كيف وصل الطيار السعودي للقاعدة الأميركية بنساكولا؟

> «الأيام» قناة الحرة:

>
لم تكشفه أنظمة فحص المتطرفين المطورة بعد هجمات 11 سبتمبر..
أول اتصالات الشمراني مع تنظيم القاعدة باليمن وما هي وصيته المرسلة؟

في محاولة للإجابة عن السؤال: كيف وصل الطيار السعودي المتطرف محمد الشمراني إلى القاعدة الأميركية في فلوريدا؟ أجرت صحيفة نيويورك تايمز مراجعة شاملة لأنظمة الفحص المتبعة في مثل هذه الحالات.
تقول الصحيفة إن أنظمة التدقيق الأميركية لكشف المتطرفين أخفقت في التعرف على الشمراني، الملازم السعودي الذي كان ضمن برنامج تدريبي رفيع المستوى في قاعدة بنساكولا في فلوريد، والذي تسبب في مقتل ثلاثة جنود أميركيين وأصاب ثمانية أشخاص أخرين.

ما حصل كان صافرة إنذار للمسؤولين الأميركيين الذين اعترفوا بوجود مشكلات حقيقية وخطيرة في أنظمة فحص ورصد المتطرفين من بين المتدربين العسكريين الدوليين، وتعهدوا بإصلاحها.
وتكشف المراجعة التي أجرتها نيويورك تايمز وجود ثغرات أكبر بكثير مما كان معروفا في السابق في كيفية اختيار الطلاب العسكريين الدوليين وفحصهم ومراقبتهم في الولايات المتحدة.

وتقول إن أنظمة مكافحة الإرهاب المتطورة التي تم تطويرها بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، فشلت في التعرف على المتطرفين المحتملين.
وبعد البحث في سجلات ومقابلات مع 20 شخصا من المسؤولين الحاليين والسابقين وحتى أصدقاء وأقارب الشمراني، وجدت الصحيفة أن الشمراني استطاع تجاوز جميع مراحل التدقيق والفحص سواء في بلده السعودية أو حتى في الولايات المتحدة رغم أن بعض المؤشرات كانت كافية لكشفه.
ثغرات في أنظمة التدقيق الأمني للطلاب العسكريين المتدربين في الولايات المتحدة
ثغرات في أنظمة التدقيق الأمني للطلاب العسكريين المتدربين في الولايات المتحدة

وحددت الصحيفة مكامن الخلل التي مكنت الشمراني من الوصول للقاعدة في أربع نقاط أساسية:
أجهزة الأمن السعودية فشلت في كشف المؤشرات الأولية للتعرف على تطرف الشمراني، والتي كانت ظاهرة بتتبع نشاطه على الإنترنت، والتي ربما كانت قد تحرمه من دخول الجيش السعودي بالأصل، وتمنعه من الحصول على تصريح لبرنامج التدريب الأميركي.

النظام الذي تديره وزارة الخارجية والبنتاجون أثبت فشله في تحديد نمط يربط ما بين الشمراني والتطرف، إذ يعتمد هذا النظام على بيانات استخباراتية أميركية إضافة إلى بيانات عامة.
بعد حوادث إطلاق نار في قاعدة فورت هود في تكساس عام 2009 وقاعدة واشنطن البحرية عام 2013 طور البنتاجون برنامجا خاصة لمعرفة التهديدات بمتابعة تحركات البعض منهم، إلا أنه لم يشمل نحو 5000 طالب عسكري دولي يتدربون في القواعد الأميركية، وحصر بالتهديدات الداخلية فقط.

الشمراني كان على اتصال بتنظيم القعدة قبل عامين من قدومه للولايات المتحدة، وتواصل معهم حتى في الليلة التي سبقت تنفيذ إطلاق النار.

المتطرف المستقل
مارتين ريردون، اختصاصي مكافحة الإرهاب وهو متقاعد من "أف بي آي"، وعمل في السفارة الأميركية بالرياض قال لنيويورك تايمز إن الفشل في رصد المتطرفين يعني وجود حاجة لمزيد من الموارد لفحص المتدربين الأجانب، وفق نظام تديره وزارة الدفاع (البنتاجون).
خبير في الاستخبارات الأميركية قال إن الشمراني شكل حالة من الصعب اكتشافها لأنه يمثل نوعا جديدا من الإرهابيين المستقلين، فهو لم يكن موجها بشكل خاص من القاعدة ولم تتأثر أيدولوجيته بالفكر الإرهابي عبر الإنترنت، ولكنه كان مستقل بذاته يوجهه نفسه بنفسه.

كولين كلارك، باحث في مركز سوفان في نيويورك قال إن المتطرف المستقل قد يصبح النهج الأكثر شيوعا لأنه يسمح بمرونة تكتيكية لتنفيذ خطته ويمنحها ميزة أعلى للنجاح بها.
فشلت السعودية والولايات المتحدة في رصد التطرف عند الملازم الشمراني
فشلت السعودية والولايات المتحدة في رصد التطرف عند الملازم الشمراني

فشل التدقيق الأول
الشمراني الذي كان يتدرب على الطيران، ولد في منطقة زراعية جنوب السعودية، وترعرع في منطقة الإحساء وهي ليست بعيدة عن مجمع أرامكو السعودي النفطي، ووالده كان يعمل في المطار المحلي هناك، وأصبح مسؤولا أمنيا فيه.
أصدقاء الملازم السعودي يتذكرونه بأنه كان أكثر جدية وخطورة من أقرانه وعائلته متدنية ولكنها غير متشددة، وفق محقق سابق في السعودية جالات بن متشوش.

نشاط الشمراني على تويتر بدأه في 2012 عندما كان عمره 14 عاما، والذي كان ينشر فيه مقاطع من الشعر والقرآن، ولكن بعد أكثر من ثلاث سنوات بدأ في متابعة شخصيات دينية وصفتها الحكومة السعودية بأنهم متشددون مثل عبد العزيز الطريفي وإبراهيم السكران، وكلاهما سعوديان سجنا في 2016، إضافة لمتابعته رجال دين من الكويت والأردن، وفق تقرير سعودي.

في 2015 أجرى أول اتصالاته مع نشطاء تنظيم القاعدة والتي تتخذ من اليمن مقرا لها، وهذا ما كشفته أجهزة الخلوي التي كان يمتلكها الشمراني والتي استطاع المحققون الأميركيون الوصول لها بعدما تمكنوا من فتح أجهزة "أيفون" التي يمتلكها.
الشمراني تحرك نحو هدفه من خلال توجهه للطيران، حيث حصل على قبول للانضمام إلى القوات الجوية السعودية في أكاديمية الملك فيصل الجوية، فيما قال شقيقه عبدالله في تصريحات صحفية بأن محمد كان يحلم بأن يصبح طيارا منذ أن كان صغيرا.

نشاطه على الإنترنت لم يحرمه من الانضمام للجيش السعودي، وبحلول 2017 كان قد تم اختياره كأحد اثنين من الطلاب لخوض برنامج تدريبي في الولايات المتحدة، وبهذا فإن من المفترض بالقوات السعودية أن تقوم بفحصه أمنيا والموافقة عليه بعد التدقيق للتنسيب به في برنامج للتدريب في دولة أجنبية.

التدقيق الثاني يفشل أيضا
في صيف 2017 أصبح طلب الشمراني للتدريب في الولايات المتحدة موجودا في القسم القنصلي بالسفارة الأميركية بالرياض حيث طُلب منحه تأشيرة دخول لأميركا.
عندما أدخلت معلوماته في أنظمة القنصلية والتي من بينها قاعدة بيانات أنشئت بعد أحداث سبتمبر 2011، لم تظهر أي إشارات تمنع منح التأشيرة، ولكن في حينها لم يتم التحقق من نشاطه عبر الإنترنت، ولم يثير طلبه أية إشارات تدعو للتدقيق معمقا في حياته.

التأشيرة التي كانت قد طلبت له دبلوماسية، وهي جزء من برنامج تدريبي للنخبة والذي يترافق مع صفقات أسلحة بمليارات الدولارات تشتريها السعودية من الولايات المتحدة، حيث منح في وقتها تأشيرة (A - 2) الدبلوماسية والتي تسمح له بالدخول والتنقل ما بين المملكة وأميركا بسهولة.
البنتاجون وقبل وصول الشمراني بأسبوعين تلقى طلبه وبعد فحص سريع تم منحه الموافقات اللازمة، ليهبط في أغسطس 2017 في قاعدة لاكلاند الجوية في سان أنطونيو بتكساس حيث بدأ التدريب اللغوي.

بعد ذلك بشهرين، كان المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان قد أرسل تحذيرا إلى وزارة الخارجية والبنتاجون والأمن الداخلي، بأن بعض عمليات الفرز والتدقيق للمتدربين من الجيوش الدولية قد تخلق نقاط ضعف محتملة في الأمن القومي.

نقاط ضعف وسد الفجوات
رغم أن الشمراني كان يستخدم هاتفا محمولا متصلا بشبكات أميركية إلا أنه استطاع البقاء على اتصال بقادة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ولكن اتصالاته ظلت غير مكتشفة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول نظام المراقبة الرقمي الذي يفترض به إطلاق إنذار من هذا الأمر.
وقبل انتقاله للتدريب في قاعدة بنساكولا في فبراير 2019 كان قد سافر في إجازة إلى السعودية، وفي يوليو حصل على رخصة صيد وقام بشراء مسدس غلوك.

وفي 11 سبتمبر 2019 نشر الشمراني في رسالة مشفرة قال فيها "بدأ العد التنازلي"، ووجد المحققون أنه كتب وصيته على جهازه الخلوي وأرسل نسخة منها لتنظيم القاعدة في اليمن.
وفي الـ 5 من ديسمبر شاهد الشمراني مقاطع مصورة لإطلاق نار جماعي، فيما كان المتدربون السعوديون يتناولون العشاء، وفي صباح اليوم التالي غرد على توتير واصفا الولايات المتحدة بـ "أمة الشر"، وثم حمل مسدسه ودخل مبنى التدريب وبدأ في إطلاق النار.

وبعد أيام من إطلاق النار أوقف وزير الدفاع مارك إسبر عمليات التدريب لـ 852 طالبا عسكريا سعوديا في الولايات المتحدة، وحصر تدريبهم على محاضرات دراسية فقط، وإجراء مراجعة فورية لسياسات فحص الطلاب الأجانب ومنع وصولهم للقواعد العسكرية.
وفي يناير أعلن النائب العام وليام بار، بأن الشمراني تصرف بشكل مستقل، ولكن تم طرد 21 طالبا سعوديا آخرين وجد المحققون بعد التدقيق في خلفياتهم بأن العديد منهم على صلة بمنظمات متطرفة.

وبعد فترة أمر إسبر بتغيير قواعد الفحص والتدقيق لخلفيات الطلاب الأجانب لتشمل حساباتهم ونشاطهم عبر الإنترنت ووضعهم تحت المراقبة المستمرة أثناء إقامتهم في الولايات المتحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى