الانتقالي بين الثورة والسياسة البحتة

> قبل عدة سنوات وفي بداية العقد الثاني من هذا القرن وبعد أن انتشر الحراك الجنوبي في كافة المحافظات الجنوبية وبعد أن تحول إلى عمل وفعل شعبي شامل يقارع الاحتلال سلميا، عقد مركز مدار للدراسات ندوة خميسية في مقره في حي عبدالعزيز تمحورت حول مستقبل الحراك بعد أن حقق نجاحات في كل المحافظات.

وقد قدمت مداخلة (ربما من حضر يذكرها) تركزت في إثبات أن الحراك قد تحول من فعل شعبي تلقائي يقوم به مواطنو الجنوب إزاء الممارسات الظالمة للاحتلال إلى ثورة شعبية، وأتيت بأدلة تثبت اختلاف الظاهرة الجنوبية عن غيرها من هبات الشعوب العربية آنذاك، وبالتالي فإن ما ينقص هذه الثورة الجنوبية هو الدليل النظري للثورة وهو مرفوع في شعارات الجنوبيين وبحاجة لصياغة سياسية تكتب، ومجلس سياسي وعسكري لقيادة الثورة.

مضى الوقت وجاء الغزو الثاني للجنوب في 2015 وتم طرد الغزاة، وجاء بعد ذلك الانتقالي وجاء برنامجه، وحصل على كل ما يلزمه للمضي قدما كقائد للثورة الجنوبية. حينها قلنا، هذه هي ثورتنا استكملت أركانها. لكن الانتقالي وبعد ثلاث سنوات من التواجد على الساحة الجغرافية والسياسية وقع في خطأ سياسي منهجي (في تقديري المتواضع) وهو الخلط بين العمل الثوري كقائد لثورة شعب الجنوب، وبين العمل والتواجد في الساحة ككيان سياسي بحت، كبقية الكيانات السياسية المتواجدة في الساحة، يحمل على عاتقه آمال شعب الجنوب الذي منحه التفويض الكامل، وبين الكيان الثوري الذي يقود الثورة نحو أهداف محددة بدقة في أدبياتها.

هذا التماهي بين الفعل الثوري الذي انسحب تدريجيا مع الوقت، ليحل محله لعب دور الكيان السياسي المتواجد كغيره من الكيانات السياسية، ومنها الأحزاب اليمنية الدكاكينية، أدت إلى تماهي الأهداف أمام الانتقالي الذي يناضل من أجلها، وتراءى له أن بالإمكان الوصول إليها وتحقيقها، حسب تعبير الرفيق عيدروس الزبيدي، بأأمن الطرق التي لم يعط لنا توضيحات لماهيتها وكيفيتها. وهنا يكمن الخطأ الاستراتيجي للمجلس.

الطريق الآمن الذي ملينا من السماع عنه وحوله، اتضح أنه (وبالتجربة) طريق التركيع والتجويع والإذلال والإهانة والترويع والموت البطيء للأمة بأكملها. فهل آن لنا التراجع عنه؟ إنه الطريق الأكثر ضررا بوحدة الشعب وبوعيه وأكثرها انحرافا عن قضيته العادلة. هكذا يقول الواقع وهكذا نبتعد رويدا عن هدفنا وأملنا بوطن حر وسعيد بما يمتلكه من عقول الرجال وثروات هي من هبات الخالق.

هنا وجد المجلس نفسه في ورطة بينية، أن يقود الثورة ويحدث التغيير الحقيقي في المجتمع ويتحمل مسؤولية ما يحدث على الأرض، أو أن يظل مطارِدا للأهداف التي من أجلها وجد.. عن طريق العمل السياسي المتشابك والمعقد داخليا وخارجيا، وهو ما أضعف أداءه وأفقده الكثير من تعاطف القواعد الشعبية التي يفترض أن تكون سنده الاستراتيجي الدائم في مسيرته وليس أي جهة أخرى.

عفوا... ليس هناك من طريق للحرية سوى ذاك الطريق الذي سارت وتسير فيه الأمم المظلومة والمغلوبة على أمرها، وذهبت فيه أرواح مئات الملايين من الثائرين في طول المعمورة وعرضها.
عفوا.. هذا الطريق ليس طريقنا يا سادة، فنحن شعب لن يركع ولن يخضع لمستعمر جديد، وهناك فرق يدرك بالغريزة ناهيك عن العقل بين العدو والحليف. ولن تجبرونا ولن تستطيعوا إقناعنا بغير ما نراه ونسمعه ونعيشه وتكتوي جلودنا بناره.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى