ثورة سبتمبر.. كيف كانت وأين أصبحت

> كنا صغاراً لم نكن نعي شيئاً مما يحصل، لكننا نتذكر أن الكبار كانوا يتحدثون عن شيءٍ كبير قد حصل في اليمن، وكانت كلمة يمن تعني بالنسبة لنا بلداً محاوراً يأتي منه بائعو اللبان والكبريت والخيوط والإبر وبعض المجاذيب (كنا نسميهم مجاذيب بن علوان)، لكن صوت المذياع الذي كان يتحدث بلغة ثوروية، ويتكلم عن الحرية والكرامة والنضال والإمامة المخلوعة والجمهورية الفتية، والرجعية والتقدمية كان يعني لنا أن شيئاً ما مختلفاً يجري في بلدٍ لا يبعد عنا كثيراً.

بعد أشهر، ربما ما يقارب سنة، كان بعض الفدائيين الذين ذهبوا للمشاركة في المعارك مع الجمهوريين ضد الملكيين يحكون لنا قصصاً أشبه بالأساطير عن الذهب الذي يتلقاه المدعومون من الملكية، وعن بسالة الثوار والجنود المصريين، وهم يقودون المعارك ويوجهون رفاقهم اليمنيين لمواجهة الهجمات الملكية، وعن مواجهات الكر والفر، ولم يخل حديثهم عن حالات الغدر التي كان يتعرض لها الجنود المصريون الذين كانوا يقيمون في المعسكرات مع رفاقهم اليمنيين من مؤيدي الثورة، لكنهم يصبحون قتلى إما داخل غرف نومهم ودُشَمهم، وخيامهم، أو في الجبهات مقتولين برصاص من الخلف.

كان تعاطفنا مع الثوار المدافعين عن الجمهورية والرافضين للملكية ينبع من مواقف أهالينا ومن تأثرنا بإذاعة صوت العرب، ومعها إذاعتا صنعاء وتعز، ومن خطابات الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وهو يهدد ويتوعد الرجعية والرجعيين والاستعمار والإمبريالية، ويتحدث عن الشعوب وحقها في الحرية والكرامة ونهاية الظلم وبناء العدل.

انقضت سنوات وسنوات وكبرت الأحداث وكبرنا جسدياً وذهنياً، وتعرفنا على عوالم السياسة وتعقيداتها وتشعباتها ومقالبها ومؤامراتها، وكان استشهاد على عبد المغني والزبيري مؤشرات انتكاس في ميزان الثورة والجمهورية، وجرى الانقلاب على السلال الذي ظل رمزاً لا ينسى من رموز الثورة، وتداول الجمهورية عدد من الرؤساء ورؤساء الحكومات وتوالت الأحداث وتغيرت مواقع وتبدلت مواقف، وكان العام 1990م ثم 1994م، وما تلى ذلك من انحدار في مؤشر الثورة والجمهورية والتخيلات الجميلة عن معانيهما وأهدافهما حتى وصلت الأمور إلى العام 2014م حينما قام من قالوا: إنهم حماة الثورة والجمهورية بتسليم الثورة والجمهورية والجيش وأرشيف التاريخ الثوري اليمني، بشماله وجنوبه لأسلاف وأحفاد من سقطوا في العام 1962م.

اليوم هناك احتفالان وخطابان عن سبتمبر، واحد في صنعاء وآخر في بلد الاغتراب، لكن الملفت أن من يحتفلون في الموقعين والمكانين والخطابين لا علاقة لهما لا بثورة سبتمبر ولا بالجمهورية ولا بأهدافهما.

الجمهوريون الذين باعوا الثورة والجمهورية وخانوا أهدافهما وحولوهما إلى مشاريع استثمار وإثراء وتكديس المليارات يحتفلون في الخارج، ولم يستطيعوا حتى حماية ديارهم ومساكن أولادهم وأحفادهم ولا ما ورثوه من آبائهم وأجدادهم إن كانوا قد ورثوا شيئاً، والمنقلبون على الثورة والجمهورية يحتفلون بسبتمبر الذي أطاحوا به وجاؤوا بنقيضه ونقيض أهدافه وهم يتباكون على سبتمبر ويتهمون أسلافهم بأنهم هم من أفرغه من مضمونه، وقد يكونون محقين في الاتهام، لكنهم يعلمون أن الشعب مؤمن بأنهم ليسوا صادقين في ما يقولون، وأنهم لن يكونوا مع سبتمبر إلا نفس العينة التي انقلبوا عليها، بل وقد برهنوا أنهم الأسوأ والأشد قبحاً وتخلفاً وعصبيةً وعنصريةً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى