اتساع فجوة التنمية بين اليمن والعالم الخارجي

> محمد الميتمي

> نقصد هنا بفجوة التنمية تلك المسافة التي تفصلنا كبلد نامي عن البلدان المتقدمة معبرا عنها من خلال مؤشر متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي أو الناتج المحلي الإجمالي.
تشير دراسات التاريخ الاقتصادي للأمم إلى أن اليمن وكوريا الجنوبية وهايتي وإثيوبيا كانت جميعا على نفس المستوى من التطور الاقتصادي والاجتماعي بمعيار نصيب الفرد الواحد من الناتج القومي بحسابات ماديسون (حوالي 50 - 69 دولارا أمريكيا للفرد)؛ وخصائص الهيكل الاقتصادي: نصيب الزراعة والصناعة في الناتج القومي.

وظلت فجوة التنمية بين اليمن وكوريا الجنوبية صفرية حتى مطلع الستينات، إلا أن كوريا الجنوبية تحررت من كوابح التنمية وقيودها التي كانت تكبلها لتحقق إقلاعا تنمويا مذهلا قفز بها إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة في نحو نصف قرن من الزمن ليرتفع مع عندها نصيب الفرد من الناتج القومي إلى نحو  31.5 ألف دولار عام 2019. فيما ظلت اليمن مكبلة بقوى التخلف وقيوده المتعددة التي منعتها من الانطلاق نحو معارج التقدم والازدهار رغم مواردها الطبيعية المتنوعة ومواردها البشرية الشابة والنشطة وموقعها الجغرافي المتميز.

وفي المحصلة فقد اتسعت فجوة التنمية بين اليمن وكوريا الجنوبية من صفر تقريبا في منتصف الخمسينات وبداية الستينات إلى أكثر من 140 عاما لصالح كوريا عام 2014. أي أن هناك مسافة قدرها 140 عاما تفصلنا عن مستوى التقدم التي بلغته كوريا الجنوبية اليوم، وأننا نحتاج إلى قرن ونصف قرن من الزمن تقريبا لردم تلك الفجوة التنموية بيننا وبين كوريا الجنوبية التي تشكلت خلال سبعين عاما من التطور الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي والمعرفي بين البلدين حتى نهاية عام 2014، إذا داومنا على السير في طريق التنمية على النحو الذي سرنا عليه منذ قيام الثورة اليمنية عام 1962 في شمال البلاد و1963 في جنوبه، وافترضنا أن كوريا الجنوبية ستوقف عجلة التنمية لديها بانتظار اقترابنا منها.

ومن المحزن جدا القول لا تسير على هذا المنوال في بلدان الحبيب كما تمضي عليه معظم شعوب الأرض. فقوى الجهل والتخلف والردة والمصالح الأنانية الضيقة عادت باليمن القهقري.
إن الحرب الأهلية الهمجية التي تحدث في اليمن منذ 6 سنوات قد أوقفت عجلة الحياة والتطور في اليمن وضاعفت فجوة التنمية بين اليمن وكوريا الجنوبية بمعيار نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الى 192 عاما. أي أن سنوات الحرب الأهلية الراهنة قد كلفت اليمن 50 سنة إضافية لردم الفجوة التنموية بينها وبين كوريا الجنوبية كمثال لاتساع الفجوة والعودة باليمن إلى الوراء عقودا من الزمان بالمقارنة مع دولة صناعية مثل كوريا الجنوبية كنموذج.

لا يعني ذلك بالطبع رسم صورة من الكآبة المطلقة على فرص التنمية في اليمن واستحالة ردم فجوة التنمية بيننا وبين بقية دول العالم. فإذا ما حددنا موقعنا الراهن بدقة ووضوح في سلم التنمية العالمي وشرعنا على الفور في بحث عناصر التغيير ومقومات القوة والضعف التي لدينا أو ما يطلق عليه في "عالم البزنس" إستراتيجية تحديد المواقع فإننا قطعا قادرون على ردم هذه الفجوة التنموية واختزال المسافة إلى عقود قليلة من الزمن.

أول خطوة ملحة وضرورية في هذا الطريق هو وقف الحرب وبناء السلم المستدام والسلم الاجتماعي المتين. حينها يمكن حشد طاقتنا المادية والبشرية والمالية والثقافية والتاريخية لتحقيق نمو اقتصادي سريع لا يقل عن 9 % وخفض معدل النمو السكاني إلى 2 % مع الارتكاز على تعليم عصري حديث ونظام سياسي ديموقراطي عادل من شأن كل ذلك أن يمكننا من تقليص الفجوة الراهنة بيننا وبين كوريا الجنوبية على سبيل المثال إلى أقل من 55 عاما.. فهل بدأنا؟​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى