المديرية المنسيّة.. جيشان قرى مقطعة الأوصال ومديرها صحتها بلا مكتب وتربيتها دون معلمين

> استطلاع/ محمد الحنشي

> جيشان أو كما يسميها أبناء محافظة أبين بالمديرية "المنسية" هي مديرية ذات تضاريس جبلية وعرة تربط محافظة أبين مع محافظتي البيضاء وشبوة، وينشط سكانها في الزراعة والاهتمام بتربية الثروة الحيوانية.
الوصول إلى جيشان يحتاج الكثير من الصبر والمعاناة، فالمديرية تقع في سلسلة جبال الكور وجميع الطرق التي تربط المديرية بالمناطق الأخرى وعرة لا يتم الوصول إليها إلا عن طريق سيارات الدفع الرباعي.

جيشان التي لم يزرها مسؤول محلي منذ عقود، وتعاني الإهمال وانعدام أبسط الخدمات ولا يهتم بحالها أحد، ولتوصيل معاناة سكانها تنشر صحيفة «الأيام» هذا الاستطلاع عن حالها.

وعورة الطريق
أول ما يتحدث عنه أبناء مديرية جيشان حول معاناتهم هي وعورة الطريق إلى المديرية وتضاريسها الصعبة والمعاناة من هذه الطرق التي تربط المديرية بالمناطق الأخرى، والطريق هو شريان الحياة لأي منطقة وبواسطته تصل المواد الغذائية والصحية والمياه وغيرها من الضروريات.
تربط جيشان بالمناطق الأخرى خمس طرق هامة هي طريق حيب مودية وطريق دمان لودر وطريق حطيب شبوة وطريق خورة شبوة وطريق البيضاء، وجميعها طرق وعرة تمر وسط الجبال والأودية.

تسببت الطرق الوعرة في وفيات عديدة نتيجة التأخير في نقل المرضى وخصوصاً الحالات الحرجة إلى المستشفيات في المناطق الأخرى خاصة في ظل ضعف الجانب الصحي في المديرية.
كما تسببت هذه الطرق في زيادة تكاليف الحياة على المواطنين في المديرية، فبُعد المسافة والطرق الوعرة جلع المواد الغذائية ومستلزمات الحياة تتضاعف قيمتها المالية.

ودعا أبناء المديرية الحكومة ووزارة الأشغال والمنظمات إلى النظر نحو مديريتهم بعين الاعتبار، ورفع معاناتهم من الطرق التي تسببت بنزوح الكثير من أبناء المديرية إلى خارجها.

الزراعة
تشتهر مديرية جيشان بالزارعة، ويهتم الكثير من أبنائها بالجانب الزراعي كأهم مصادر دخل لهم ولتسيير حياتهم، وقد لا تجدهم في الأعمال الخاصة واليومية في المحافظات الأخرى، كذلك ليس لهم نصيب بصورة كبيرة في السلك العسكري والأمني.
ويعتمد أبناء المديرية على الزراعة وتربية المواشي كأهم مصادر حياتهم، وجيشان مديرية خصبة تزرع الكثير من الخضروات والفواكه والحبوب.

من أهم من منتجات جيشان الزراعية الطماطم والبسابس والبصل والبن والتفاح، كما أنها أرض خصبة للمحاصيل الزراعية كالبر والدخن والذرة والشعير والسمسم.
وتعد جيشان من الأراضي المتميزة زراعياً ومنتجاتها ذات جودة عالية، لكن بعدها عن الأسواق العامة ووعورة طرقها كان إحدى مشاكل الزراعة فيها.

توجد في المديرية أودية كبيرة وقد هطلت أمطار غزيرة في السنوات الماضية، لكن نتيجة عدم وجود السدود والحواجز لم تتم الاستفادة من تلك الأمطار، وتعرض الكثير من الأراضي منها للتجريف جراء السيول التي شهدتها المنطقة.
مزارعو جيشان ناشدوا مكتب الزراعة في المحافظة دعمهم والاهتمام بهم، وتوفير أبسط أوجه الدعم الزراعي من حبوب وأسمدة ومبيدات ومنظومة طاقة شمسية ووسائل ري حديثة لهم للاستفادة من الأراضي الخصبة.

القطاع الصحي
القطاع الصحي في المديرية مع أهميته للمواطن أكثر من أي قطاع آخر في ظل انتشار الأمراض والأوبئة، إلا أنه هو الآخر يعاني من الإهمال ويفتقر لأبسط أوجه الدعم.
د. مبارك عمش
د. مبارك عمش
يقول مدير مكتب الصحة في مديرية جيشان د. مبارك عمش في تصريح لـ«الأيام»: إن المكتب في المديرية يقوم بجهود جبارة رغم شحة الإمكانيات، ولكنه غر كافٍ ولا يلبي احتياجات المواطنين.

وتابع عمش أن مكتب صحة جيشان لا يقدم المطلوب منه للمواطنين بسبب عدة معوقات، ومن أبرزها بُعد المسافة للمديرية، ونقص الكادر الصحي والأدوية والمستلزمات الطبية، وعدم وجود منظمات تدعم القطاع الصحي للنهوض به، مشيراً إلى أنه لم يصمت على ذلك وسبق أن طالب كثيراً، لكن وضع البلد الحالي جعل الجهات المختصة لا تلبي مطالبهم.

وقال عمش: "إن المديرية منسية وهو كمدير لمكتب الصحة لا يملك مكتباً خاصاً به، ويقوم بمزاولة عمله من منزله ولديه موظفون لا يتجاوزون (23) موظفاً وهو عدد قليل وغير كافٍ لتغطية مرفق واحد، كما أنه لا يملك نفقات تشغيلية والمخصصات غير كافية للمتابعة والتنقل والسكن"، مبيناً أن مخصصه لا يتجاوز تسعة وعشرين ألفاً ريال وهو غير كافٍ للمواصلات فقط.

وأشار مدير مكتب الصحة في المديرية إلى أن المرافق الصحية في المديرية لا تؤدي عملها بالشكل المطلوب، وذلك نتيجة نقص الكادر والأدوية والمستلزمات، معبراً عن أمله في مدير مكتب الصحة بالمحافظة د. جمال امذيب في انتشال وضع المديرية الصحي الحالي، ودعم مكتب المديرية بالمستلزمات والأدوية وتوفير الكادر المناسب.
وبين عمش أن سبق تقديم استقالته منذ سبعة أشهر نتيجة المعاناة والوضع والمأساوي الذي سبب له احراجات مع المواطنين والخريجين الذين بدون وظائف، لكن مدير عام المديرية رفض الاستقالة.

التربية.. نقص المعلمين والكتب
يقول مدير مكتب التربية في المديرية عوض محمد لشرف لـ«الأيام»: إن التربية في المديرية تعاني من نقص كبير في المعلمين.
وقال في تصريحه للصحيفة: إن المديرية بحاجة إلى معلمين، والموجود قليل جداً نسبةً للمدارس المتواجدة، كما أن

التوظيف متوقف منذ 2012، وهذا صعّب عملية التعليم في المديرية، إضافة إلى نقص حاد في بعض التخصصات الهامة في المديرية.
ودعا لشرف مكتب التربية في المحافظة والمنظمات الدولية إلى دعم مشروع تعليم الفتاة في المديرية.

وأشار لشرف في تصريحه لـ«الأيام» إلى أن هناك نقصاً حاداً في الكتب المدرسية لعدد من المواد لا تتوفر لدى المكتب منذ خمس سنوات.
وبين أن المديرية بحاجة إلى ترميم المدارس وبناء أخرى في مناطق عدة من المديرية، ويضطر الطلاب فيها إلى قطع مسافات طويلة للوصل إلى المدارس في مناطق أخرى.

عوض لشرف
عوض لشرف
وقال لشرف: إن ترميم مدرسة "العمت" توقف منذ عام 2013 حتى اليوم، مناشداً استكمال ترميمها لتعود وتستقبل الطلاب وتخفف من الازدحام الحاصل في المدارس الأخرى.
وعبر مدير مكتب التربية في جيشان عن أسفه لتوقف التعليم، مؤكداً أن توقف التعليم هي كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، وأيضاً يجب صرف حقوق المعلمين والاستجابة لهم، فهم أكثر الفئات مظلومية، بحسب قوله.

وناشد لشرف المنظمات الدولية الاهتمام بالمديرية التي تعاني من نقص في المعلمين والكتب، وتضاريسها متغيرة عن المديريات الأخرى، معبراً عن أمله في دعم التعليم في المديرية، والتعاقد مع المعلمين الخريجين من أبنائها لسد هذا النقص الكبير.
ويقول لـ«الأيام» الصحفي ابن مديرية جيشان صالح العرولي: إن في ظل غياب الدولة تنهار البنية التحتية للبلاد، وتتعثر المشاريع الاستثمارية والتنموية في جميع أقطار الوطن، فلن تستطيع أي سلطة أن تنفذ مشروعاً مهما قلت تكلفته وتترك جيوبها خاوية.

صالح العرولي
صالح العرولي
وأشار العرولي في تصريحه إلى قيام أبناء جيشان بإصلاح بعض الطرقات على نفقاتهم الخاصة، وذلك يعتبر إنجازاً فعلياً للمواطن، فلماذا لا تقوم أي سلطة بإصلاح ولو بضع أمتار على نفقتها؟.
ودعا العرولي أبناء جيشان إلى الحفاظ على النسيج الاجتماعي، وعدم الانجرار خلف المناكفات السياسية والحزبية التي أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار، والتمسك بكلام العقل والمنطق خصوصاً في ظل غياب النظام والقانون.

كما ناشد العرولي مسؤولي المنظمات الدولية والمحلية في المحافظة إعادة النظر فيما تحتاجه جيشان ومجتمعها من مشاريع تنموية من شأنها أن تساهم في القضاء على الفقر والبطالة، مؤكداً على ضرورة الاهتمام ببناء خزانات المياه والسدود، إضافة إلى إصلاح الأراضي الزراعية التي ستعود بالنفع على الوطن والمواطنين جميعاً.
كما طالب الصحفي العرولي الصندوق الاجتماعي للتنمية، والسلطة المحلية بالتدخل العاجل في القطاعين الصحي والتربوي، وإيجاد حلول للنقص الحاد في الكادر الطبي والتعليمي، وتوفير المستلزمات الطبية الضرورية لمكافحة الأمراض والأوبئة التي انتشرت في جميع أنحاء العالم.

متفرقات
أمنياً تعد جيشان واحدة من أفضل المناطق الأبينية، فقوات الحزام الأمني لاتزال تنتشر في المديرية منذ ثلاثة أعوام، وتقوم بعملها الأمني على أحسن حال.
لم تشهد جيشان اختلالات أمنية ولا عمليات إرهابية وهي آمنة مستقرة، وذلك يرجع إلى طابعها القبلي المتماسك، وشعبها المسالم المتعاون مع الأجهزة الأمنية.

وحول المشتقات النفطية في المديرية يقول مواطنون: إن المحطة الحكومية الوحيدة في المديرية متوقفة منذ سنوات دون معرفة الأسباب، فيما يباع الوقود بأسعار أعلى من المناطق الأخرى بنسبة 25 %، وذلك بسبب بُعد المسافة ووعورة الطرق.
رياضياً تعد جيشان واحدة من المناطق التي يهتم أبناؤها بالأنشطة الرياضية وإقامة البطولات بين الفرق الشعبية، وتشهد تنافساً كبيراً بين الفرق، وتشهد البطولات إقبالاً كبيراً من قِبل الجماهير العاشقة لكرة القدم.

يعرف عن أهالي جيشان كرمهم وترحيبهم بالضيوف وحسن أخلاقهم أمام كل من يزور مديريتهم، ولا يغادرهم أحد إلا وقد تعرف عليه الجميع والابتسامة لا تفارق محياهم.
لا تتوفر كهرباء في مديرية جيشان، وسبق أن قدموا مناشدات عديدة للسلطات المحلية المتعاقبة في المحافظة لتوفير الكهرباء للمديرية أو ربطها بكهرباء مديرية لودر، وتحصلوا على وعود ذهبت لاحقاً أدراج الرياح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى