الدولة والحكومة.. وما بينهما

> في بلادنا هذه اختلط الحابل بالنابل، والغث بالسمين، والصحيح مع الخطأ بتعمد في أغلب الأحايين، وأحيانا نتيجة الجهل المتفشي، الذي طال كثيرا من المستويات وبعضها مسؤولة عن حياة الناس والنشاط الإنساني بشكل عام. وإذا ما أضفنا إلى الوضع الاستثنائي بكل المعايير الذي تعيشه بلادنا عاملا آخر، ما انفك ينخر حياتنا على كل المستويات وهو غياب المعايير العلمية والآدمية اللازمة في اختيار هؤلاء المسؤولين، وآخر يتمثل في تدمير وتفكيك وإفراغ مكونات هيئات ومؤسسات الدولة من مضمونها، ويتمثل ذلك في عجز تلك المؤسسات عن القيام بالأدوار المناطة بها، تكون النتيجة هي الفوضى التي نعيشها. الفوضى السياسية الفوضى الأمنية، الفوضى العسكرية، الفوضى الصحية والفوضى التعليمية، الفوضى في البسط على الأراضي والبناء العشوائي، هي الأبرز في الفوضى الشاملة التي نعيشها.

أما الأسباب التي أدت إلى ذلك فهي كثيرة ومتعددة، لكنني أعتقد أن أهمها هو الأخطاء المفاهيمية ليس لدى الأغلبية من الناس فقط، ممن يسمونهم السواد الأعظم من الناس، بل ومن يمارسون السلطة أو التسلط على هذه الأغلبية من هذا الشعب. أدى ذلك إلى انزلاقنا التدريجي نحو التعدد السلطوي الفوضوي الذي يشكل خطورة على المجتمع، وهو البديل لغياب الدولة أو انهيارها، ومنه نستمر في الانزلاق إلى هاوية انهيار الدولة. وهو الأمر الذي نقترب منه أمام سمع وبصر العالمين الإقليم والدولي وسيكتوون مثلنا بالنار إن استمروا في صمتهم وعملهم اللا إنساني واللا أخلاقي الذي يدفعون بلادنا إليه.

الكثيرون منا لا يميزون الفروق بين مفاهيم أساسية مثل الدولة state والحكومة government والنظام السياسي political regime. وهي مفاهيم محددة بدقة أكاديميا وموسوعيا.

يفرد القاموس السياسي في تعريفه للدولة أكثر من تعريف من الأسهل مثل (الدولة: هي الشكل الذي ينظم بها المجتمع نفسه)، إلى المعقد مثل الدولة: هي منظومة التكوينات والهيئات والمؤسسات والأجهزة، المناط بها القيام بخدمة المجتمع وضبط وتسيير أمور المجموعة البشرية - الشعب - داخليا وخارجيا وطبقا للقوانين النافذة، أي أن الدولة عبر هذه الأجهزة تحافظ وتنظم حياة الأمة وتدميرها يعني إدخال الأمة في الفوضى التي ذكرنا. أما الحكومة فهي جهاز متخصص بالإشراف على قيادة وتوجيه منظومة الدولة التي سبق لنا ذكرها وفقا للقوانين وأولها الدستور. أما النظام السياسي فهو من يعكس الرؤى السياسية للحكومة في توجيه نشاط الدولة وهو عامل يتغير بتغير طبيعة نهج الحكومة نفسها.

قد لا تعكس الحكومة مصلحة أجزاء من المجتمع تقل أو تكثر، ولا المزاج الشعبي في مرحلة ما، وحينها يكون من حقنا (في الأنظمة الجمهورية) معارضتها وإسقاطها بانتخابات أو بالطرق التي ينظمها القانون، أو المستجيبة لتحقيق مصالح الشعب. لكن معارضتنا للحكومة لا يجب أن تمس مكونات الدولة وهيئاته ومؤسساتها وأجهزتها إذ إن المصلحة الجمعية تقتضي الحفاظ عليها لأنها أكبر من وأهم من الحكومة.

من حقنا أيضا الاعتراض على النظام السياسي وتغييره بنظام أكثر استجابة لمصالح الشعب وهو ما تمارسه الشعوب الأخرى أمام سمعنا وأبصارنا فذلك النظام لا معيار يحدد قيمته سوى استجابته للمصلحة العليا، ونحن نرى بأم أعيننا كيف تتغير الأنظمة السياسية من اليمين إلى الوسط إلى اليسار مع بقاء بنية الدولة مصانة إذ هي خادمة للشعب، أو هكذا يفترض بها أن تكون.

الوضع الذي نعيشه في بلادنا يستدعي مننا رفع درجة وعينا والانتباه والحذر وأن نحافظ على ما تبقى من كينونة الدولة التي تأكلها بكل الطرق حكوماتها التي تفسد في الأرض ثم تغادر معززة مكرمة، خدمة لأفراد ولقوى داخلية وخارجية من مصلحتها أن لا تقوم لهذه البلاد وشعبها قائمة، وفقا لما تقتضيه مصالح هذه القوى الذين يسومون أبناء هذه البلاد سوء العذاب على كل المستويات.

نعم نحن ضد هذه الحكومات التابعة الخانعة لغير شعبها، ولن تنطلي علينا الألوان التي تتستر بها... لكننا سنظل نحافظ (وهي دعوة نرفعها لكل أبناء الوطن الغيورين) نحن وكل الخيرين من أبناء الوطن، كل في مجاله، على مكونات الدولة المستباحة. وسنظل نرمم المتآكل منها لأن ذلك ما تقتضيه مصلحتنا العامة العليا التي هي أعلى من الجميع ويجب أن تكون فوق الجميع طال الزمان أم قصر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى