شبام والسيول.. نأكل مما نزرع

> علوي بن سميط

>
الأمطار والسيول في شبام نعمة وفرحة، وفرحة الأهالي تبدأ مع قطرات المطر ومجيء "قويقو" القادم من وادي سر مبشراً بسيل يروي الجروب المحيطة بالمدينة وحتى وصوله إلى "الموزع" الواقع غرب شبام الأقرب إلى خشامر والذي يصل بواسطة ساقية لري الأرض المحيطة بالمدينة، فالفرحة بالسيل تنبع من الرزق الذي وهبه الخالق لشبام وأهاليها وكانت الفرحة للجميع حتى لمن لا يمتلكون "جروب" أو لا يزرعون، فالخير المنتظر يتشارك فيه الجميع فهنا الفرحة وتكون أكثر عند تدفقه بعد حرمان من الغيث لسنوات، في زمن مضى ليس ببعيد.

يأتي السيل محملاً بكثير من البذور من الوديان القادم منها وبالطمي الذي يتراكم في الأرض المحيطة، مما يعطي للتربة خصوبة أكثر للزراعة فضلاً عن استخدام "طين جروب شبام" في البناء الطيني وبامتلاء الجروب وقبل جفافها يبدأ الناس ببذر البذور كالذرة والأصناف الزراعية الأخرى "الدجر" وغيرها، فيما تبذر أصناف على جدران الجرب "الأسوام" التي هي بمثابة سور طيني لكل جرب تمثل حدود القطعة على الأسوام، تبذر أنواع قد تبدو غريبة عند البعض وأقرب إلى الفاكهة، منها للخضار لاسيما القحازيز مفرده "قحزوز" و "الشرشر" مفرده "شرشرة"، وهناك الفقوز والكُبر والأخير أقرب لليقطين -الدباء- ولو أنه صغير وبلون غير اليقطين ومنه يستخرج "الحنظل الصغير" وتزرع أيضاً قرون الدجر والريطة وبعض الأحيان الحلبة وتتمدد هذه الأنواع في أشجار "الحسب" التي نراها على الأسوام، لا يمضي شهر أو يزيد قليلاً إلا وتخضر الجروب والأسوام المزروعة ويخضر سعف النخيل المروية بالسيول إيذاناً بالإنتاج من الغاسي والذي ينمو بمراحل إلى أن يصبح تمراً، وتتمايل أغصان الذرة وحتى حصادها فإن سيقانها يتم تجفيفها واستخدامها كعلف للحيوانات الأبقار والثيران والجمال والأغنام والحمير ويقدم للمساجد من هذه الثروة لإطعام الحيوانات المستخدمة في رفع المياه من آبار المساجد، كما تقدم عند إقامة صلاة الاستسقاء في شبام أكان حينذاك في "الفرش" التابع لآل باشن جنوب مقبرة شبام أو بالبطحاء مسيال شبام، أما أصحاب الجروب التي يزرعونها أو الشرحان -المخابرون- فهم ينتقلون من داخل المدينة إلى سقايفهم لمناظرة الزراعة طيلة الموسم وأول سبولة للطير مثل مطبق على الواقع، حيث يفرح أولئك المزارعون الموسميون بإعطائك من مزروعهم "اليهوش" إن كان براً ويقدمون لجيرانهم وأقاربهم من إنتاج الأرض المروية بالسيول، ولأن اخضرار محيط مدينة شبام يسر الناظر فإنه بيئة للترويح عن النفس ونزهة الأهالي بين السواقي التي تمتد أكثر من 7 كيلو كأفعى هادئة، فعصريات الأيام الكل يخرج للترويح كرياضة للمشي بين هذه الأراضي والبساتين الربانية وتظل الحال هكذا حتى يتم الجني لكل المزروعات وتعود الكرة مرة أخرى والفرحة بسيل جديد وخير وفير.

ونعود للقحازيز التي هي أكثر مذاق عجيب، إذ نحن صغار كثيراً ما نحاول اقتناص قحزوز من حسبه فتسمع صوت يزجرك "لا تدحق الحسب" انتظر سنعطيك واحداً أو أكثر لك ولأهلك ولعل القحزوز أحلى من البطيخ والشرشر وتذوق طعم ماء السيل أثناء قضمه للأكل، وسألت خبير زراعي من أبناء شبام وهو المهندس الزراعي فؤاد عبدالله عباد، فيما إذا كان "القحزوز" له اسم علمي أم أنه فاكهة تنفرد بها شبام وكل مناطق السيول ولمعرفة سر تلك الفاكهة قال مشكوراً: "القحزوز والبطيخ المعروف عندنا المروي بالسيول ليس له اسم علمي، لأنه ليس نوعاً أو صنفاً، وإنما هجين ناتج عن خلط وراثي بين الشمام والقاوون وهما نبتتان  منفصلتان تتبعان العائلة القرعية".

شكراً للمهندس وبالفعل فأنه ابتكار عبقري من أهل المدينة، أما الفقوز فهو يعتبر إداماً ووجبة تستخدم مع الخبز أو خبز وقرص الذرة ويستخدم كذلك الدجر مع الكرعان كوجبة شعبية وكل ما هو من محاصيل أو منتج من السيول فمذاقه غير.
وهنا تتضح فرحة السيول وقدومها إلى شبام، إذ يتهيأ أصحاب الجروب بتهذيب المساقي والسواقي مع نزول ورحمة السماء، ثم الخطوات الأخرى بقلوب مؤمنة تعتمر النفوس بحب الخير وإطعام الجميع مما جاء به السيل وهذه فرحة السيول في شبام التي أضحت اليوم وكأنها "ترف" وفرجة فيما نأكل منه وشتان ما بين الأمس واليوم، يهناكم الشرب دائماً.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى