نتائج الثانوية العامة.. الواقع والمأمول

> د. عبدالله عبيد صالح*

> بداية دعونا نذكر بالحقيقة التي يعرفها كل أو معظم خلق الله من التربويين إلى البسطاء من الناس، في الأغلبية الساحقة من بلدان العالم المواكبة للتطور العلمي التعليمي، المتمثلة في أن الخليقة قد تجاوزوا نظام الامتحانات المركزية (كما هو حالنا) في بعض البلدان العربية، أصبحت المدارس الثانوية التي تشرف على أدائها لوظيفتها التربوية والتعليمية وزارة التربية والتعليم، هي من تعد الامتحانات النهائية، وفيها يتم إعداد نتائج الطلاب تحت إشراف الوزارة، وإعلانها وتسليمها للتلاميذ، باعتبار أن المدرسة هي صرح تربوي وتعليمي وثقافي، ومصدر يمكن الوثوق به لإعداد الشبيبة للمراحل اللاحقة من حياتهم العلمية و المهنية.

وقد تحدثنا عن ضرورة تغيير السياسة التعليمية في بلادنا نتيجة لأسباب تربوية وعلمية موضوعية تستدعي منا إعادة النظر في منظومتنا التعليمية الأساسية. لن أذكر هنا سوى مهزلة إعداد النتائج للمرحلة الثانوية وتوزيع أوائل الطلاب بين مختلف المحافظات لتعزيز دور الوحدة الوطنية في البلاد التي تستغرق فترة زمنية تساوي مرحلة التصحيح لملفات الطلاب، والتربويون يعرفون تماما ما أكتبه هنا، وهناك أسباب تعليمية وعلمية لن اذكرها هنا تخفيفا للاسترسال في الحديث، لأن المعلمين يعرفونها بدقة أكثر مني.

كان العام الدراسي الحالي عاما استثنائيا بكل المقاييس، ويكفي أن نذكر أن في معظم أيامه لم يمارس التلاميذ دراستهم، لسببين أساسيين هما، كورونا وإضراب المعلمين. ومضى من العام الدراسي فصل واحد وقدم الطلاب امتحاناتهم الفصلية ثم توقفت العملية التعليمية. ولما كان طلاب السنة النهائية في الثانوية العامة معنيون أكثر من غيرهم بإكمال العام لارتباط ذلك بمستقبلهم العلمي ودراستهم الجامعية التي تلعب نتيجة الثانوية دور أحد العاملين الأساسيين المحددين لطبيعة التخصصات التي سيدرسونها عند التحاقهم بالجامعة، فقد كانوا الأكثر تضررا من توقف العملية التعليمية.

جاء اجتهاد وزارة التربية الذي تمثل في ابتكار طريقة ليس لإكمال العملية التعليمية، وإنما لإنجاز العام بنتائج للطلاب تسمح بإغلاق ملف العام الدراسي. شكلت لجنة لإدارة الأزمة واقتراح المخارج من الأزمة.

أقرت اللجنة اعتماد المعدّل التحصيلي (وهو جمع نتيجة الطالب في صف الأول ثانوي+ نتيجته في الثاني ثانوي + نتيجة الطالب في الفصل الأول من الثالث ثانوي)، وقسمة حاصل الجمع على 3، لتكون نتيجة القسمة على 3، هي المعدل التحصيلي للطالب في الثانوية العامة.

جاءت النتائج مذهلة للبعض وصادمة للبعض الآخر. أتت النتائج أجمالا حاملة لمنحيين رئيسين. الأول يتمثل في أن نسبة كبيرة من التلاميذ قد حصلوا على معدلات عالية أو كاملة، ويكفي أن نذكر أن قرابة مئة من طلاب المدارس( الخاصة) ، قد حصلوا على معدلات مئة في المئة. وهو أمر يثير الريبة، التي لن نناقشها هنا. أما من تبقى وهي النسبة الأكبر فقد كانوا ناجحين بمعدل يتراوح بين الستينات والسبعينات. ويمكن مقارنة هذه النتائج مع نتائج الأعوام السابقة لنرى مؤشر التفاوت بينهم بصورة ملفتة للنظر.

إذا تحلينا بالضمير وبعلم القياسات التربوية والتقويم العلمي، فما حدث عندنا هو مجزرة علمية وتربوية ينبغي، على الأقل، معالجتها والتخفيف من أثرها على الطرف الذي أنهي العام الدراسي على حسابهم وأقصد الطلبة.

عموما كثرة المآخذ على نتائج تعليمنا الثانوي وعدم تطابقها مع إمكانات الطلاب أمر معروف، وتوضحت آثاره في امتحانات القبول للجامعة في السنوات الماضية. وعدم عقلانية تلك النتائج استدعت من جامعة عدن افتتاح السنة التحضيرية كي تكون نتائج القبول أكثر عقلانية وصوبت الجامعة جزءا من اختلالات النتائج تلك، مع إيماني المطلق أن بإمكان الحكومة دعم الجامعة ماديا مقابل استغناء الجامعة عن الرسوم المقررة على طلاب التحضيري في الجامعة.

ما العمل إذن لتخفيف الخطأ الذي أصاب طلاب الثانوية لهذا العام في مقتل؟ فوزارة التربية قد حملت المسؤولية الجانب الأضعف.

الحل في تقديري هو أن تقوم وزارة التربية والتعليم بتقديم طلب إلى وزارة التعليم العالي تطلب منهم اعتماد معدلات امتحانات القبول في السنة التحضيرية بنسبة مئة في المئة وليس خمسين بالمئة كما هو حاصل حاليا. وبطبيعة الحال لهذا العام الدراسي 2019/2020 فقط، وبذلك نكون أقرب للصواب والعقلانية وأكثر رأفة بطلابنا الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما أصابهم من جراء الكورونا واضراب المعلمين.

*أستاذ الفيزياء في جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى