آبار الصبر السعودية في اليمن.. هل ستنفد ؟

> تقف المملكة العربية السعودية في مستنقع اليمن وهي تردد أغنية الفنان الكبير أيوب طارش "صابر صبر أيوب"، فبين خصوم وحلفاء المملكة اليمنيين الذين -حتى الآن- يبدو أنها استطاعت عليهم صبراً، تُراوِح الحرب في عامها السادس دون أن يبدو في الأفق السياسي القريب بوادر للحل، فحركة "أنصار الله" الحوثية دأبت خلال عامين على توجيه الضربات الصاروخية، بالستية حيناً وطائرات مسيرة حيناً آخر على مواقع حساسة داخل المملكة: محطات توليد الكهرباء، مطارات، مبانٍ حكومية، وأكثرها ضررا آبار النفط السعودية، دون أن تبدي المملكة أي ردة فعل تجاه الحوثيين. أما حلفاء السعودية المتمثلون في الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح، فقد دأبت المملكة على الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، وأمسكت العصا من المنتصف، بالرغم من الإحراج السياسي أمام المجتمع الدولي الذي سببته حرب الحلفاء في الجنوب، لكن يبدو أن المملكة قبل الدخول في هذا المستنقع حفرت عشرات الألاف من آبار الصبر على الحدود اليمنية.

السعودية والحوثيين.. الصبر جميل
مع كل هجمة حوثية على المملكة، ترد المملكة بمعرض صور لهذه الهجمات، صور الصواريخ البالستية، صور طائرات مسيرة، صور أضرار للمباني، وتعقد مؤتمرا صحفيا، ولم يبقَ إلا أن يلتقط عادل الجبير صورة "سلفي" مع أحد هذه الصواريخ. ولردة فعله الهادئة؛ تصور قناة الجزيرة الرياض عاجزة عن الرد على هجمات الحوثيين، بل إنها تروج أخبارا عن غياب الرؤية السعودية في الحرب اليمنية، وأن المملكة تعرّض مواطنيها للخطر، لكن الرياض توقن أن المستنقع اليمني الذي غرق فيه المصريون والأتراك سابقاً، لا يجدي معه إلا التعامل بصبر جميل؛ فاليمن بلد لم يعرف الاستقرار منذ قرون، والثابت الوحيد فيه هو عدم الثبات، وسرعة التلون في الولاءات والانتماءات، فالقبائل الراديكالية في الشمال تتغير في وجهتها ككلمة مرور هاتف، ولهذا تتعامل السعودية وفق استراتيجية التوغل بين أوساط القبائل؛ لشراء الولاءات، لإحداث تغيير على الأرض، رغم تخوفها بعدم وجود البديل العسكري والسياسي في الشمال في حالة هزيمة الحوثيين، وهو أكثر الأسباب التي أدت إلى إطالة الحرب، فالأطراف الشمالية المناوئة للحوثيين تغيب عنهم الرؤية الصادقة في الحرب، وكذلك ضبابية الولاء للسعودية، ولهذا تتعامل السعودية وفق استراتيجية الضرر المعلوم أقل ضرراً من الضرر المجهول، وتمارس المملكة سياستها في  محاولة إحداث شرخ في الحركة الحوثية نفسها، وتمارس عليها الضغط الاقتصادي الذي يتعرض له أكثر حلفاء الحوثيين في المنطقة وهي إيران، وإن انهيار النظام الإيراني، فسينهار الحوثيون، ولذلك، سيزيد عامل الزمن الضغط على الحركة الحوثية في الداخل الشمالي، ويدفع بها إلى البحث عن تسوية سياسية لا مفر منها.

حرب الجنوب والسعودية.. الصبر مفتاح الفرج
المجلس الانتقالي الجنوبي أحد أكثر حلفاء المملكة ثقة في المنطقة، دخل في حرب مع الحكومة المعترف بها دوليا، التي خذلت المملكة في حربها مع الحوثيين حسب كثير من المراقبين، والتي لم تستطع أن تحدث تغييرا على الأرض لمصلحتها، بل إنها فقدت كثيرا من الأراضي لمصلحة الحوثيين، الذين يقفون الآن على أعتاب مدينة مأرب، نتيجة لإرسال قواتها لتحارب المجلس الانتقالي جنوبا، فوجد الحوثيون الطريق مفروشاً بالغنائم والأسلحة الثقيلة. وأمام هذا الفشل، تتعامل الرياض معهم بكل برود أعصاب، بالرغم من خرقهم لاتفاقية الرياض لأكثر من مرة، وارتباطهم بأنقرة والدوحة علنا.

لكن آبار الصبر تجاه الإخوان المسلمين بدأت تنفد فعلاً، فقامت الإمارات التي نفد صبرها، بعكس السعودية، بقصف قوات الحكومة في أغسطس الماضي، دون أن تبدي الرياض أي امتعاض لذلك، وما سقوط  سقطرى بيد الانتقالي إلا برهان على ذلك، لكن المملكة لا تريد أن تصنع من الإخوان أعداء لها الآن؛ ولهذا شرعت اتفاقية الرياض ليقاسمها الانتقالي السلطة، وهذا برهان أخر. أما المجلس الانتقالي الجنوبي، فتواصل المملكة دعمها له؛ لكي يكون الرادع للحركة الحوثية مستقبلا، إن قررت السعودية مغادرة اليمن، لكن السعودية وقفت حائرة أمام رغبات الانتقالي بالعودة إلى قبل ٩٠م ، على الرغم من عدم معارضة الرياض لذلك، لكنها ترى أن الوقت غير مناسب بعد، لهذا تلعب السعودية على عامل الزمن أيضا جنوباً، فتقوية الانتقالي يجب أن يكون عسكريا واقتصاديا، ليكون عامل ردع مناسب وقوي، وبنفس الوقت سوف تستريح المملكة من هذا الدوار الذي يهدد أمنها جنوباً.

تتعدد في اليمن الأطراف السياسية والعسكرية، ولكل طرف أهداف ورغبات مختلفة، وهذا نتاج لـ٣٠ سنة من الفشل والحروب، وأمام كل هذه الأطراف تقف السعودية موقف الصابر المحتسب، لعل انفراج المشهد سيكون قريباً، ولعل أيران تنهار، ولعل الأرض تنشق فتبتلع اليمن، وأمام كل هذه التعليلات، تربط السعودية جأش صبرها في حرب اندلعت في لحظة تحول اجتماعي واقتصادي وسياسي داخل المملكة، وبين الحزم والصبر، سيجد اليمنيون أنهم من يدفع تكلفة هذه الحرب، التي بدأت دون سبب، ولن تنتهي إلا بسبب.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى