ليبيا بين التدخل التركي والوعيد المصري.. ماذا يقول القانون الدولي؟

>
مبدأ عدم التدخل هو مبدأ حديث العهد في المواثيق الوطنية والدولية، وكانت أول إشارة إليه في دستور الجمهورية الفرنسية الأولى بعد اقتحام سجن الباستيل وقيام الثورة الفرنسية، لكن الجمهورية الفرنسية الوليدة من الثورة قامت بالتدخلات الكثيرة والكبيرة في شؤون الدول الأوروبية، بل إن نابليون وصل إلى مصر، لكن في حقيقة الأمر كان وجوده في الدستور مهما ورسّخ قاعدة متينة للبناء القانوني للاستقلال السيادي للدول، وأعطى البنية الفقهية والقانونية في مبدأ الاستقلال المتساوي الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في 1945م.

ووفق ميثاق الأمم المتحدة الفصل الأول المادة رقم 2 بجميع فقراتها نصت على أن "مبدأ الأمم المتحدة قائم على المساواة في السيادة بين جميع أعضائها"، كما نصت الفقرة رقم 7 من نفس الفصل "ليس في هذا الميثاق ما يصوغ لأعضاء الأمم المتحدة أو للأمم المتحدة نفسها أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما"، كما أن القانون الدولي الإنساني (الإنسان في وضع الحرب) والقانوني الدولي لحقوق الإنسان (الإنسان في وضع السلم) تنص وبما لا يدع مجالا للشك أو لإيجاد ثغرة ما بأن الدول المصادقة على ميثاق الأمم المتحدة وتلك الدول غير المصادقة عليه هي دول ذات استقلالية متساوية ولا يحق لأي دولة أن تتدخل في شؤون دولة أخرى سواء تدخلا عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا، أو بأي شكل من أشكال التدخل المباشر أو غير المباشر.

لكن متى يسمح للتدخل الدولي وفق القانون الدولي؟
نضم ميثاق الأمم المتحدة بالتدخل الدولي في الفصل السابع من الميثاق ومن الفقرة رقم 39 إلى الفقرة رقم 51.. ونصت الفقرة رقم 39 "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به، أو كان ما قد وقع عمل من أعمال العدوان"، ويقصد به المبررات التي تستدعي تدخل مجلس الأمن، من تهديد حياة المواطنين، أو تقويض النظام العام، أو السلم المحلي أو الدولي، أو إثارة النزاعات العرقية أو الجهوية التي تستدعي تدخلا دوليا لإيقافها.

ونص في الفقرتين 42 و43 على الآتي "لمجلس الأمن اتخاذ التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته"، ويقصد بها قطع العلاقات الدبلوماسية والاتصالات البرية البحرية والجوية والاقتصادية، ثم نص "على مجلس الأمن في حالة لم تكن التدابير السابقة كافية أجاز له استخدام القمع القوات الجوية والبحرية والبرية".
وفي ليبيا تتسابق كل دول النفوذ في العالم بإيجاد موقع لها على الخارطة الغنية بالنفط والثروات، ودخلت الأطراف المحلية بعد سقوط القذافي في احتراب دامٍ ومتواصل، وبرغم قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدعو إلى وقف إطلاق النار، وبرغم جميع المؤتمرات حول ليبيا ابتداء من اتفاق الصخيرات إلى إعلان القاهرة، لم تتوقف أصوات البنادق في البلد الذي يملأ النفط باطنه.

فحكومة الوفاق الليبية التي توافقت عليها جميع الأطراف في اتفاق الصخيرات، تتلقى دعماً تركياً وأمريكياً ومن حلف الناتو، وتتلقى دعما إقليميا أقل منه دولياً، هذا في الغرب.. أما في الشرق فالبرلمان المنتخب واللواء حفتر فيتلقون دعما روسيا وفرنسيا ومصريا وإماراتيا، وتتلقى دعما إقليميا أكبر منه دوليا.
حكومة الوفاق تلقت السلاح والمقاتلين من تركيا، وذلك عن طريق اتفاقية وقعت في نهاية العام السابق، لكن هذه الاتفاقية نواقصها القانونية كثيرة، فحكومة الوفاق لا تفرض سيطرتها على كل الأراضي في ليبيا، كما أن هذه الاتفاقية لا تبرر التدخل التركي في ليبيا، لأن مجلس الأمن قد أصدر قرارات سابقة بعدم تسليح الأطراف المتقاتلة في ليبيا، وبذلك لا يشرع هذا الاتفاقية، كما أن السلاح المصري والروسي في الشرق ليست له مبررات قانونية أو أخلاقية، وقرارات مجلس الأمن الدولي واضحة في هذا السياق وغير قابلة لتأويل آخر.

وفي الشهر السابق صرح السيسي بأن سرت خط أحمر، وبأن مصر أصبحت لها الشرعية الدولية للتدخل الدولي، وذلك عن طريق البرلمان الليبي في طبرق، إن اللاعبين الدوليين يريدون ليبيا تحكمها أطراف متعددة وكل طرف يكون محتاجا إلى الدعم، وبالتالي استطاعت هذه الأطراف استغلال خيرات ليبيا بما فيهم تركيا ومصر.
وبين اتفاقية حكومة الوفاق مع تركيا، وطلب البرلمان الليبي للجيش المصري للتدخل لا توجد أي شرعية قانونية دولية، ولا توجد أي مبررات أخلاقية أو جيوسياسية لذلك، وقرارات مجلس الأمن الدولي رقم (1970) و(2510) ينص بعدم تسليح الأطراف المتقاتلة في ليبيا، ويؤكد على أن الحل في ليبيا عن طريق الحوار السياسي وليس العسكري، وقانون الإنسان الدولي (الإنسان وقت الحرب) لا يوجد ما ينص فيه لتبرير التدخلات المختلفة في ليبيا، وكل الادعاءات التركية أو المصرية (لم تتدخل عسكريا إلى الآن) هي باطلة ومنافية للقانون الدولي بكل أطره.

يبقى السؤال كيف ستكون النهاية في ليبيا؟ لا أملك الإجابة على هذا السؤال، لكن الحرب سوف تكون طويلة ومكلفة جداً، بسبب النفط والغاز ومناجم الذهب، التي يسيل لعاب اللاعبين الدوليين للسيطرة عليها.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى