​أسئلة في فن الممكن

>
بعد أن غيرت الشرعية هدفها المتمثل في إسقاط منظومة الحوثي في صنعاء وأراضي المحافظات الشمالية واستعادة الدولة التي ذهبت مع الريح إلى الرياض. وبعد أن تنازلت عن الأرض الشمالية وما عليها من أسلحة ومعسكرات لقوات الشمال الحوثية، يممت الشرعية نحو الجنوب لتحريره من سكانه وأهله عوضا عن قتال الحركة الحوثية وشركائها، الذين انقلبوا على الدولة، حسبما يقوله إعلام التحالف والشرعية.

أيا كان رأينا فيه، فالحوثي لا يخفي أنه يحمل مشروعا سياسيا، له منطلقاته الفكرية المخالفة أو المتفقة كثيرا أو قليلا للسائد في الشمال. حتى وإن كانت مرفوضة من كل أو نسبة من العامة أو القوى السياسية المؤيدة لمشروعه في الشمال. ونظرته للجنوب كما يظهر في إعلامه متأرجحة مناوراتيا، ويبدو أنها لا تختلف عن سابقيه، مع وجود لخطاب إعلامي يحاول أن يظهر تفهما من نوعا ما (لمظلومية) الجنوبيين من تعسفات النظام العفاشي. لكن الذي نعرفه أنه لم يجب رسميا على السؤال المهم: ما هو موقفه النهائي من القضية الجنوبية، حتى تكون القيادة والشعب في الجنوب على بينة من أمرهم؟

أما الجنوبيون وممثلهم المجلس الانتقالي في الجنوب فقد استطاع إلى حد ما، أن يوحد إلى درجة معقولة (لكنها تحتاج للتطوير) رؤى الشارع الجنوبي وأهدافه (وأولها استعادة الدولة الجنوبية) في التعامل مع الحاضر والمستقبل فيما يخص الجنوب كأرض وشعب، وكذا في رؤيته لطبيعة علاقات الجنوب والشمال في المستقبل، وقد عكس ذلك في أدبياته التي يحاول تنفيذها على أرض الواقع.

أما عن رؤية الشرعية لمستقبل البلاد فإنها لا تزال ترى اليمن موحدا في إطار مخرجات ما يسمى بالحوار الوطني، الذي لم يشارك فيه الجنوب. ويعلم الجميع التحايل السخيف الذي قام به مخرجو مؤتمر الحوار حين منح الجنوبيين ما سموه بنصف العدد المدعو من خلال تمثيل الأحزاب اليمنية. حتى المكونات التي دعيت للمشاركة وكأنها جنوبية بحتة، رأت الغبن الذي سيلحق بالجنوب فآثرت الانسحاب من المؤتمر وكفى الله المؤمنين شر المشاركة في سوق عكاظ. نقول إن رؤية الشرعية لكيفية الخروج من هذه الأزمة، إما أن تكون شبه معدومة، أو مستندة لما سميت بمخرجات الحوار الوطني، التي رفضها الجنوب والقوى الشمالية المؤثرة ممثلة بالحركة الحوثية. وهي مخرجات غير مستقيمة سياسيا واجتماعيا وفضفاضة وتحتمل القسمة على نطاق عددي أكبر من اثنين،  فهي لا تستقيم مع معطيات الجغرافيا ولا الاقتصاد ولا التركيبة المجتمعية ولا حتى بديهيات علم الاجتماع. لذلك فإننا لا نستطيع أن نستخرج من قراءتنا لسياساتها وأطروحاتها تجاه المستقبل شيئا، يمكن البناء عليه، سوى أمرين:

الأول: رغبتها في استمرار الحرب العبثية في البلاد من خلال إسقاط الجنوب أولا، لكن المؤكد أنها تعمل لتحقيق أجندتها الخاصة واستفادة تجار الحروب في الداخل والإقليم من ذلك.
الثاني: اجترارها لنفس سياسة وأساليب عفاش في الحكم، من خلال من تبقى من منظومة عفاش والتمدد والتوسع في بناء منظومة حكمها بإضافة جناح (جديد/ قديم) يتمثل في منظومة الإخوان المسلمين الحليف الذي يمثل الأس والأساس في دعم بقاء الشرعية موجودة حتى اليوم، نظرا لما يمتلكه الإخوان من علاقات واسعة وممتدة داخليا وخارجيا، وإن كان ذلك الاجترار عقيما ويحمل نكهة الفشل برغم كل الدعم اللوجستي الذي يتلقوه من التحالف وأعداء التحالف في المنطقة والعالم.

نستخلص من ذلك، الفشل الذريع للشرعية وانسداد أفقها السياسي واضمحلال شرعيتها في إطار الشمال، بعد أن أصبح أنصار الله مسيطرين عل كل محافظات الشمال. لم يتبقَّ لها سوى الحبل السري الذي يغذي علاقتها مع التحالف وهو أمر منطقي كذلك لحاجة التحالف للشرعية كمحلل ومبرر لوجوده نفسه في البلاد.
وعلى المستوى العالمي، لا نجد حضورا للشرعية كقوة مناط بها قيادة البلاد، ولا نجد تحشيدا دوليا تقوم به الشرعية لمساعدة البلاد في الخروج من أزمتها، وبناء على ذلك فإن جيش الدبلوماسيين المنتشرين في بقاع العالم لا يحلل لقمته المكلفة بالعملة الصعبة، المنتزعة من قوت هذا الشعب المتعوس بهم. نستنتج من ذلك أن اعتماد الشرعية على دعم دولي وعالمي، يمكنها من فرض الحل على بقية الأطراف هو أمل ضعيف ويؤول إلى الصفر تقريبا. و باستثناء العمل (الدبلوماسي) التي تنظمه الدولتين الكبريين في التحالف ولا سيما الشقيقة الكبرى، المتمثل في تنظيم  اللقاءات الدبلوماسية الأجنبية بأطراف مؤتمر الرياض (الشرعية والانتقالي)، لكي تظهران للعالم أن عملا سياسيا من نوع ما يحدث.

إذا ما تحلينا بالمنطق والواقعية السياسية وقرأنا معطيات الواقع، ومن ضمنها بنود اتفاق الرياض التي نشرت (لا نعرف شيئا عما لم ينشر إن وجد)  الذي يقضي بإرجاء بعض القضايا إلى حين، يأتي مستقبلا وفيه يتم جلوس الأطراف (لم يحددوها)، لكنها على الأرجح وحسب قراءة الواقع وأعمال المنطق ستتكون من (الشرعية والانتقالي والحوثي) على طاولة مفاوضات، تفضي بدورها لحل سياسي للأزمة اليمنية. نقول إذا ما تحلينا بالمنطق والواقعية السياسية، فإننا سنجد أن الحوثيين يحظون باعتراف دولي مباشر أو ضمني - من خلال عدم الممانعة المباشرة للتعاطي مع الحركة - باعتبارهم قوة عسكرية وسياسية استطاعت التمدد والسيطرة على الأرض في كل مساحة الجمهورية العربية اليمنية، كما استطاعت الحفاظ إلى حد معقول على مكونات الدولة من هيئات ومؤسسات وأجهزة تابعة للدولة في المساحة التي يسيطرون عليها بالرغم من سقوطهم في هنات وأخطاء هنا وهناك بحكم تركيبتهم المليشياوية.

الحقيقة إن الإشارة في اتفاق الرياض (وهو موقع بين الشرعية والانتقالي) إلى مفاوضات نهائية بين أطراف الأزمة اليمنية، أمر مفتوح لتحديد من هم أطرافه، وهناك احتمالات لتفسيره. احتمالات لا يمكن أن يكون فيها احتمال غياب الطرفين الموقعين. أو احتمال إمكانية غياب أحد الطرفين الموقعين على سبيل المثال. وهنا نشير إلى ألاعيب كثيرة تحدث للتشكيك في وجود الانتقالي وعما إذا كان بمفرده يمثل الجنوب؟، وهنا يأتي دور الانتقالي وديناميكيته (الضعيفة للأسف) في خلق التحالفات مع كل القوى الجنوبية ذات التوجه الواحد معه وتعزيزها بالتفاف شعبي يسقط مناورات الأعداء.

كاحتمالات تبقى عملية الحساب ناقصة، لعدم وجود من يمثل الشمال، إذن هل هي أحزاب الدكاكين المنشغلة بأرزاقها في الرياض؟ هل هو الحوثي المسيطر بالكامل على الشمال؟ إذا افترضنا أن الحوثي هو ممثل الشمال ومعه بعض المسميات الحزبية من مشتقات الدكاكين لزوم الديمقراطية والتعددية. فإن الأطراف الثلاثة تكون قد اكتملت. وحينها يطرح السؤال نفسه على التحالف والأطراف: لما لا تعقد هذه المفاوضات النهائية لإخراج البلاد والعباد من هذا الوضع البائس؟ ما شروط انعقاد هذه المفاوضات؟ ومتى ستنعقد؟ كم من الدمار يجب أن يحدث لهذه البلاد التي أنهكتها الحروب؟ كم من الحكومات يجب أن يتشكل وكم على هذه الحكومات أن تنهب من خيرات البلاد وتغادر إحداها لتأتي أخرى؟

علما أن طرف التحالف على علاقة طيبة ويتحاور مع كل هذه الأطراف بطرق مباشرة أو أخرى غير مباشرة، كل هذه الأسئلة تؤكد أن الشعبين في الجنوب والشمال قد سئما لعبة الحرب القذرة، وعلى اللاعبين السياسيين من الداخل والخارج أن يعملوا على إنهائها قبل أن تصل البلاد إلى مرحلة الفوضى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى