إطلالة عن النقد والنقاد العرب

> منصور العبسي نعمان

> ينبغي أن ندرك بأن الناقد الأدبي تختلف نظرته إلى النص عن القارئ العادي، كونه ناقداً يمتلك ملكة نقدية وله معرفة واسعة وشاملة كما قد يكون له خبرة واسعة وتمرس في النقد.
كما أن الناقد ينطلق أو يستند في قراءته إما على فلسفته الخاصة أو على منظومة المعايير المعمول بها والمتعارف عليها في واقعه غالباً.

وقد يكون الناقد منهجياً لا يقتصر في تناوله للنص على التحليل النفسي أو الفني للنص أو كلاهما، بل يتجاوز ذلك لينظر إليه في ضوء المدرسة النقدية الحداثية التي يؤمن بها وقد يعتمد على أكثر من مدرسة أو مذهب أدبي نقدي حداثي أو ممتد إلى ما بعد الحداثة، لذلك نجد النقد لذات النص قد يختلف كثيراً أو قليلاً بين ناقد وآخر بناء على ما سبق، كما قد تختلف القراءات للنص ذاته اختلافاً كلياً بين ناقد وغيره من النقاد، وذلك حين يكون النص يحتمل قراءات متعددة.

ومن جانب آخر ينبغي أن ندرك ونحن في حضرة القصة بأن القصة القصيرة تعد نوعا أدبياً جديداً على واقعنا الثقافي والإبداعي العربي مثلها مثل ما يطلق عليه قصيدة النثر فكلتيهما ليستا ذات منشأ عربي، كما لا يصح اعتبارها غربية أو شرقية مستوردة أو إلصاق التهمة غزواً ثقافياً بها، كما فعل وظل من يطلق عليهم المحافظون منذ أعقاب ظهور هذه الأنواع الأدبية الجديدة في عالمنا العربي.

وسواء كان وراء أولئك دوافع سياسية أو دينية أو حتى أدبية صرفة. فلندعنا من ذلك ولنعتبر تجاوزاً أن ذلك كان ناتجاً عن دوافع طبيعية كمقاومة التغيير والخوف من الجديد، وبالتالي كانت محاولات التصدي لمثل هذه الأنواع الجديدة بالرفض، ولما لم يمكن ذلك ممكنا لجأوا لمحاولات تحجيم هذا أو ذاك الجديد ومن ثم إرضاخه لمنظومة المعايير النقدية المعمول بها في التعامل مع أنواع بل وأجناس كانت مألوفة ومعهودة لديهم.

حيث أطلق على القصيدة (المتحررة من القيود والحدود والضوابط تلك التي ترضخ لها القصيدة العمودية العربية والتي يحكم بموجبها على ما هو شعراً وما هو ليس شعراً) قصيدة النثر والتسمية لم تكن اصطلاحية ولا حتى على أساس إسنادها لأقرب شبيه معهود لدى العرب وهو النثر فحسب بل و أيضاً توافقية أو تصالحية.

مثل ذلك ونحوه هو ما كان وليس هو ما كان ينبغي أن يكون. فما كان ينبغي هو اعتبار هذه القصيدة المتحررة شعراً عالمياً وحاله كحال أي نبتة بدأت في الظهور هنا أو هناك، ومن ثم أخذت في الانتشار في كل بقاع الأرض و كأي ظاهرة جديدة أو مظهر من المظاهر الثقافية لمرحلة تاريخية لاحقة أو لمرحلة من مراحل تطور العقل الإنساني، أو ربما كمعطى من معطيات مرجعية فلسفية جديدة.

القصة القصيرة كان بدء ظهورها في عالمنا العربي حديثاً ولا يتعدى على أبعد تقدير قرنا واحدا من الزمن. وهي ذات هوية عالمية مثلها مثل القصيدة الجديدة المتحررة يفترض النظر إليها في هذا الإطار، أي في ضوء ما جاء به عصر الحداثة وما بعدها، وليس إرضاخها لمعايير نقدية وضعت لتقييم الشعر العمودي أو حتى لما سبق ظهوره من الأنواع السردية.

نعم هناك قلة من هؤلاء النقاد العرب نجدهم من خلال تناولاتهم النقدية لمثل هذه الأنواع الجديدة قد عدلوا عن ذلك فتجدهم يعتمدون على المدرسة الشكلانية ربما لكونها كما يرون المدرسة الحداثية الأقرب إلى خلفيتهم المعرفية وبغض النظر فمثل هؤلاء يظل واقعنا الأدبي حتى اليوم في حاجة لوجودهم، كون غالبية النتاج الإبداعي الأدبي العربي ما يزال متأثراً أو مرتبطاً ببيئته المحلية أو لم يتمكن بعد من الفكاك من مناخها القمعي كي يتحرر بعد ليرتقي لأفق العالمية.

لكن عصر الاتصال هذا الذي نحن حالياً وكل العالم نقف على مستهله بالرغم من حقيقة الهوة التي تواصل اتساعها ما بيننا وبين شعوب العالم المتقدم هي الكفيلة بصهرنا جميعا في بوتقتها لتجمعنا ربما ثقافة مشتركة ولغة مشتركة يفهمها الجميع، حينئذ لن يعد ممكناً إلا القبول بكون نتاج الماضي تراثاً نعتز به ولكن لن نكون مطالبين بأن نعيشه أو نظل في أسره أو نحتكم إلى معاييره.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى