من شرق الفرات.. إلى شرق المتوسط

> سميح صعب

> يدور صراع صامت أحياناً وصاخب أحياناً أخرى بين روسيا وأميركا وتركيا حول منطقة شرق الفرات في سوريا. هذه المنطقة التي لا تزال خارج نفوذ الحكومة السورية وتخضع لـ"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) التي تشكل "وحدات حماية الشعب"، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، عمودها الفقري.
هي منطقة غير محسومة لا عسكرياً ولا سياسياً. وتالياً هي معلقة جغرافياً وبالغة الحساسية أمنياً بالنظر إلى أن تنظيم "داعش" لا يزال يقيم خلايا ناشطة في المناطق النائية، ولا سيما في المناطق المفتوحة على البادية السورية، ومنها يستطيع مقاتلو التنظيم شن غارات نحو المناطق الحضرية في سوريا أو حتى الداخل العراقي.
 
وأبقت الولايات المتحدة بضع مئات من جنودها عند حقول النفط في المنطقة، واستقدمت شركات أميركية لتلزيمها عمليات الاستخراج والاستثمار، في خطوة تدل على أن الوجود الأميركي هناك لن يكون موقتاً. وهذا الوجود هو الخط الأحمر أمام أي تفكير روسي أو تركي بالتقدم عسكرياً نحو قضم مناطق سيطرة الأكراد، بينما لن يكون في مقدور "قسد" الإمساك بالمنطقة وحدها.
 
لعل هذا هو لب الموضوع الذي يثير حفيظة الروس كما حفيظة الأتراك على حد سواء. علماً أن روسيا تريد للجيش السوري أن يبسط سيطرته على شرق الفرات وأن تتوافر تالياً لشركات النفط الروسية فرصة استثمار حقول النفط في المنطقة. أما تركيا فهي تريد بالمقابل أن تخضع المنطقة لسيطرتها لدوافع أمنية قبل أن تكون اقتصادية. فأنقرة تعتبر "وحدات حماية الشعب" الكردية هي النسخة السورية لـ"حزب العمال الكردستاني" التركي الذي يقود صراعاً دامياً مع الحكومة التركية منذ عام 1984 لنيل الحكم الذاتي في جنوب شرق تركيا ذي الغالبية الكردية.
 
وفي الآونة الأخيرة، لا يبرح المبعوث الأميركي لشؤون سوريا جيمس جيفري والمسؤولون العسكريون الأميركيون شرق الفرات. والاجتماعات تتوالى مع "قسد" وحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي و"المجلس الوطني الكردي" السوري، بغية توحيد الموقف الكردي، مع استئناف العملية السياسية في سوريا، من خلال اجتماع اللجنة الدستورية في جنيف أخيراً.
 
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يرمي الأميركيون من طريق جمع الأحزاب الكردية على موقف موحد، الى قطع الطريق على أي محاولة روسية، لجذب أكراد سوريا نحو الدخول في مفاوضات مع دمشق.
واستعان جيفري في زيارته الأخيرة لإقليم كردستان العراق بالمسؤولين في هذا الإقليم كي يمارسوا ضغوطاً على الأحزاب الكردية السورية، كي تتوحد في مواجهة ما سيستجد من تطورات على الساحتين السورية والإقليمية.
 
جولات جيفري استفزت روسيا. وللمرة الأولى منذ عقود يجري تصادم مباشر بين قوات نظامية من البلدين. حدث ذلك في أواخر آب (أغسطس) الماضي في بلدة المالكية بريف محافظة الحسكة بشرق الفرات. وأصيب جنديان أميركيان عندما اعترضت عربات في دورية روسية عربات في دورية أميركية.
وعلى رغم تطويق الحادث الذي لم يشمل إطلاق نيران، فإن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر حذر من "رد فعل قوي" في حال تكرار مثل هذه الحوادث. ومعلوم أن الجيش الأميركي قتل المئات من عناصر شركة "فاغنر" الأمنية الروسية لدى محاولة هؤلاء التقدم في اتجاه حقل العمر النفطي عام 2018.
 
وحمّل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة له قبل أيام القوات الأميركية، مسؤولية ما سمّاه تشجيع "النزعات الانفصالية" للأكراد في شرق الفرات. وقال بوضوح :"إن الأميركيين يحرضون الأكراد ضد الحكومة السورية ويردعون رغبتهم في إطلاق حوار مع دمشق". ولم تفته الإشارة إلى أن العقود التي وقعتها شركات نفطية أميركية لتطوير حقول النفط في المنطقة بمثابة "انتهاك للقانون الدولي وتخالف قرار مجلس الأمن الرقم 2254". كل ذلك في رأي لافروف يزيد من "قابلية الانفجار" للوضع في شرق الفرات.
 
وما كتمه لافروف، أشارت إليه وزارة الدفاع الروسية على إثر مقتل الجنرال الروسي فياتشيسلاف غلادكيخ في 18 آب (أغسطس) في ريف دير الزور بعبوة ناسفة على جانب الطريق الذي كانت تسلكه دورية روسية، إذ غمزت الوزارة من قناة "العفو الذي أعلنته الإدارة الذاتية (الكردية)" عن بعض مقاتلي "داعش" في سياق الإجراءات لتخفيف الازدحام في السجون بسبب فيروس كورونا المستجد.
 
كل ذلك، يصعّد الصراع على شرق الفرات، ويبقيه بؤرة متفجرة، تسعى أميركا وروسيا وتركيا إلى السيطرة عليه، بينما يبقى "داعش" الطرف غير المنظور في الصراع، لكن بصماته واضحة في هجمات متزايدة على جانبي الحدود السورية - العراقية.
شرق الفرات يمثل الآن ميدان صراع، لا يقل توهجاً عن ذاك الصراع الدائر اليوم على النفط والغاز في شرق المتوسط بين تركيا من جهة وقبرص واليونان ومصر وفرنسا من جهة أخرى، بينما روسيا وأميركا ليستا بعيدتين أيضاً. ​

عن/ النهار العربي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى