الحرب اليمنية مصدر إزعاج للحيوانات البرية المهددة بالانقراض

> تقرير/ جمال شنيتر:

> ساهمت الحرب الدائرة باليمن في تهديد الحياة الفطرية في البلاد، من خلال تكاثر الصيد الجائر للحيوانات البرية المهددة بالانقراض، حتى تكاد تكون ظاهرة منتشرة في عدد من مناطق اليمن، بعد أن رصدت جهات حكومية وأهلية تفاقم حوادث اصطياد وقتل الحيوانات البرية، وفي مقدمتها النمور والفهود والغزلان والوعول في أكثر من منطقة.

تطوع من أجل الطبيعة
منذ ثلاث سنوات يكافح المتطوع علي البعسي للحفاظ على الحياة الفطرية في جنوب اليمن، لا سيما بعد تكاثر الصيد العشوائي للحيوانات البرية فيها، وهو يتابع عن كثب أي أعمال تخلّ بالحياة الفطرية.
ووفقاً للبعسي الذي تحدث لـ"اندبندنت عربية" فإن عدة محافظات يمنية لديها ثروة فطرية لا تقدر بثمن، ومن ضمنها المحافظة التي يسكن فيها، وهي "شبوة" التي تتميز بالحياة البرية الجميلة بوجود عدد من الحيوانات المهددة بالانقراض كالوعول والنمور والذئاب العربية، وغيرها، في توازن بيئي رائع، ولهذا الوجود امتداده وجذوره التاريخية، فالوعول مثلاً كانت لها مكانتها الخاصة عند اليمني القديم، وهناك كثير من الرسومات التاريخية القديمة لهذا الحيوان، وبذلك نستطيع أن نقول إن حياة شبوة البرية جزء أصيل من هويتها.

عن تجربته التطوعية يقول "نشاطي يتمحور في جانب توعية المجتمع الذي يعاني ضعفاً في الوعي بأهمية الحفاظ على الثروة الفطرية والطبيعية، ومن هذا المنطلق عملنا على توعية المجتمع من خلال عقد بعض الدورات والورش التثقيفية، وجلسات مع بعض المواطنين في المناطق التي تحدث فيها أعمال صيد الحيوانات، ومنها على سبيل المثال مديرية الروضة، حيث يوجد حيوان الوعل المهدد بالانقراض، وناقشنا ذلك مع المجتمع في لقاء موسع بحضور السلطة المحلية في المديرية وممثل عن الإدارة العامة لحماية البيئة، واتفق الجميع على ضرورة مكافحة الصيد الجائر للحيوانات المهددة بالانقراض، وضرورة التوعية في هذا الجانب، كما لنا تجربة رائعة أخرى تظهر الوجه الإيجابي في مجتمعنا حدثت تحديداً في منطقة (يشبم بمديرية الصعيد) عندما قام أحد البدو بالإمساك بحيوان (وشق) صغير بعد أن قام بقتل أم ذلك الحيوان بحجة قتلهم عدد من أغنامه، فذهبنا إلى هذا البدوي لإقناعه بإطلاق سراح الوشق الصغير فرفض، وبينما نحن كذلك بادر أحد المواطنين ليعطينا صورة رائعة للوجه الإيجابي داخل المجتمع، حيث تبرع المواطن من باب الرفق بالحيوان، ومن أجل الحفاظ على الحياة البرية، بشراء حيوان الوشق من الرجل البدوي بسعر باهظ طلبه، وبالفعل تم تسلمه، وبينما كان المواطن الذي اشترى يقوم بعلاج حيوان الوشق من أثر التعذيب الذي تعرض له، إلا أن الحيوان نفق".

ما قاله البعسي نموذج لجهود مجتمعية بدأت تتبلور في مناطق يمنية عدة للحفاظ على الحياة الفطرية المهددة، لكن ما يأمله وأمثاله من المتطوعين أن تُولي الحكومة اليمنية دوراً أكبر لحماية الحيوانات المهددة بالانقراض، وإعداد الدراسات اللازمة للحفاظ على تنوع الحياة الفطرية في البلاد.

مواطن متعددة
كشف عمر باعشن المنسق الوطني للاتفاقية الدولية المعنية بالأنواع المهددة بالانقراض بالهيئة العامة للبيئة، عن امتلاك اليمن مواطن بيئية حيوانية ونباتية متعددة تمتد من مناطق الشجيرات الساحلية والكثبان الرملية الممتدة على طول السهول الساحلية، إلى الصحارى الشرقية والمناطق الجبلية المتناثرة التي يصل ارتفاعها إلى 3760 متراً في قمة جبل النبي شعيب، وهي أعلى قمة في شبه الجزيرة العربية، ووجود ما يربو على 300 نوع من نباتات الأراضي الرئيسة، والذي يعتبر 10 في المئة منها مستوطناً، بينما في جزيرة سقطرى 850 نوعاً من النباتات منها 254 مستوطناً، كما يوجد في أنحاء متفرقة من البلاد 71 من فصيلة الثدييات، و363 نوعاً من الطيور و31 نوعاً نادراً من المجموعات البرية الكبرى في جنوب شبه الجزيرة العربية.

ثروة مهددة
لفت باعشن في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إلى أن جانباً كبيراً من هذه الثروة الطبيعية أصبح مهدداً بشكل خطير في العقود الأخيرة، بسبب تغير نمط الاستخدام والعبث بنظم وبيئات هذه الأنواع وصيدها، فمن الملاحظ اليوم أن الوعول والغزلان والنمور وطائر الحبارى والنورس أبيض العين وأبو منجل الأصلع، والكثير من الثدييات والطيور، إضافة إلى بعض أنواع الزواحف والنباتات والأنواع البحرية، أصبحت أنواعاً منها مهددة بصورة كبيرة، كما أن البعض الآخر لم يعرف لفترة طويلة عن حاله شيئاً كالمها العربي وغزال ملكة سبأ والفهد، مما يرجح الاعتقاد بانقراضها، داعياً بهذا الصدد إلى أهمية التدخلات العملية العلاجية المقصودة والجادة للمحافظة على ما تبقى من هذه الأنواع، والالتزام بتنفيذ القوانين ووضع الخطط والبرامج التي تدعم عملية الحماية، وتدعو إلى الإسهام الجماعي في عملية حماية البيئة، انطلاقاً من أن حماية البيئة مسؤولية الدولة والمجتمع.

آثار الحرب
يسهب باعشن في حديثه متطرقاً إلى تداعيات وآثار الحرب اليمنية على الثروة الحيوانية البرية قائلاً "تردي الأوضاع والحرب التي يشهدها اليمن في السنوات الأخيرة، فاقما من ازدياد حالات قتل وصيد الكثير من الحيوانات البرية، ونتج ذلك عن تراخٍ في تطبيق القوانين، كما أدت البطالة وتدني المستوى الاقتصادي بسبب الحرب، إلى توجه السكان للمتاجرة في الحيوانات، مما زاد العبء على الجهات الرسمية المخولة قانوناً بحماية البيئة، ففي الفترة من (2013 - 2017)، تم رصد حوادث اصطياد وقتل كثير من الحيوانات البرية يُقال إن جميعها نمور، غير أن حديث العامة في العادة لم يكن صحيحاً في بعض الأحيان لأنهم غالباً ما يخلطون بين الفهود المهربة من أفريقيا إلى اليمن، والنمر العربي المستوطن في اليمن، كما أن الفهود أيضاً أنواع ممنوع قتلها وتهريبها، ولم يتسن للجهات المختصة عمل الدراسات في حينها لإثبات صحة تلك المعلومات، كما ذكرت بعض التقارير أن أكثر من عشرة من النمور العربية النادرة تعرضت لقتل جائر من قبل هُواة الصيد، في منطقة (حضور) الواقعة بين منطقتي (دموت والفتك) في محمية حوف الطبيعية، التابعة لمحافظة المهرة، والتي تعد من أهم المحميات في البلاد، وهي معلومات أقرب للصحة، لأن هذه المنطقة المُحاذية لسلطنة عمان تم تسجيل النمر فيها بشكل صحيح، وإن ما تتحدث عنه هذه التقارير حول قتل النمور، ربما يكون صحيحاً في أحيان نادرة، وليس بعدد ما ذكر في جميع تلك التقارير، لأن النمور أصبحت أعدادها قليلة، ونادراً ما يتم مشاهدتها، أو قتلها، وما نُعانيه أيضاً هو التهريب من القرن الأفريقي لأنواع الحياة البرية إلى اليمن، ومن ثم إلى دول أخرى في المنطقة، وهو ممنوع وفقاً للاتفاقيات الدولية".

دور حكومي
نوَّه بالدور الكبير للهيئة العامة لحماية البيئة في الحفاظ على التنوع الحيوي للبلاد، فمنذ العقدين تقريباً تم إنشاء العديد من مناطق المحميات للحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض، ودخلت الهيئة في الكثير من برامج الإكثار لأنواع أوشكت على الانقراض، مستدلاً بتوقيع الحكومة اليمنية أربع اتفاقيات دولية للحفاظ على التنوع الحيوي، وإقرار حزمة من خطط العمل والاستراتيجيات المتعلقة بحماية الحيوانات البرية من الانقراض، متطرقاً إلى صدور قرار مجلس الوزراء يقضي بتسمية النمر العربي الحيوان الوطني للجمهورية اليمنية في عام 2008، وكان صدور ذلك القرار للتأكيد أن النمر العربي يعد بمثابة رمزاً للحياة البرية والهوية الوطنية اليمنية، ومع ذلك لم يمنع القرار من جعل النمر العربي مهدداً بالانقراض، بينما هناك تواصل مع بعض الجهات العالمية لدعم برامج للمحافظة على الأنواع المهددة بالانقراض في إطار خطط واستراتيجيات الهيئة للمحافظة على التنوع الحيوي.

صيد عشوائي
حضرموت وشبوة من أكثر محافظات اليمن التي تزخر بالثروة الحيوانية البرية، وخاصة النمر العربي والغزلان والوعول، إلا أنه في الآونة الأخيرة تناقلت وسائل إعلامية أنباء عن تعرُّض بعض منها للصيد العشوائي.
ويعترف مستشار رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة نائف الخليفي بتعرُّض الحياة الفطرية في المحافظتين لانتهاك صارخ وعبث وتدمير ممنهج وكبير للموارد الطبيعية المستدامة، معبراً عن أسفه لغياب الوعي والتثقيف البيئي لدى السلطات المحلية في شبوة ووادي وصحراء حضرموت، وعدم إنفاذ القوانين واللوائح المحلية والمعاهدات والاتفاقيات الإقليمية والدولية التي وافقت وصادق عليها اليمن، وكذا تجاهل التشريعات والأعراف الدينية والأخلاقية التي ساهمت بشكل كبير في العبث والتدمير الحاصل حالياً.

وثمَّن الدور الكبير الذي قامت به قوات النخبة الشبوانية في أثناء انتشارها في محافظة شبوة خلال العامين الماضيين من خلال عدد من الإجراءات الأمنية الجادة التي ساهمت بشكل كبير في الحد من العبث بالثروة الفطرية، مستدركاً بأنه في الآونة الأخيرة شهدت بعض مناطق شبوة بشكل علني اصطياد بعض الحيوانات والطيور المهددة بالانقراض، وبترويج من الإعلام الرسمي وتقديمها كهدايا لمسؤولين، مطالباً كل السلطات الإقليمية والدولية، ومنها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة والاتفاقيات الدولية، بالتدخل العاجل وإنقاذ الحياة البحرية والبرية مما يحدث لها، منوهاً بأن ذلك التدمير لا يقوم به الفقراء وذوو الحاجة للغذاء، بل ذوو السيارات الفارهة وبأسلحة وأدوات صيد متعددة وحديثة، وبتفاخُر وبحجج واهية وتبريرات خاطئة.

إجمالاً، يخلص المستشار الخليفي بالدعوة إلى إنشاء وتطوير نظام وطني متكامل للمحميات الطبيعية يغطي مختلف البيئات البرية والبحرية، ويعزز مستوى معيشة المجتمع، بهدف تحديد وتصميم نظام وطني شامل للمناطق المحمية في اليمن.

إندبندنت عربية​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى