خذوا الحرب بجدّية.. عندما تقرّر بريطانيا تعزيز قاعدتها العسكرية في عُمان

> ممدوح الشيخ

> لا أرى بأسًا، وقد أكون مخطئًا، في أن يحاول أحد افتراضيًا، في العام 2020، استشارة الشاعر العربي القديم، زهير بن أبي سلمى، في المشهد الإقليمي الراهن، خصوصا أن جانبًا لا يستهان به من الفعل السياسي العربي (قرب نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين)، لم يحقق من النضج ما يتجاوز كثيرًا ما كان عليه عرب القرن السابع الميلادي.

وفي الأدبيات المنهجية التي تشرح: "ما الحرب"؟ تجد الحرب بوصفها: "امتداداً للسياسة"، أو "أداة لتحقيق أهداف سياسية". هذا أكثر وضوحًا في الفكر السياسي للعصر الحديث، لكن جانبًا كبيرًا مما شهده العالم العربي، منذ عقود، من حروب تقليدية وحروب أهلية، يؤكد أننا ما نزال بعيدين عن دخوله، فحروبنا كانت، غالبًا، نفيًا للسياسة، وتنكرًا للسياسة، وارتدادًا شاملًا إلى منطق الحرب، التي هي "مَا عَلِمْتمْ وَذُقْتُمُ" (والوصف لزهير في معلقته)، وجانب ممن يتخذون قرار الحرب، ومن يركضون الآن نحو الحرب، يرغي ويزبد بصياغاتٍ لفظيةٍ لا قيمة لها في ميزان المنطق، ثم "يعرّف الماء بعد الجهد بـالماء"، فتظل الحرب هي: "ما عرفتم وذقتم"... لا أكثر ولا أقل. ولا أجد في الخطاب الرسمي لكل العواصم التي يحلق شبح الحرب فوق عواصمها خطابًا متماسكًا متسقًا يضع هذه المفردة البغيضة ضمن تصور استراتيجي، وهذا هو المفترض.

والثقب الأسود الذي يلف العالم العربي منذ عقود يزداد اتساعًا وإظلامًا، من حروب العراق المتعددة بسبب حكم صدّام حسين، وبسبب زوال حكمه، وحروب السودان المزمنة، حتى حروب ليبيا الطويلة المدهشة. وتمتد قائمة الحروب لتشمل حروب الصحراء المغربية، وحروب الصومال المتجدّدة، وحروب اليمن التي ربما يصعب إحصاء جولاتها منذ ستينيات القرن الماضي، وحروب لبنان الساخنة والباردة، وفجيعة سورية المرعبة، هي الحرب، ونحن، كما قال زهير، "نطعمها" فتزداد ضراوةً، ثم تلتفت الحرب إلى من أطعمها، فتلتهمه.

وحديث الحرب، فضلًا عن ظلالها القاتمة يلوّن المشهد من "المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، والقواعد العسكرية تتكاثر كالفطر، وتتعدّد جنسياتها، والوجود العسكري الرسمي: الأميركي والبريطاني والفرنسي والروسي والتركي، مؤشر واحد، وشركات المرتزقة ليست أقل عددًا ولا تعدّدًا، والجماعات المسلحة العشائرية والأيديولوجية والمذهبية والقومية، تتحدّى كل شرعية وكل منطق وكل... ما الذي يبقى سوى شرارة تشعل الحريق؟

كانت النسبة الكبرى من حروب القرن الماضي محكومةً بمنطق، وإن بقيت غير مرغوبة، أما اليوم، فتطل خيارا محتملا، تغذّيها مخاوف تتجاوز "حدود السياسة"، و"الخائفون" قد يكونون أكثر تمسّكًا بخيار الحرب من "العدوانيين". ولا يجد بعض الخائفين مفرًا من خوفهم، لأنه مما لا سبيل إلى الفرار من أسبابه. والمثال الأكثر تعبيرًا عن ذلك الذي مبعثه "هشاشة البنية السكانية". ومنذ سنوات، أطلق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، صيحة تحذير من أن بلاده التي يتجاوز سكانها المائة مليون، يمكن أن يتعرّض أمنها القومي للخطر، بسبب اختلال العلاقة بين السكان والمساحة، فما بالك بالهشاشة السكانية لدول مثل ليبيا، أو الإمارات، أو البحرين، أو...

وعندما تقرّر دولة، مثل بريطانيا، بكل ما لديها من ثروة في الخبرة بالعلاقات الدولية، تعزيز قاعدتها العسكرية في عُمان، فإن هذا يعني، ضمن شواهد أخرى كثيرة من شرق المتوسط إلى الخليج العربي، أن الحرب قادمة، واتجاهات التسلح في المنطقة لا تشير إلى ازدياد في الإنفاق (فهذا معيار رقمي)، بل إلى تحول في البنية، فالقواعد التي تنشئها دولٌ من خارج المنطقة، تترافق مع تطوّر كبير جدًا في عدد القواعد التي تنشئها دول المنطقة، وبعضها أنشأتها دول خارج حدودها، وخصوصا على مسارات الملاحة الأكثر أهمية في المنطقة، وتلك توجهاتٌ تحدث عندما تصبح الحرب أقرب احتمالًا .. فخذوا الحرب بجدّية، فهي قادمة.

*العربي الجديد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى