مصر وإثيوبيا وسد النهضة.. هل ستبدأ حروب الماء؟

>
"عليكم أن تقصفوا سد النهضة الآن"، بهذه النصيحة كتب الكسندر خرامتشيخين، في مجلة "كوريير العسكرية الروسية"، موجها بها إلى الحكومة المصرية، أما صحيفة القدس العربي فاعتبرت تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي "نحن مسؤولون عن أمن مواطنينا" بأنها صرخة حرب، وفي تصريحات أخرى قال "إنها مسألة حياة" ولم يكمل الجملة المشهورة "حياة أو موت" برغبة واضحة لعدم التصعيد مع أديس أبابا، أما وزير خارجية إثيوبيا فاستخدم الجملة الشهيرة لرئيسة وزراء بريطانيا تريزا مآي ابان البريكست "deal ore no deal" اتفاق أو لا اتفاق سوف نقوم بتعبئة السد، وهذا تصريح حرب علني.

وبعد عشر سنوات من التفاوض تعيش القارة السمراء لحظة فارقة في تاريخ علاقاتها الداخلية، فبعد فشل الولايات المتحدة في وضع اتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا، تدخل الاتحاد الأفريقي للوساطة ورحبت كل الأطراف بذلك وحددت فترة أسبوعيين للوصول إلى اتفاق، وبعد عشر أيام من التفاوض تبدو أن الفجوة الخلافية بين القاهرة وأديس أبابا تزداد توسعاً، بحسب تصريحات الجانبيين، برغم التفاؤل الذي يبديه الجانب السوداني من المفاوضات، إلا أن وزير الري المصري صرح ليلة قبل أمس بأن الجانب الإثيوبي ما زال يصر على ترحيل المشاكل، واعتبر الجانب الإثيوبي بأن مصر تريد أن تؤكد الحق التاريخي في ماء النيل والذي ليس له سند قانوني، وبرغم وجود مراقبين من واشنطن ومن صندوق النقد الدولي لتضييق فجوة الخلاف إلا أن الأمور تراوح مكانها مع اقتراب موعد بدء ملء السد الذي حدده الجانب الإثيوبي..

يبقى التساؤل هل مصر وإثيوبيا سوف يذهبان إلى الحرب؟
إن أكثر المتفائلين للوصل إلى اتفاق، في ضل المؤشرات الحالية سيقول لك نعم، فمصر بلد مائة مليون نسمة سوف تجد نفسها في حال تعبئة السد عطشى وليس لديها ما يشرب شعبها، وفي هذه الحالة فعليه أن يتوجه إلى ثلاجة الرئيس عبدالفتاح السيسي "بحسب تصريحات مسؤول إثيوبي" ، لكن الحكومة المصرية لن تسمح بذلك وسوف تقوم بعمل عسكري لا محالة، فالأمن القومي المائي المصري يقوم على ركيزة أن تبقى مياه النيل بحصتها كاملة، وأي تهديد لهذا المصدر سوف يواجه بالعمل العسكري الحاسم، وتعتبر مناورات "حسم 2020" التي أجرتها القوات المسلحة المصرية يوم أمس رسالة إلى الجانب الإثيوبي، أما إثيوبيا فتعتبر سد النهضة حجر النرد الذي سيقلب إثيوبيا تماما من بليد فقير ومنقسم إلى بلد مزدهر ومستقر، وهذا ما تراهن عليه القيادة السياسية لاثيوبيا، بل تعتبر هذا السد بأنه ليس نهضة إثيوبيا فقط بل كل القارة السمراء، وبتالي عملية تأخير ملء السد حتى لساعة واحدة عن التوقيت المحدد هو ضرب من العدم ومع تكلفة وصلت إلى 4 مليارات ونصف دولار أمريكي لبناء السد.

السودان المدخل إلى اتفاق
بعكس الجانبيين المصري والإثيوبي تبقى السودان الطرف الأكثر قربا إلى تسوية، فالسودان تريد أن تبدأ إثيوبيا بملء السد لأنها سوف تحصل على كهرباء بتكلفة رخيصة، وتريد من مصر أن ترفض أي تعبئة لسد بدون اتفاق ملزم لكي لا تنخفض حصتها المقدرة 18 مليار متر مكعب من مياه النيل، لكنها لا تريد أن تشتعل حرب لأن الأراضي السودانية سوف تكون حلبة هذا الصراع، ولهذا تعمل السودان من أجل الوصول إلى نقاط تفاهم مع الجميع، بالرغم أن الجانب المصري وصف موقفها بالخذلان، لكن الخرطوم تعمل بشكل متسارع مع الأطراف الأفريقية والدولية لكي ينتهي هذا الصداع في قارة ممتلئة بالحروب والمجاعة والفقر.

القانون الدولي ماذا يقول؟
تعتبر الخلافات حول المياه هي أزمة حديثة الوجود والظهور حول الساحة الدولية، ولقد لجأت مصر إلى مجلس الأمن الدولي لشكوى إثيوبيا قبل أسبوعين استنادًا إلى الفقرة رقم 35 من الفصل السادس "في حال شعور أحد أعضاء الأمم المتحدة بأن هناك عملا يقوض الأمن والسلم العالميين فعليه إشعار مجلس الأمن الدولي بذلك"، وبعد مناقشة وتداور الأمر في مجلس الأمن أوصى في نهاية الجلسة بالتوزيع العادل للمياه، لكن الأمم المتحدة أنجزت الاتفاقية المسماة "اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية في الأغراض غير الملاحية" وأقرته عام 1997م ودخل حيز التنفيذ عام 2014م، إلا أن الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا لم توقع أو توافق عليه، وبتالي يعتبر غير قابل للتطبيق في حالة سد النهضة، لكنه يقوم على مبدأ التوزيع العادل للمياه وعدم الحاق الضرر، وهذا ما تعتبره إثيوبيا في حالة مياه النيل حيث إنها لا تستفيد حتى بلتر ماء واحد، فمصر حصتها 55 مليار متر مكعب، والسودان 18 مليار متر مكعب، من 75 مليار متر مكعب يتدفق في النيل، وتعتبر كل الاتفاقيات التاريخية ليست عادلة ولا تقبل بها، وأعتقد أنه ليس هناك استطاعة لحل الخلاف في حالة الرجوع إلى المجتمع الدولي، والمدخل الوحيد لحل هذه الأزمة هو التنازل المتساوي من جميع الأطراف، والذي يحفظ حقوق الجميع ولا يتسبب الضرر لأي طرف، فمصر والسودان تريد الماء لكي تشرب وتزرع، وإثيوبيا تريد الماء لكي تولد الكهرباء، وهناك مساحة واسعه لتحقيق مصالح الجميع في حالة توفر الرغبة في للوصول إلى اتفاق بعيدا عن أصوات الرصاص والطائرات، والذي في حالة حدوثه لن يستفيد أحد، وبين الإصرار الإثيوبي والصبر المصري ستنفرج الأزمة باعتقادي ويتم التوصل إلى اتفاق عادل، ولو حدث عكس ذلك فإن قرن جديد من حروب الماء ستبدأ، وتنتهي حروب النفط الذي ضربت العالم خلال القرن الماضي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى