المجلس الانتقالي الجنوبي وقرار إعلان الإدارة الذاتية

> د. صالح طاهر سعيد

> في عام 1990م فوجئ العالم بالإعلان الوحدوي المتسرع غير المدروس بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، إعلان ولدَ ميتا، لقد أنتج فوضى الأزمات والحروب بعد أن تحولت الوحدة المعلنة إلى احتلال عسكري شمالي صريح لدولة الجنوب إثر الاجتياح العسكري الشمالي للجنوب في حرب 1994 بين الطرفين الذي بنتيجته أعلن الجنوب فك الارتباط والعودة إلى وضع ما قبل مايو 1990م -وضع الدولتين- كانت تلك المحطة الأولى في مسيرة الشعب الجنوبي في اتجاه استعادة دولته الوطنية المستقلة بحدودها الدولية المعترف بها قبل مايو
1990.

وبرغم الهزيمة العسكرية التي ألحقت بالجنوب في حرب 1994م إلا أن إرادة شعب الجنوب وإصراره على استعادة وحدته الوطنية وسيادته على أرضه واستعادة قراره السيادي المستقل إرادة شامخة لم تهزم، فواصل كفاحه التحرري لنيل الاستقلال واستعادة دولة الجنوب المستقلة ماراً بمحطات التسامح والتصالح واستعادة الوحدة الوطنية وانطلاقة الحراك الشعبي الجنوبي السلمي الذي لعب دورا مهما في حشد الشعب وإعادة تشكيل وعيه لذاته الوطنية ووعي ثوابت الحق الوطني الجنوبي، فهيأ كل ذلك لامتلاك الإرادة والقوة والإصرار على تحقيق أهدافه الوطنية الكبرى المجتمعة كلها في هدف استعادة دولته المستقلة.

كل ذلك مثل السر الحقيقي للانتصار العظيم الذي حققه الجنوبيون في كسر الغزو الشمالي الثاني المدعوم إيرانيا في حرب 2015م وتحرير معظم أراضي الدولة الجنوبية.
إن فوضى الأزمات والصراعات والحروب التي أعقبت الإعلان الوحدوي بين الدولتين في مايو 1990م، أوصلت الجنوبيين إلى الإدراك واليقين أن الوحدة المعلنة بين الدولتين لم تكن سوى إعلان عن تفكيك الدولتين وإلغائها والدخول في فوضى ينتج عنها واقع وخارطة سياسية جديدة في جنوب الجزيرة العربية والبحر الأحمر لا هي الدولتين ولا الدولة الموحدة. ومنعا للوصول إلى ذلك نهض شعب الجنوب مطالبا استعادة دولته المستقلة بحدودها الدولية المعترف بها (هوية وأرض وسيادة وقرار سيادي مستقل).

لقد مثل الإعلان عن قيام المجلس الانتقالي الجنوبي إحدى أبرز وأهم محطات مسيرة شعب الجنوب صوب تحقيق هدفه الوطني السامي المتمثل في استعادة دولته الوطنية. مثل ذلك محطة الانتقال من مربع الثورة إلى مربع الدولة. وكان على المجلس بعد نيله شرعية التأييد الداخلي من قبل أغلبية قطاعات شعب الجنوب- كان عليه خوض المعركة الدبلوماسية لنيل شرعية الاعتراف الخارجي، الأمر الذي نراه يتحقق تدريجيا في مسار النشاط السياسي الجارحي للمجلس الذي بلغ ذروته في المحادثات التي خاضها المجلس مع حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي برعاية المملكة العربية السعودية والوصول إلى اتفاق الرياض وبحضور الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية وسفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

 حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي التي يسيطر عليها حزب الإصلاح الإخواني الذي يتحرك بإرادة تركية مثلهم مثل الحوثيين الذين يتحركون بإرادة إيرانية، ماطل في نقل اتفاق الرياض إلى حيز التنفيذ، مماطلة تصل حد الرفض للاتفاق، وتطور الأمر إلى قيام المليشيات الإخوانية الإرهابية التابعة للإخوان بتفجير الوضع عسكريا في محافظتي أبين وشبوة لإفشال اتفاق الرياض وفرض سيطرتهم على الجنوب. أمام كل ذلك اتخذ المجلس الانتقالي الجنوبي قراره المصيري في الإعلان عن قيام الإدارة الذاتية للجنوب بوصفها خطوة مهمة وضرورية تضع اللبنات الأولى لإعادة بناء المؤسسات العسكرية والأمنية والإدارية والاقتصادية والمالية لدولة الجنوب والدفاع عن مكتسبات الثورة الجنوبية والسير في طريق استكمال تحرير كامل التراب الوطني لدولة الجنوب، الأمر الذي لا يتعارض بل يتناغم تماما مع اتفاق الرياض.

مما عُرض يتبين أننا أمام ثلاث قوى متصارعة لها أبعاد محلية وإقليمية حيث يمثل الحوثيون الأداة الإيرانية في الصراع القائم في اليمن، فيما يمثل الإصلاح الإخوانجي الأداة التركية في هذا الصراع ويعبر المجلس الانتقالي الجنوبي عن الإرادة الوطنية لشعب الجنوب في الدفاع عن ثوابت الحق الوطني للجنوب التي تتناغم مع إرادة الأمة العربية في حماية الأمة والدفاع عن أمنها القومي.

إن واقع الأحداث ومعطيات الحرب التي تجري تبين حقيقة وجود تحالف بين الأداتين الإيرانية والتركية في مواجهة المشروع الوطني والقومي الذي يتبناه المجلس الانتقالي الجنوبي، مما يوحي بوجود تفاهم بين الأداتين الإيرانية والتركية على اقتسام النفوذ؛ الشمال لإيران وأداتها الحوثيين، والجنوب لتركيا وأداتها الإصلاح الإخوانجي.
كل ذلك يتناغم مع رغبة شمالية بتوظيف الأيديولوجيا المذهبية الشيعية والإخوانجية لتحقيق أطماع الشمال في استمرار السيطرة والهيمنة على الجنوب ومقدراته.

* أستاذ الفلسفة السياسية المساعد - جامعة عدن​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى