام المناطة بها في إعادة تأهيل التوربينات والغلايات، وكذا توريد قطع الغيار اللازمة لها لإعادة تأهيلها.

ويرى الجهاز أن الوثائق التي أتيح له الوصول إليها عن المشروع تؤكد في مجملها على عدم توفر الخبرات الكافية لدى الشركة الأوكرانية في تنفيذ المشروع، فضلا عن ضعف مركزها المالي.

لا جدوى من محطة الحسوة
يؤكد الجهاز أن مشروع إعادة تأهيل محطة الحسوة الحرارية، وبالرغم من ضخامة كلفة تنفيذه، تم بطريقة غير مدروسة، مشيراً في تقريره، الذي حصلت “الأيام” على نسخة منه، إلى ارتفاع كلفة إعادة تأهيل عدد 2 توربينات وتوابعها بالمقارنة مع كلفة إنشاء محطة جديدة وبنفس القدرة (50) ميجاوات، وبمواصفات تكنلوجية تعمل هي الأخرى بوقود المازوت.

يتعلق الأمر بانخفاض معدل الاستهلال الذي يمكن أن تحققه محطة ما حديثة، وبنسبة لا تقل عن %17، قياساً بالتوربينات التابعة لمحطة الحسوة، وبالتالي تحقيق وفر لا يقل عن (29.376.000) دولارا من الكلفة السنوية لإنتاج الكيلووات من الوقود وفقاً للأسعار العالمية فظلاً عن انخفاض معدل الاستهلاك الداخلي لمحطة حديثة بما لا يتجاوز 4 % من إجمالي الطاقة مقارنة بـ 17 % للتوربينات التابعة لمحطة الحسوة.

على أن الجدوى الاقتصادية الحقيقية تكمن في إنشاء محطة تعمل بوقود الغاز أو الفحم الحجري الذي تنخفض كلفته بنسبة لا تقل عن %30 مقارنة بوقود المازوت نفسه، فما بالك بالديزل وهي المحطات التي نسمع لها جعجعة في خطط الحكومة ولم نر لها أي إنارات في الواقع.
ومشاريع أخرى منها تشغيل المحطات القائمة القطرية والمحطات الجاري تنفيذها وتركيبها في عدن بقدرة (440) ميجاوات بوقود الغاز المنخفض الكلفة، يرى الجهاز أنه كان بالإمكان تنفيذها عوضاً عن تأهيل محطة الحسوة الحرارية على نحو يخفض الأعباء المالية بمتوسط لا يقل عن (142.560.000) وفقاً لفروقات أسعار الغاز مقارنة بالديزل والمازوت في السوق العالمية.

حتى وإن تم إعادة تأهيل محطة الحسوة على نحو ترتب عليه تحسن ملموس في إنتاجيتها وانخفاض بسيط في معدل استهلاكها للوقود، فإن تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لا يرى في ذلك جدوى اقتصادية بالنظر إلى ارتفاع معدلات استهلاكها للوقود مقارنة بكل المحطات التابعة للمؤسسة العامة لكهرباء عدن، فضلاً عن محطات شراء الطاقة، ذلك أن الخسائر المترتبة على استمرار تشغيل محطة الحسوة الحرارية لا تقل عن (21.470.455) دولاراً سنوياً

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى