سينما الحرية "قصة قصيرة"

> صالح بحرق

> بعد أن تناولت عشائي في مطعم زمزم وقفت أمام شباك التذاكر في سينما الحرية لمشاهدة فيلم الليلة.. لم تكن تستهويني مشاهدة الأفلام بالرغم من حفظي لأسماء مشاهير السينما.. لكني دخلت سينما الحرية التي تقف قبالة مقهى زمزم من شارع غاندي لسبب آخر.

كان الليل قد ألقى بردائه على الأنحاء، وكنت تشاهد العدنيين وهم يحتسون الشاي على طريقتهم. كانت مكتبة دار الكتب في الشارع الطويل مفتوحة، وكنت تبصر المكتبي يجول بين الرفوف لرفع الكتب المستخدمة القديمة، وقد احتشد بجانبه على الرصيف نفر لاحتساء عصائر الليمون، وعلى مقربة منه جلس بائع الفل والكاذي، وهناك في الطرف الآخر جلس ماسح الأحذية.

بدت سينما الحرية كاسم له دلالة خاصة عندي، ولعل هذه الدلالة من ضمن الأسباب التي جعلتني أدخل سينما الحرية لأشاهد فيلم (أبي فوق الشجرة) مثل ملجأ لمجموعة من الناس البسطاء.
عرفت ذلك من أشكال المترددين عليها، فأغلبهم من صغار الباعة.. ومن المهمشين.

وما إن بدأ الفيلم حتى هدأت الأصوات، وتراخت الأنفاس، واستراحت الجسوم المهدودة.
وقد تبين لي أن كثيراً من هؤلاء المشاهدين لا يأتون أصلاً لمتابعة قصة الفيلم، بل ليفروا من ضغوطات معينة تمنحهم السينما فرصة للتخلص والتحرر منها، إذ تقتطع جزءاًُ من أوقاتهم وتشعرهم أنهم أبطال على نحو ما.

أخذت أتطلع إلى الجالسين على المقاعد الحديدية تارة، وتارة إلى الفيلم، وكان الحاضرون يبتهجون للمناظر الساخنة، ويتقلص المكان أمامهم ليبدو لهم أنهم أمام أمانيهم، ويتحررون من ربقة آلام وأسى تطوقهم.
ورحت أفكر في زمن الفيلم الطويل الذي يمنح هؤلاء زمناً إضافياً للتصالح مع آلامهم وأتعابهم. إن الصورة تفتش في أعماقهم وتمنحهم متعة قصيرة.
وعندما أضيئت الأنوار، وانتهى الفيلم، ومات البطل تدافع الناس إلى الخارج.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى