الحزب الاشتراكي اليمني ... عد إلى المنزل

> طرقت الساعة الواحدة بعد منتصف الثورة ، والوقت قد تاخر جداً ، والحزب الاشتراكي اليمني ما زال خارج المنزل ، يتسكع مع مجموعة من احزاب الحافة ، وفي ركن اللقاء المشترك (سابقا) يتعاطى بعض الاجندة الضارة ، متناسياً امه التي ارضعته خيرها ، وحيدة في المنزل ، لا ماء ولا كهرباء ولا طرقات ولا حياه ، وحين غادر لم يغلق الباب وراءه ، ولم يترك بقايا طعام في المطبخ ، ولم يحسن مع جيرانة لكي يساعدو امه في غيابه.
وبعد ٣٠ سنة من خروجة من المنزل ، والعيش في المنفى والشتات ، وتحت برودة ليالي صنعاء القارسة ، التي اخذت منه ملابسة ، واجدبت سنابلة ، وجف حبر قلمة ، وتناسى الرفاق بعضهم ، لم يعد إلى المنزل بعد ، بل قرر البقاء حتى الان تحت جنح الظلام يتيماً مشرداً ، لا أم ولا رفاق ، وآخر ما يملك سنابل لا حب فيها ...

الحزب وطريق العودة
في ٩٠م دخل الحزب الاشتراكي اليمني الحزب الاوحد الحاكم للجنوب في اتفاقية الوحدة ، وفي دستور الدولة الجديدة توافق منضرو الحزب وشركائهم الجدد على إن اليمن بلد مدني جمهوري يحتكم إلى صناديق الاقتراع لتبادل السلطة ، وبما أن الجنوب سكانه يمثل ربع سكان الشريك الجديد ، سيكون الحزب في الدولة الجديدة حزب معارض بكل تاكيد ، هؤلا الحزبيين كانت عقولهم قد نخرها الدود لكي يوافقوا على مثل هذا ، إلم يفكر احدهم بمعضلة السكان؟  أم انهم لم يعرفو ما تعنى صناديق الاقتراع ؟ ، وفعلا بعد اول انتخابات للبرلمان وجد الحزب نفسة حزب معارض ، وان عليه النزول للشارع لابداء غضبة ، فجئة عرف هؤلا الحزبيين انهم في ورطة ، وما زاد الطين بلة أن حزب الاصلاح الشمالي قد حقق مقاعد تقارب حصة الاشتراكي نفسة ...

قرر الحزب بعد ان شعر بالضياع وبانة قد أكل الطعم ، تغيير القواعد ، لكن للاسف كان الوقت قد فات ، فاتفاقية العهد والاتفاق وكما قال البيض وقعناها وفي قلوبنا ألم ويقين بان الشريك لن  يصدق ، لن تعيد الحزب إلى المنزل ، فصنعاء كانت تعد العدة لتشريده ، بل قد اعدت العدة ، فانفجرت حرب ٩٤م بعدها مباشرة ، وبعد ٧٧ يوم من الحرب هرب اغلب قيادات الحزب إلى المنفى ، تاركين خلفهم شعب محتل ودولة تاكل ونظام يباد وحاكم جديد لا يعرف إلى الدم والقتل ..

وفي ١٩٩٧م ومن برلمان صنعاء قرر محمد عبدالله بن سهيل ، رجل الحزب الذي لا يتكرر ، تاسيس كتلة الحزب الاشتراكي في البرلمان ، لقد بداء زمن المعارضة ، واصبح الشارع منزل للحزب ، بعد الماضي التليد والحزب الاوحد ، اصبح مشردا يكتنف الشوارع بحث عن مؤيد هنا وعن توافق هناك ، وعادت قيادات الحزب التي غفر لها نظام صالح بعد الحرب إلى اليمن ، واصبح ياسين سعيد نعمان رئيس اول برلمان في اليمن ، عراب للحزب ، وعادت القواعد الشعبية للحزب لاسيما في ردفان  والضالع للنشاط ، وزاد معها الغضب الشعبي في الجنوب ، ووجد الحزب بعد احداث ١٩٩٨م في الجنوب بان الارض مناسبة للبحث عن طريق للعودة إلى المنزل الذي خرج منه ، فاصبحت قياداته تقود هذه الانتفاضات الغاضبة ، ولكن دون أن يرتبطو مباشرة بالامانة العامة للحزب ، لقد وجد الجنوبيين في الحزب بان الحزب لم يعد ملكا لهم ، فاصبح الشركاء من ابناء الشمال حزبيين اكثر من الحزب تحت اطار وحكم صنعاء وثوابتها ،  فزاد الوضع اكثر صعوبة في تحديد الطريق إلى المنزل ، لقد صار لدينا غرباء في الطريق ..

كان لزاما على الحزب أن يبحث في اطار المعارضة عن حلفاء ، طريقة ازاحة صالح تتوجب أن تندمج كل احزاب المعارضة في اليمن في نسق واحد ومرشح رئاسي واحد في انتخابات ٢٠٠٦ م ، فولد اللقاء المشترك ، والحزب احد رواد هذا اللقاء ، فانزادت القيود على قيادات الحزب وخاصة قيادات الصف الثاني إلتي تبقيهم بعيدا عن المنزل اكثر ، ولزاما أن ترضى عنهم احزاب الحافة المتواجدة في هذا اللقاء ، بل ايضا الغرباء عليك أن تاخذ بالحسبان رضاهم ، لكن خطة احزاب المعارضة فشلت ، وها هو صالح رئيسا لليمن مجدداً ، فانزادت الفجوة بين احزاب اللقاء ، وبداء حلم المنزل والام التي تسكنة يعود إلى قيادات الصف الثاني في الحزب وبشدة ...
وبمجرد انطلاق الحراك السلمي الجنوبي صارت قيادات الصف الثاني فعالة ومؤثرة وقيادية ، وزاد معها غضب الغرباء ، مما دفع بعض قيادات الصف الاول للانخراط في الغضب الجنوبي وبسرعة ، ومعه اعتقل اغلب قيادات الحزب ومنهم علي منصر محمد عبقري الحزب الذي يعرف كل شيء ، ومعه ناصر الخبجي الذي اصبح هارب ومشرد بين جبال ردفان ، لكن أليس اغلب قيادات الحزب التي انخرطت في الحراك كانت تغضب للقاعدة الشعبية التي آتت منها  وليس لغضب الحزب نفسة ؟، فالاسماء التي ذكرت في هذا المقال تكاد تكون حصراً على ردفان ، وردفان هي خاصرة الثورة ودليل الجنوب إلى المنزل ..

وبعد فبراير ٢٠١١م ولد عقد سياسي جديد في اليمن وها هو صالح وحزبة المؤتمر الشعبي العام اصبح من احزاب المعارضة ، وكما قال هو ساعلم المعارضة كيف المعارضة ، وفي هذا العقد الجديد حصل
الحزب على حقائب وزارية في الحكومة الجديدة ، واحتفلت الامانة العامة للحزب بذلك ، لكن ذلك لم يُدم ، فالحوثي قد غير كل قواعد اللعبة ، وباندفاع غير محسوب شن الحرب على الجميع ، فاعُلن عن تحالف عربي لردعة ، ومعه تغيرت كل قواعد اللعبة في اليمن ، وصار الرئيس هادي في اطار المعارضة ايضاً ، انها غرابة السياسة في اليمن ، ومن الرياض بداءت معارك تحرير عدن والجنوب من الحوثي ، وعند اكتمال تحررها عاد بحاح إلى رئاسة الحكومة ، واصبح عراب الحزب ياسين سعيد نعمان الذي لم نستطع أن نقدمة للعالم ، او الذي لم يستطيع أن يقدمنا هو للعالم ، سفيراُ لليمن بلندن ، المفترض أن يكون هذا الرجل رئيس للحكومة وليس سفير ، أنها احد غرائب السياسة في اليمن ايضاً ، فكل عرابين الاحزاب حول العالم يسعون إلى رئاسة الدولة او الحكومة وليس ليكونو سفرا ..

ومعه اصبحت قيادات الحزب المرتبطة بالحراك الجنوبي اكثر تاثيرا وارتباطا بصناعة القرار ، فعين بعض منها كمحافظيين ، ها هم الجعدي والخبجي وغيرهم على رأس السلطة المحلية في محافظاتهم ، لكن الامر لم يستمر ، فقرار هادي باقالة كل القيادات المرتبطة بالحراك زاد الامر علة ، فايقنت هذه القيادات ان عليهم توحيد انفسهم في اطار سياسي وعسكري له ثقل على الارض ، فالارتباط بجنوببة هادي لن يعيدهم إلى المنزل ، وفي مايو ٢٠١٧م أسُس المجلس الانتقالي الجنوبي ، وبعد اندلاع حرب اغسطس والاعلان عن اتفاقية الرياض ، زادت مشاعر الحزبيين تجاه امهم ، واقتربت رؤيتهم مع رؤية المجلس حول المستقبل ، لكنهم لم يفصحوا عن ذلك في اطار رؤية الحزب في اليمن بعد انتها الحرب ، ولو اعلنو ذلك سيكون وقت العودة إلى المنزل قصيراً ، ويكون لديهم رفقاء هذه المرة بدل الغرباء ، والذي اصبح رضاءهم لا يحسب له ، حتى أن قناة بلقيس بثت خبر عن بيع حصة الحزب في الحكومة للمجلس ، وهو ما يدل على أن العودة إلى شوارع صنعاء الباردة من قبل الحزبيين محال ..
أن تجربة الحزب الاشتراكي في السلطة جنوبا مليئة بالصواب والاخطأ ، وبعد الضياع كان يتوجب عليه أن يقدم اعتذارا صريحا عن ما حصل ، وأن يقود مسيرة العودة إلى المنزل ، كحزب وليس كاشخاص ، فالاحزاب لها ثقلها امام المجتمع المحلي والدولي ، ولعل الحظ كان ظالما تجاه الحزب ، لكن ترك المنزل دون خطة للعودة هو تيه وضياع ، وهذا ما حصل ، ولعل الحزب كان مخمورا بالقومية العربية ، لكن هذا لا يغفر له كل ما حدث ، وبعد ٣٠ سنة ربما يعود علي سالم البيض إلى عدن حاملاً سنابلة التي اكلها غراب صنعاء ذات يوم ، ومعه قيادات الحزب التي هزمت في ٩٤ م ، لكن يعودوا بحزب آخر ليس
 الحزب الذي غادر المنزل ، او حتى يعودو كمواطنيين فقط وهذا يكفي ..​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى