الزمن الذي لم نقطعه

> هذا الوقت.. هذا الزمن ابن الأمكنة، الذي يمتطي صهوة حياتنا ويختال بغرور بيننا في كل لحظة من أيامنا المتشابهة، والتي لا يفرق فيها الأمس عن اليوم سوى بمسمى الأيام. ها هو يختال كعادته، ليرمي علينا بين حين وآخر شيئا من مفاجآته المملة التي تعودنا أنها في مجملها لا تسر أحدا، إلا ما ندر والندرة هنا تنتمي لقوم آخرين يدعون صلة بنا، لكنهم ليسوا منا، ويدعون كذلك أنهم من يقومون بتنظيم حياتنا ويؤكدون للآخرين أنه مناط بهم تيسير حياتنا، لجعلها تشبه حياة الأمم الأخرى التي تحيا حياتها ولا تعيشها كما نفعل نحن، في هذا الزمن. وشتان بين من يحيا الحياة ومن يعيشها، إذ إن من يعيش الحياة يتشابه مع المخلوقات من الأنعام في حصوله على المأكل والمشرب (وحتى هذه الصفة أصبحت صعبة المنال) وفي غريزة التكاثر لبقاء الجنس وديمومته. أما من يحيا الحياة فهو مميز بكونه يعيش مستويين من الوجود، هما الفيزيائي والروحي، والأخير هو ما يميز الجنس البشري عن بقية المخلوقات.

هذا الوقت.. الذي صرنا فيه كأشباه دمى، يمضي بنا لنتبادل فيه ومعه الكثير من التبلد، الذي يشبه عجزنا وقلة حيلتنا وغبائنا.. المشوب ببعض التذاكي، ونتقاذف مع زماننا السؤال: أين يسير (بشد السين) الآخر؟ في لعبة أدمناها معا حتى أصبنا الغثيان بالغثيان من تكرارها.

نحن ندرك أننا بذلك نتعارض بوضوح مع كل معطيات المنطق، وندرك أن الأحداث التي يمنحنا إياها الزمان، ليست بتلك التي نرتجيها.. أو التي نطمح فيها.. بل هي مما يرسله الآخر لنا من مكان آخر. لكأننا خلقنا لنعيش حياتنا الهامشية، وهي كذلك، فقط في سياق ما يحتاجنا له الآخر. نحن الذين أَضعفنا أنفسنا ثم أُضعفنا فأصبحنا في مستوى لم يتبق لنا فيه سوى الانتظار، انتظار كل شيء من الخاص إلى العام، ومن الشخصي إلى الجمعي، وإلى أن يتحفنا الزمن بمفاجأة لا ندرك كنهها في هذه اللحظة سنظل نتغابى ونهمس في ذواتنا: من يدري؟ قد تصدفنا مفاجأة تزرع فينا أملا لبعض من الزمن الذي لا نعرف أن كان يمر بنا، أم نحن من يمر به. أقول عسى.. في وقت أصبحت (عسى) هي من يتسيد الموقف.

المؤكد يا سادة أننا أفلتنا لحظات من الزمن، كان يمكن أن يكون موقفنا اليوم أفضل بكثير مما نحن فيه، بغض النظر عن كوننا ناسين أو متناسين المقولة (الوقت كالسيف.. إن لم تقطعه قطعك). فهل من رجوى أن نقطعه بعد أن تقطعت أوصالنا به؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى