في البدء كانت الفكرة

> في البدء كانت الفكرة التي لا تُرى، ثم جاءت الكلمة التي تعبر عن الفكرة. والأفكار تنمو وتزدهر وتؤتي أكلها الطيبة أو الخبيثة، حسب نوع الفكرة، مثلما هي تضعف وتضمحل وتموت. وبعيدا عن الأفكار الشيطانية، فالمعيار للفكرة وصوابيتها، هو نموها وازدهارها ونجاحها في إعطاء المرجو منها، من تحقيق لأهداف لصالح الإنسان فردا كان أو مجموعة بشرية مما تسمى بالشعوب. وفي خضم ما حدث في اليمن ابتداء من مرحلة الثورة على نظام صالح في الشمال وقبله ثورة الحراك في الجنوب مرورا بكل المنعطفات مثل المبادرة الخليجية، التي جاءت في حقيقتها لهدفين أساسيين هما:

1. احتواء الزلزال الذي حدث في اليمن الجنوبي والشمالي ومنع امتداده إلى ما يجاوره من البلدان المجاورة، وتحديدا دول الخليج العربي وفي المقدمة منها المملكة السعودية.

2. أحكام السيطرة والتحكم بآلية التصعيد للسلطة في اليمن، وضمان تبعية منظومة الحكم التي ستصعد وعدم تغريدها خارج السرب الإقليمي.

هناك أفكار طيبة وأخرى خبيثة ولكنها اضمحلت بفعل الزمان وعدم ملاءمتها للحياة، وأفكار ولدت خدجا وشبه ميتة، كمسمى المشروع القومي العربي المناهض للمد الإيراني التركي، المولود مجرد من الملامح، فزادها الزمان موتا. وأفكارا ربما كانت صحيحة بمعايير وفي ظروف معينة، لكن ولأسباب تغير الظروف الذاتية والموضوعية، ونتيجة لديناميكية الحياة أصبحت غير ملائمة، لا لأصحابها ولا للأطراف التي ربما جاءت لخدمتهم أو فض نزاعهم، وربما غير مناسبة للزمان وللمكان (للجغرافيا دور في تكوين الواقع) فأصبحت في حكم المنتهية حتما.

وللتدليل على ما نقوله هنا نقول إن مجرد إلقاء نظرة بتجرد وموضوعية، على ما تسمى بالمرجعيات (مع تحفظنا على تسميتها بالمرجعيات بمعطيات اليوم)، وبمقارنة مضمون تلك المرجعيات مع الواقع السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني الموجود فعليا على صعيد الواقع، وعلى الأرض سنكتشف عدم وجود إمكانية للقاء الأفكار أو البناء عليها، سعيا نحود إيجاد حل للأزمة اليمنية. ذلك حدث لأن الحياة ديناميكية بطبيعتها، وقد تجاوزت المعطيات التي بنيت عليها تلك المرجعيات.

ما يحدث أن خطأ المعالجات والسياسات التي أنتجها ولا يزال التحالف العربي، لا سيما في الفترة التي استلمت المملكة ملف الجنوب، قد ولد جملة من الأزمات على الصعيد السياسي وكذا الصعيد المجتمعي مما أدى إلى انحراف سيل العملية السياسية عن مجراه، وإضافة أزمات جديدة أصبحت بحاجة لحلها.. تماما ككرة الثلج.

إنه من الطبيعي أن نجد أنفسنا مكبلين وفاقدين القدرة على الفعل، نتيجة الالتزام لنصوص متناقضة في حقيقتها وغير مقدسة أو منزهة عن العيوب، أيا كان تسميات تلك النصوص، وهنا نجد أنفسنا ندعو أهل الحل والعقد أو القادة من صانعي القرار إلى تفعيل العقل وتجاوز النص، حينما يكون النص نفسه عاملا معرقلا في طريق الحل أو البحث عن الحلول.

يكتسب قولنا أهمية إضافية، نظرا للتردي المروع الذي استشرى في حياتنا من وفي كل نواحي الحياة.. وأصبحت الحياة ضنكة وصعبة لدى الأغلبية الساحقة من أبناء البلاد.

نقول للإخوة من أبناء جلدتنا ومن الجيران ليس العيب أن تتبدل الأفكار أو تصوب، ولكن العيب والجريمة هو الاستمرار في البناء على فكرة ماتت، أو ولدت ميتة، أو أماتتها الظروف، والتحولات في الحياة المستمرة وغير المتوقفة. أن الاستمرار في البناء على أفكار ميتة لا يمكن أن يعطي ناتجا صالحا للاستخدام في الحياة. ولدينا ولديكم من الأمثلة ما سنأخذ وقتا طويلا في ذكره. وسنترك ذكر هذه الأمثلة اختصارا للمقالة.

إن تجاوز الأفكار العقيمة أو الميتة يحتاج لشجاعة أدبية وأخلاقية وسياسية، فليس بالإمكان تحوير وقولبة الحياة من أجل فكرة أو أفكارا ماتت، وانتهى مفعولها في الحياة. وفي هذه تتمركز عقدة الأزمة في حد ذاتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى