ضغوط متزايدة على الحكومة الإثيوبية لإنقاذ عاملات عالقات في لبنان

> اديس ابابا «الأيام» أ ف ب

> خلال نحو ثلاث سنوات قضتها في لبنان حيث عملت في الخدمة المنزلية، تمكنت برتقان ميكوانينت بالكاد من التواصل مع عائلتها. ولدى عودتها الأسبوع الماضي إلى أديس أبابا بشكل مفاجئ لم يصدّق والدها عينيه.

بتأثّر، يصف أبيي يفرو مشاعره لدى رؤيته ابنته التي سافرت إلى لبنان في العام 2017 تترجل من سيارة أجرة قبالة المنزل. ويقول لوكالة فرانس برس "تأثرنا للغاية جميعنا عندما جاءت لرؤيتنا"، مضيفاً "لم أتمكّن من حبس دموعي، وزوجتي بكت أكثر".

لكن الفرحة باحتضان ابنتهما لم تدم طويلاً، بعدما روت لهما تجربتها في خدمة عائلة من ثمانية أفراد في لبنان، حيث ظروف العمل السيئة وعدم دفع مستحقات العاملات باتت ظاهرة شائعة.

وانضم والد برتقان اليوم إلى عداد الإثيوبيين الذين يناشدون حكومة بلادهم إعادة الآلاف من العاملات في الخدمة المنزلية والعالقات في لبنان الذي يشهد انهياراً اقتصادياً متسارعاً منذ العام الماضي، يُعدّ الأسوأ منذ عقود.

ويقول أبيي "الوضع صعب للغاية هناك وبالطبع يجب إعادتهن إلى منازلهن".

ويعيش في لبنان نحو 250 ألفاً من عمال الخدمة المنزلية، غالبيتهم العظمى من النساء اللواتي يحملن تصاريح عمل ويتحدر القسم الأكبر منهنّ من إثيوبيا.

ولا يشمل قانون العمل عاملات المنازل المهاجرات اللواتي يخضعن لنظام كفالة تندد به منظمات حقوقية وناشطين، يربط إقامتهنّ القانونية بعلاقة تعاقدية مع أرباب العمل، ما يمنحهم سيطرة شبه كاملة على حياة العاملات.

ووضعت محنة العاملات في الخدمة المنزلية تحت الضوء مجدداً خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع وصول العشرات منهن إلى أمام القنصلية الإثيوبية بعد طردهن من أرباب العمل وغالبيتهن من دون جوازات سفرهن أو مستحقاتهن.

وتعمل هؤلاء في ظل ظروف صعبة، ولا يُسمح لهن بالخروج أو الحصول على يوم راحة. كما وثقت منظمات حقوقية وناشطين تعرضهن لعنف جسدي وجنسي أحياناً.

وتعتبر الناشطة بانشي يمير إحدى مؤسسات منظمة "إنيا لينيا" غير الحكومية التي أنشأتها عاملات مهاجرات في لبنان، أن ما زاد الوضع سوءا هو غضّ السلطات الإثيوبية نظرها عن الانتهاكات.

وتضيف "أستطيع القول إنهم لا يفعلون شيئاً لم تقدم الحكومة الإثيوبية على أي خطوة".

أول فرصة للهروب

على غرار كثيرات من الشابات الإثيوبيات، اعتقدت برتقان أن ذهابها للعمل في بيروت سيشكّل وسيلة سهلة لجمع المال وتحسين ظروف عيش عائلتها، بناء على ما سمعته من الوسطاء الذين وعدوها بترتيب سفرها وتأمين سكنها ومصروفها بالإضافة الى راتب قدره نحو مئتي دولار.

إلا أنه بعد وصولها، أدركت أنّ الوسطاء سيحتفظون براتب أول شهرين بعدما قطعوا التواصل معها، فيما رفض رب عملها اللبناني دفع بدل أتعابها.

وبموجب نظام الكفالة القائم في لبنان، لا يحقّ للعاملة فسخ عقد العمل من دون موافقة مشغّلها، ما يعني أنها وجدت نفسها بين ليلة وضحاها محاصرة حتى انتهاء مدة العقد.

تروي الشابة تفاصيل ساعات العمل الطويلة في مسح الأرضيات وكي الملابس وتنظيف الحمامات، بينما كانت تحصي أيامها على ورقة خبأتها تحت فراشها.

وتقول وقد أغرورقت عيناها بالدموع "لم أر اشخاصا آخرين. حتى لو حاولت التحدث عبر الهاتف، كانوا ليمنعونني"، موضحة أنّها استغلت أول فرصة للهرب بعدما نسي أحد أفراد العائلة مفتاحه في المنزل.

وتمكنت برتقان من حجز مقعد للعودة إلى بلدها في رحلة نظمتها الحكومة الإثيوبية الشهر الماضي.

وحتى اليوم، تمكّنت 650 عاملة من العودة إلى إثيوبيا عبر هذه الرحلات المنظمة. لكن برتقان تريد من حكومتها بذل جهود إضافية في وقت يشهد لبنان انهيارا اقتصاديا فاقمته تدابير الاغلاق العام مع تفشي فيروس كورونا المستجد.

وتشرح "أعتقد أنه على الحكومة أن تعيد جميع النساء من هناك إنهن ينمن تحت الجسور. وليس لديهن ما يكفي من الطعام".

ولم يتسن لفرانس برس الحصول على تعليق من وزارة الخارجية الإثيوبية والقنصلية الإثيوبية في بيروت رغم طلبات متكررة.

"تقاعس" رسمي

رغم قصص المعاناة، لا تتردّد إثيوبيات أخريات في التعبير عن سعادتهن بالعمل في لبنان، على غرار ألماز جيزاهينغ (32 عاماً) التي سافرت إلى بيروت العام 2008 للعمل لدى عائلة مؤلفة من أربعة أفراد.

وبعدما وجدت ظروف العمل مرهقة بدل أتعابها قليل، انتقلت للعمل في صالون تجميل، حيث نالت راتباً شهرياً بقيمة 400 دولار مقابل تنظيفه. وتمكنت على مدى سنوات من إرسال نصف راتبها إلى عائلتها التي انتقلت من منزل مستأجر في أديس أبابا إلى منزل خاص في مدينة تقع على بعد ثلاثين كيلومتراً شمال العاصمة.

وتقول ألماز "لا أندم على الذهاب إلى لبنان على الأقل غيّرت حياة عائلتي حتى لو لم أفعل الكثير لنفسي".

ومع بدء الانهيار الاقتصادي في لبنان وشح ّالدولار، خسرت ألماز وظيفتها واستنفدت مدخراتها قبل أن تتمكن من العودة على متن رحلة اجلاء الشهر الحالي.

وتوضح "أعتقد أنّ المستقبل سيكون صعبا للغاية في لبنان. أنصح الشابات الإثيوبيات بالبقاء هنا وإنشاء عمل خاص بهن بدلاً من الذهاب الى هناك".

وتدعو الحكومة بدورها إلى التدخّل لمساعدة العاملات اليائسات العالقات.

وتقول "معظم ربات عملهن يقمن برميهن في الشارع وقبل أن يحدث أي أمر أسوأ، سيكون من الجيّد على الحكومة أن تعيد جميع فتياتنا من لبنان".

وتؤيدها بانشي في هذا المطلب، بالنظر إلى حجم التقارير الواردة الى منظمتها عن عاملات مكتبئات يشربن المبيضات أو يحاولن القفز من الشرفات.

وتوضح "تقاعس الحكومة الإثيوبية يقود عاملات المنازل إلى الاكتئاب"، مؤكدة أنّ "جميعهن يرغبن بالعودة الى بلدهن. لا أحد يريد البقاء في لبنان".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى