تهربوا من مطالب المعلم ليتهموه بتعطيل التعليم

>
سيختلف معي كثيرون وقد يتجرأ البعض منهم كعادته ويتقول في حقي كمعلم بما لا يليق بمسلم، مستغلا المساحة الحرة للتعبير عن الرأي بشكل خاطئ، فلم يعد ينضبط لقيم أو لثوابت، وأسقط من قاموسه مهابة المعلم واحترامه، وأساء إليه بألفاظه وانتقاداته، وافترس البعض لحم المعلم ونهش فيه بفضاضة وغلظة بلا مقام ولا احترام، لمجرد أن المعلم استخدم مصطلحات الاحتجاجات مثله مثل بقية موظفي الدولة كالقضاة والأطباء والعمال في المرافق الخدماتية الذين يحتجون فيستجاب لهم، وخرج من عمله في المدرسة مثلهم يطالب بحقوقه المادية والمعنوية المتراكمة لدى الحكومات المتعاقبة يحتج ويهتف (يا معلم علّي الصوت يكفي جوع يكفي موت)، ويقصد بالموت هنا موت الأمل بتحسين الوضع المعيشي والطموح والأحلام بالمستقبل الأفضل.

انتفض المجتمع بكل فئاته ومكوناته في وجه المعلم، وخاضت المنابر والأقلام والتصريحات والتعبير الحر في عرض المعلم، متهمة إياه حينا بالمعرقل السياسي، وأحيانا أخرى بالمتطرف الغوغائي، وبعضهم هدد بطرده من الخدمة واستبداله بالخريجين الشباب العاطلين عن العمل، وبعضهم سعى بسبب إضراب المعلم لتغطية نقص المعلمين ببرنامج النقد مقابل العمل، فاشترك الجميع بمطلب واحد يدافع عن حق الأبناء بالتعليم فقط، وفتح المدارس وعودة الطلاب للمدرسة، ويطالب بعودة التعليم إلى وضعه الطبيعي، ولكن بالنظر إلى طرفي العملية التعليمية وهما حق المعلم وحق الطالب فلا استقرار بتمكين حق أحدهما على حساب الآخر، فلا يقبل أن يمنح المعلم حقوقه ثم يقلل من أهمية البذل والعطاء الوظيفي لحق الطالب، كما لا يليق الضغط على المعلم وإجباره على التخلي عن احتجاجه والعودة صفر اليدين إلى المدرسة ليعلم الطلاب دون أن يلبى له مطلب واحد من مطالبه المشروعة.. فكيف سيغرس مفاهيم الانتصار للحقوق والدفاع عنها وهو أول من انكسر أمام المطالبة بحقوقه؟! فأي تقدير زائف لمكانة المعلم؟!

تحركت وستتحرك المبادرات والفعاليات واللقاءات والمشاورات للنظر في وضع التعليم وأزمة إغلاق المدارس وتعطيل العملية التعليمية، فكلها صبت في كفة واحدة من الميزان وكلها بحثت عن حل ومعالجة لعودة الطلاب للمدارس، لكن الغريب في ذلك والظالم في منطلقه وحكمه هو التجاهل التام للكفة الأخرى من الميزان، وهي مظلومية المعلم ولجوؤه للاحتجاج والإضراب الدائم وللمرة الرابعة على التوالي، ولم يفكر الجهد المدني والنشاط الاجتماعي بلقاء رمزي مع المعلمين ونقابتهم والاستماع لهمومهم ومشاكلهم والبحث معهم عن إمكانية الحل، بل تعمد البعض تهميشهم نتيجة مواقفه السابقة تجاههم كمتهمين، متناسين مظلومية المعلم، فإهمال الحكومة لحقوقه وتنصلها عن التزاماتها وتجاهل التوجيهات العليا بتنفيذ صرف مستحقاته بحسب الاتفاق مع النقابة، وظلم اجتماعي وقرار مجتمعي مائل الكتف لم يجد ما يجلده سوى ظهر المعلم المنحني قهرا من ثقل المعيشة وصعوبتها، ومتهربين من واجبهم تجاه الإهمال والتقصير الحكومي الذي أدى إلى تدهور وضع المعلم المعيشي بمتتالية هندسية يزداد الفارق فيها بشكل أكبر ومتسارع.

إن العملية التعليمية بحاجة ماسة إلى عمل مشترك وجهد وطني ومجتمعي ينطلق من نقطة البداية، وهي حقوق المعلمين، وإهمال الحكومات وتنصلها لالتزاماتها القانونية والإنسانية تجاههم والضغط عليها لتنفيذ ما أقرته في توجيهاتها العليا الصادرة للوزارات المعنية، ثم الضغط بعد ذلك على نقابة المعلمين بالقبول بالحد الأدنى والممكن مؤقتا في ظل الظروف الاقتصادية الحرجة والمعقدة التي تمر بها البلاد، وعلى النقابة في الجانب الآخر أداء دورها الوطني في توجيه المعلمين بالعودة للمدارس واستقبال الطلاب والبدئ بالعملية التعليمية، وبالمقابل على المجتمع بكل فئاته ومكوناته واجب العمل ومتابعة بقية مطالب المعلمين الهادفة إلى تحسين مستواهم المعيشي والتأمين الصحي لهم ولأسرهم ولتوفير الاستقرار المعيشي للمعلم مثل السياسيين والدبلوماسيين والقادة العسكريين الكبار وموظفي الشركات من ذوي الدخل المرتفع، وهذا سيساهم في توفير بيئة تعليمية أفضل ومستوى أداء متميز يرتقي بالتعليم إلى العلا والنهضة والتقدم.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى