مسالخ مكيفة اسمها وكالات الصرافة

> صلاح السقلدي

> ما تفعلهُ وكالات الصرافة وبعض البنوك الخاصة بالمواطن البسيط في كل المحافظات يعتبر شيئا مروّعاً تشيب لها الولدان، من عمليات نصب واحتيال وسرقة جهارا نهارا تحت مبررات سمجِة لا يقبلها عقل ولا منطق، من قَـبيل مبــرِر فارق القيمة بين العملتين الجديدة والقديمة في صنعاء وعدن، وذريعة انعدام السيولة بالسوق في المناطق المسماة بالمحررة، وسواها من مبررات الاحتيال التي تبتلع أجور البسطاء وتحويلاتهم. ولمَـــن يَـودّ أن يعرف أكثر فما عليه إلّا مُـتابعة التقارير والأخبار المالية التي تنشرها كثير من الجهات المالية والمواقع الإخبارية ذات المصداقية والمهنية والاستقلالية. ومن بين هذه التقارير ما نشرته مؤخرا صحيفة الأيام من عجب العُــجاب عن أنواع سرقة تحويلات المواطنين، فضلاً عن المخالفات القانونية المهولة التي ترتكبها شركات الصرافة، وحالة الفوضى المتعمدة التي تقوم بها هذه الشركات ووكالات الصرافة وبعض البنوك الخاصة تحت سمع و بصر البنك المركزي بعدن وسائر الجهات التي من المفترض أنها سلطات نقدية ومالية وقضائية ورقابية. ونحن هناك نتحدث بشكل أوسع عما يجري بالمحافظات التي يقال أنها محررة، فضلا عن المناطق التي تحت سيطرة الحركة الحوثية والمؤتمر الشعبي العام والتي تمثّـــل أساليبها الاحتيالية أقل وطأة على المواطنين بحكم سيادة شيء من الرقابة المالية والقانونية الصارمة وواحدية سلطة الأمر الواقع مقارنة بما تقوم به وكالات الصرافة ومداهنات البنك المركزي بعدن والمناطق المحررة، وهو البنك الذي يبدو بذلك فاشلا بأداء عمله أو في أفضل حال يقف موقف المتفرج لما يجري في المحافظات المسماة جزافا بالمحررة من المهرة شرقا إلى عدن غربا.

فمنذ اتخذتْ حركة الحوثيين قرارها المثير للجدل بعدم التعامل بعملة الطبعة الجديدة والاكتفاء بالتعامل بعملة الطبعة القديمة - بعد أن أمعنت السلطة المسماة بالشرعية بطباعة مئات المليارات من العملة المحلية دون غطاء من النقد الأجنبي أو الذهب- فقد شرَع البنك المركزي بصنعاء وعدن باتخاذ إجراءات صارمة تعسفية كان الضحية فيها المواطن وتحويلاته وحساباته البنكية -على محدودية قيمتها وقدرتها الشرائية-، الذي يتم استقطاع ثلث المبلغ المحول من عدن إلى صنعاء -على سبيل المثال-، ناهيك عن التكسب الفاضح تحت ذريعة فارق القيمة بين العملة القديمة والجديدة، وهي ذريعة تستغلها الوكالات وبعض البنوك الخاصة أشنع استغلال وتتخذ منها كلمة حق يراد بها باطل لتخفي خلفها كل أساليبها الجائرة. فبحسب تقرير خاص نشرته صحيفة الأيام يوم الثلاثاء فضح مثل هذه الحيَــل، وغيرها من أساليب وطرق الاحتيال والنهب التي تطال حوالات المواطنين من المناطق المحررة إلى مناطق الحوثيين والعكس، كاشفا بالوقت عينه كيف أن شركات الصرافة في عدن مثلا تتذرع بفارق الصرف بين الطبعتين: الجديدة في المناطق المحررة التي تبلغ (أكثر من 800 ريال للدولار، والقديمة في مناطق الحوثيين التي تبلغ قيمتها قرابة 600 ريال للدولار، وسعر الريال السعودي بالمناطق المحررة 210 ريالات يمنية، وبمناطق الحوثيين 160 ريالا يمنيا، فزعمها -أي شركات الصرافة في عدن والمناطق المحررة- أن البنك المركزي بعدن قد تخلّــى عن ضخ عملات إلى السوق بهذه المناطق، وبأن الوديعة السعودية قد اُستنفذتْ يسقط أرضا أمام حقيقة أسعار سلعة الذهب المتداولة عالميا والتي يمكن القياس عليها محليا- بحسب تقرير الأيام-، الذي أماط اللثام عن هذه الحقيقة وعن جريمة التلاعب بفارق سعر المبادلة بين شراء وبيع الدولار والسعودي وسواها من العملات الأجنبية في عدن وسائر المحافظات المحررة.

فالجرام الذهب عيار 21 في العالم يبلغ متوسط سِــعــره 45.35 دولارا. بينما سعر الجرام الواحد بالريال السعودي 204.82 مما يعني أن الدولار يساوي3.750 ريالا سعوديا، ولكن بالمناطق المحررة حين تذهب إلى شركات المضاربة تجد سعر المبادلة بين شراء وبيع الدولار مقابل السعودي يصل إلى 3.82 ريالا سعودياً، بفارق عن السعر العالمي يصل إلى0.05 ريال سعودي. فلماذا هذا الاختلاف بالسعر مع أنها عملية مبادلة بين عملتين أجنبيتين، وسعرها عالميا يحدد بشكل يومي وأحياناً كل ساعة وفق أسعار الصرف العالمي؟.

ويعزو التقرير أسباب استقرار سعر الصرف في مناطق الحوثيين وتدهوره في المناطق المحررة إلى عدة أسباب منها: أن البنك المركزي في صنعاء يمارس أقصى درجات الرقابة والتقييم على كل معاملات شركات الصرافة التي بدورها تقدم تقاريرها الشهرية والسنوية بانتظام، وتقديمها مراجعة فحص مراجع مكاتب المراجعين القانونيين، كما أن كل الشركات المصرفية مربوطة بنظام البنك بصنعاء ويتم مراقبتها لحظة بلحظة من خلال شبكة الربط الآلي بالبنك. أضافة إلى أن البنك المركزي هناك لا يسمح بفتح حسابات للعملاء بوكالات الصرافة على غرار ما هو بعدن باعتبار أن هذه مهمة منوطة بالبنوك التجارية وليس بوكالات الصرافة، مما منع هذا الإجراء تكديس الأموال لدى الصرافين المضاربين كما يحدث للأسف بعدن بشكل سافر. هذا علاوة على ميزة واحدية السلطة السياسية بصنعاء" سلطة الأمر الواقع" وغياب ازدواجية القرار، بعكس ما نراه من ازدواجية بالسلطات والقرارات بالمناطق المسماة بالمحررة التي تتنازعها عدة جهات محلية وخارجية، وتغيب فيها أدنى معايير الرقابة والشفافية، وافتقرت مؤخرا إلى أهم مصادرها المالية "الضرائب" التي تمثل نحو70% من حجم الموارد المالية نتيجة امتناع كبار المكلفين من التجار بتوريد ما عليهم من ضرائب ومستحقات أخرى للدولة، إضافة إلى توسع العرض النقدي بهذه المناطق والذي اختزل نشاطه بصرف المرتبات.

فالتعاملات التجارية بين مناطق الحوثيين والجنوب، ترتكز أصلا على ‏التحويلات النقدية عبر شركات الصرافة والتحويل بعد أن أضحى نقل الأموال عبر وسائل النقل مستحيلا. فبعد أشهر قليلة من بداية أزمة الطبعتين استطاعت الحركة الحوثية من سحب ‏الطبعة القديمة من العملة من مناطق المسماة بالمحررة نحو صنعاء، عبر سماسرة السوق السوداء للعملة، ما رفع من قيمة العملة القديمة بشكل لافت، بلغت ذروتها بزيادة قيمتها بـــ 35% مقابل العملة الجديدة.!!

أطرف ما الأمر في هذه التراجيديا النقدية ما ذهب إليه بنك الكُـــريمي للتمويل الأصغر حين أصدر لنفسه عبر هيئته الشرعية فتوى مدهشة أحلّــتْ له أخذ عمولات التحويلات مِـن الجنوب إلى الشمال، فيما اعتبرت عمولات التحويلات من الشمال إلى الجنوب عملية ربا محرمة، باعتبار مناطق الجنوب –بحسب الفتوى- مناطق سيولة كبيرة يجوز أخذ عمولات التحويلات من أهلها، فيما الشمال بحسب ذات الفتوى مناطق سيولة قليلة لا يجوز أخذ العمولات على تحويلات أهلها. بمعنى أوضح نحن إزاء فتوى مالية على غرار الفتاوى الدينية المسيسة.

بقي أن نشير إلى أمر غاية في الأهمية لم يلتفت له كثير من المراقبين، وهو أن عدن منذ سبتمبر 2016م هي المحافظة الوحيدة التي لا تمتلك بنكا مركزيا كسائر المحافظات وذلك بعد أن سطا على مبنى بنكها وابتلع اسمه وممتلكاته البنك المركزي للجمهورية اليمنية المنقول من صنعاء، وصار وجود بنك عدن ورئيسه وإدارته منذ ذلك الحين وجودا افتراضيا. فحين قرر المجلس الانتقالي عدم إرسال الموارد المالية والضريبية في عدن والمناطق الواقعة تحت سيطرته إلى البنك المركزي اليمني بسبب فساد السلطات الحكومية لم يجد بنكا في عدن ليودع فيه مواردها كما يتم في مأرب مثلا، واضطر فتح حسابات بنكية لبعض المؤسسات لدى البنك الأهلي لتورد إليه مواردها بعيدا عن سطوة الفساد وهيمنة البنك المركزي، قبل أن يلغي الانتقالي بعد ذلك قرار إعلان الإدارة الذاتية مؤخرا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى