"الوحدة أو الموت".. النخب السياسية اليمنية وضياع البوصلة

> قاسم عبدالرب العفيف

>
انحدرت مفاهيم سياسية كثيرة ووصلت إلى الحضيض بعد أن فقدت النخب السياسية اليمنية بوصلتها وانساقت وراء مصالحها الأنانية الضيقة، واستقرت في قعر الهاوية لتتخذ مكانها، وتلهث خلف السلطة لتستجدي قوتها اليومي وتسترزق بعد أن خلعت عباءة النضال الوطني ورمته بعيدا، خوفا على ذاتها والبحث عن ملاذ آمن لها ولكنها ظلت ترفع شعارات براقة وخداعة لتوهم جماهيرها ومريديها بأنها على العهد سائرة، وتوظفهم كالقطيع في التمسك في السلطة الظالمة المتجبرة، وهي تعرف أن ذلك العمل الخطير يتعارض مع تطور التاريخ وحتمية زوال الظلم والاستبداد ولو بعد حين، وهذه سنة الله في الحياة.

من عجائب الزمن بأن تلك النخب جميعها استسلمت للأمر الواقع المسيطر على الوضع السياسي في صنعاء، وخاصة عندما تاهت في الطريق ولَم تستطع أن تحدد مسارها بعقلانية وصبر بسبب جشعها ونهمها للسيطرة على السلطة وممارسة سياسة الإقصاء ضد خصومها السياسيين حتى إنها لم تستطع أن تقبل ذاتها وتركت الأبواب مشرعة لدخول لاعب غاب عن الملعب عقودا طويلة اختطف من بين أيديها سلطتها ليستعيد سلطة آبائه وأجداده بعد عجزها حتى بالتفكير بالدفاع عن مصالحها المهولة التي اكتسبتها عبر تربعها للسلطة عقودا سابقة، وأصبحت بلا مأوى ولا مرعى تائهة تبحث عن أي مكان تجد فيه بقعة لتحط رحالها فيها ولَم تجد غير الجنوب والوحدة والأمجاد الغابرة لتلحن سيمفونية الموت لتوهم أتباعها بأن المجد المفقود في صنعاء سيجدونه في عدن والجنوب، وتركت صنعاء للضيف الجديد يسرح ويمرح في ربوعها دون أن تنطق ببنت شفه.

من المدهش كل النخب صغيرها وكبيرها، مثقفوها وجهلتها، شيوخها وقبائلها، أغنياؤها وفقراؤها، تعزف سمفونية واحدة؛ سمفونية (الوحدة أو الموت) والجنوب أولا، وإن أي تحرير لصنعاء ومران يمر عبر عدن وصحاري حضرموت وشبوة وجزر سقطرى وعبدالكوري، ومن هناك تجهز الأساطيل والقوات المدججة بأسلحتها من آبار البترول والغاز وسفن الأسماك الضخمة التي تجوب خليج عدن والمحيط الهندي وفي الجرف القاري الاقتصادي، ويكتمل ذلك بحراسة المدن الجنوبية بالقوات التابعة لها وعندما يكتمل ذلك الحشد يمكن بعد ذلك التفكير باستعادة صنعاء ولا مانع من استخدام أموال وأسلحة التحالف وتكون تحت تصرفها  وتضيف آلية أموال وأسلحة دول أخرى مثل قطر وتركيا، وهذا ليس إلا من أجل تحصين النفس لكي لا يفكر أحد بخذلانهم وتكون البدائل لديهم جاهزة وتحت الطلب، وهذا هو ديدن النخب الشمالية في نظرتها للحرب والمعركة الفاصلة التي يخوضوها ضد الانفصاليين أولا وثانياً، وبعدين يأتي الوقت للتفكير في خوض معركة استرداد صنعاء عندما يحين الأوان.

هذه النخب لا تخجل إذ تجاهر بهكذا خطط وتطلب من الجميع، التحالف أو مجلس الأمن، أن يدعمهم لكي يستعيدوا (الوحدة أو الموت) أولا، وبعد ذلك يستمرون لمساعدتهم في استرداد صنعاء، وإن لم فإنهم يعتبرون متآمرين خونة يريدون تقسيم اليمن واستعماره، ولديهم أجندات أخرى غير التي هي في رؤوسهم، هذا ما نلاحظه عندما نشاهد نعيقهم في القنوات الفضائية أو مواقع التواصل الاجتماعي أو تصريحاتهم الرسمية، ولَم يكن لديهم أدنى تفكير بأن في الجنوب شعبا مظلوما محتلا من قبلهم عندما كانوا حكام صنعاء لعقود، وأن الوحدة التي يتحدثون عنها قد ماتت وشبعت موتا بعد غزو الجنوب عسكريا واحتلاله بشكل كامل، وبعد أن فرضوا أجنداتهم على حساب شعب الجنوب الذي وجد نفسه في العراء وخارج الحساب، عانى الظلم والاضطهاد والإقصاء وقام بثورة سلمية أذهلت بصمودها وتحديها للآلة الحربية الشمالية والعالم أجمع، وبعد ذلك قاومت غزو عام 2015 ببسالة وحررت الجنوب بل ذهبت لتحرير أراضي الشمال في صعدة والضالع الشمالية وحتى وصلت إلى وسط الحديدة ومنعت الشرعية من تحريرها، لغرض في نفسها، وقدمت قوافل من الشهداء منذ العام 90 حتى اليوم ما يقارب 52 ألف شهيد وضعفهم جرحى كل ذلك كان من أجل استعادة كرامة الجنوب حراً أبياً.

يدهشنا نحن في الجنوب، وأعتقد أن ذلك سيدهش الإقليم والعالم، عندما نسمع تلك النخب وهي تجاهر بأن الحرب على الجنوب واجب ومقدس من أجل عدم ضياع ثروات الجنوب من النفط والمعادن الأخرى، وكأن ثروات الجنوب أصبحت أملاكا شخصية بعد أن توزعت بعد حرب 94م بين أقطاب تحالف الحكم في صنعاء ومن أجلها يتم تجييش الجيوش وإخلاء مواقعها في الجبهات ضد الحوثي وتسليمه المعسكرات بالسلاح والعتاد والتوجه جنوبا حيث الثروة ومع حشد فلول القاعدة وأنصار الشريعة والدواعش، لإخضاع شعب الجنوب والسيطرة عليه كاملة وبعدها يتم الحديث عن من سلبهم دولتهم في صنعاء والتفكير بتروي لإعادتها عبر التفاوض الأخوي، حسب تصريحاتهم المتكررة.

للمرة الألف نقول بأن الجنوب اتخذ قراره بأن لا يسمح لأحد باستعادة السيطرة على أرضه ونهب ثرواته  ولديه الاستعداد للدفاع عن ترابه الوطني، وإذا كان هناك مصالح لأحد في الإقليم والعالم في الجنوب لابد أن يمر عبر البوابة الجنوبية وغير ذلك لن يكون.
وكلمة أخيرة نقول حتى الآن المجلس الانتقالي يعلن صراحة بأنه ملتزم مع التحالف العربي والشرعية بالتوجه شمالاً من خلال حشد كل القوات المتواجدة في المهرة وحضرموت وشبوة وشقرة حاليا، ولديه الاستعداد للمساعدة في ذلك ولكن مع منح الجنوب حقه في إدارة ذاته مرحليا حتى انتهاء معركة تحرير صنعاء وبعدها لكل حادث حديث، فإذا كان هناك من عقلاء موجودين من النخب اليمنية ما عليهم إلا أن يلتقطوا هذا العرض السخي وتصحيح البوصلة باتجاه صنعاء.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى