عدن.. المخاض السياسي ومآلات إضراب المعلمين

>
التفاؤل حالة نفسية تَعْبُرُ فوق الواقع الأليم إلى المستقبل الواعد العظيم، وكلما تفاءلنا بالمستقبل الموعود، نرى مشاهد محبطة في الواقع، لمؤسسات ومنظمات مجتمع مدني، تستند على دعم قوى العنف، وأي مدنية ورقي وثقافة وفكر سينبلج، بالاحتماء بعسكري وبندقية للأذى فطن.

مشهد الهمام أبو همام، وهو يحاضر نقابة للمعلم (كاد المعلم أن يكون رسولا)، ويطمئن كيانه المولود من رحم العنف، المولود الذي يلجئ للرحم الذي نشأ فيه والثقافة التي أوجدته إذا عجز، لا علاقة له بقواعد وأدبيات العمل المهني والحقوقي.

يكفي مشهد كهذا لتعرف الناس حقيقة إضراب المعلمين بعدن، الذي جعل من حقوق المعلم المهدورة وسيلة، دون مراعاة لنتائج وتداعيات هذا الإضراب على التربية والتعليم والجيل الصاعد في عملية التحول لمستقبل واعد، وكأن هذا المستقبل لا يعني المعلم، في محاولة لانتزاع واجبات المعلم حقه في التضحية وروح المبادرة في عملية التحول، والمخاض السياسي القائم، لوضع البنية الأساسية للمستقبل الواعد.

نقابة تسير على هدى الشطط والحماس غير الواعي، لا ترشدها أدبيات منظمات المجتمع المدني، وقانون وشرائع العمل النقابي والحقوقي، ودستور البلد، ودساتير العالم التي تتفق على نص قانوني يقول (يسقط الحق الخاص إذا تسبب بضرر عام)، والمعلم رسالة، وما أمسنا اليوم لهذه الرسالة.

وللمعلم دور مهم في عملية البناء، وهو يضع اللبنة الأساسية لذلك البناء، من طفل اليوم لجيل المستقبل لصناعة الفكر والثقافة، وبناء الإنسان الذي سيعتمد عليه في قيادة ذلك المستقبل، كل الدول التي نهضت كان للمعلم دور أساسي وتضحيات جسام قدمها على حساب مصالحه وحاجاته.

نساء الأنقاض في ألمانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، قمن بإزالة أنقاض المباني المهدمة والبحث عن الكتب ونفض الغبار عنها، والبدء بعملية التدريس مجانا وهم يفتقدون للغذاء، كان التعليم أهم من الغذاء وقتها، وهكذا نهضت اليابان بعد الحرب، وكل الدولة الصناعية والاقتصادية الكبرى، نهضت بالتعليم ورأس مالها الإنسان وما ينتجه.

ونحن متخلفون، قابعون في مصالحنا، ننضر للحقوق ونتجاهل الواجبات، نريد مستوى معيشي أفضل ورخاء، دون أن نقدم جزءا يسيرا من واجباتنا في مسار التحول لترسيخ دولة محترمة ستقدم لنا كل تلك الحقوق.
البلد على كف عفريت، بين تفاؤل لبناء دولة محترمة، قادرة أن تنصف الجميع، وتصلح حال المعلم والموظف والمواطن، وتوقف حالة الانهيار، وتحد من دور العنف والميلشيا، لتبني مؤسسات وسياسات محترمة، لتبدأ مرحلة البناء والتنمية الشاملة، والمعلم سيكون من ضمن أولوياتها.

إضراب المعلم بمدينة عدن اليوم جريمة بحق المستقبل، جريمة تتم في ظل مخاض عسير يفترض أن يكون للمعلم دور رئيس فيه، مخاض إنتاج دولة محترم تحترم حق الجميع وفيهم المعلم، جريمة تضع المعلم بمكانة غير لائقة كمعرقل للبناء.

الظلم عام، شمل الجميع، ومس الجميع؛ معلما وجنديا وموظفا ومواطنا ووطنا، بل الوطن أكثرنا ظلما، ولن يصلح حالنا وإنصاف مظلوميتنا وتحسين مستوى معيشتنا، دون إنصاف وطن.
إنصاف وطن، بدولة محترمة، ومؤسسات وكفاءات مهنية، ونظام وقانون يضبط إيقاع الحياة ويوزن العدالة فيها، العدالة هي الاحترام، وبدونها لن ينفع الإضراب، ولا حشد شارع في مواجهة شارع، وأيدلوجيا في مواجهة أيدلوجيا، ومنطقة وطائفة في مواجهة مناطق وطوائف.

العدل هو الطموح والتطلعات والآمال، والمعلم منبر مهم من منابر التنوير وصياغة الفكر والثقافة لعدل وعدالة اجتماعية، يجد المعلم فيها مكانة رفيعة، حينها سننصف وطنا، لينصفنا بنظام وقانون يحفظ الحقوق والواجبات، ومن واجبات المعلم اليوم المشاركة الفاعلة في دعم عملية التحول، ليضمن حقوقه وحقوق المواطنة في وطن يستوعب الجميع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى