«عمالة الأطفال» بين خنق الطفولة وجشع أرباب العمل

> تقرير/ ملاك نبيل

> الدراسة لم تعد مجدية وعمل الأطفال ينقذهم من الضياع
تنتشر عمالة الأطفال في العديد من الدول النامية كظاهرة تهدد سلامة وصحة الأطفال العاملين، وتحرمهم من حقهم في التعليم واللعب.
وتقدر آخر الإحصاءات الرسمية أن عدد الأطفال العاملين في اليمن يفوق 400 ألف طفل عامل ينتمون للفئة العمرية (10- 14 سنة)، نسبة الذكور منهم 55.8 %، والإناث 44.2 %، وأفادت منظمة العمل الدولية في تقرير لها بأن نحو 34.3 % من أطفال اليمن الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 عاماً يعملون.

ويسعى أرباب العمل إلى الكسب عن طريق توظيف عمالة من فئة الأطفال استغلالاً لحاجة الطفل للعمل، ويفضل عمالة منخفضة الأجر من الأطفال بدلاً عن العمال البالغين، ما يمثل أبشع صور استغلال الطفولة.
وحسب خبراء، يعدّ الفقر أحد أهم الأسباب التي انتجتها الحروب، ودفعت بالكثير من الأطفال إلى سوق العمل وانخراطهم في أعمال تستغل قوتهم وفكرهم ولا تسهم في تنميتهم، بل تعيق تعليم الأطفال وتدريبهم، وتغير شكل حياتهم والمستقبل.

ويلعب الوضع الاقتصادي المتردي في اليمن، وخصوصاً في ظل الأزمة السياسية والحرب والنزوح الجماعي من مناطق الصراع، إضافة إلى تقلبات الاقتصاد العالمي وما صاحبها من ارتفاع الأسعار والبطالة وانخفاض مستوى دخل الفرد، يلعب دوراً كبيراً في زيادة نسبة الفقر وتنامي ظاهرة عمالة الأطفال، ففي السنوات الأخيرة استفحلت تلك الظاهرة بشكل ملحوظ، إذ بدا العديد من الأطفال يتدفقون إلى سوق العمل بمختلف مجالاته كالعمل في المطاعم وورش إصلاح السيارات وأعمال البيع في الشوارع وغيرها من الأعمال التي يشكل معظمها خطراً على الأطفال، خصوصاً من هم دون سن الخامسة عشرة.

وتوجه الأطفال إلى سوق العمل يحرمهم من أهم حقوقهم التي يجب أن يحصلوا عليها، وهي التعليم والصحة، وعند الحديث عن عمالة الأطفال في اليمن ينتهي الأمر بوضع الأعداد والنسب في إحصائيات حديثة لتداولها دون الوقوف على الظاهرة كمشكلة حقيقية تهدد الطفولة والمجتمع في وقت لاحق، والعمل لإيجاد حلول وقوانين تنهي هذه الظاهرة وتحد من تزايدها.

كما يجب تسليط الضوء على نوعية الأعمال التي توكل للأطفال في أماكن عملهم والظروف العصيبة التي يمرون بها، والمخاطرة التي تواجههم إلى جانب الاعتداءات التي يتعرضون إليها خلال العمل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أرباب العمل يهملون توفير وسائل السلامة المهنية، ما يجعل الأطفال العاملين في خطر، ويعرضهم للإصابات من كسور وجروح وتسمم، بسبب المواد الكيميائية وخاصة في ورش إصلاح السيارات، أو السقوط من أماكن مرتفعة بالنسبة للعاملين في مجال البناء على سبيل المثال، ناهيك عن الأذى النفسي الذي قد يتعرض له الطفل العامل نتيجة العنف الجسدي أو المعنوي أو كليهما معاً من قبل صاحب العمل أو من زملائه في العمل، أو بعض الزبائن الذين يتعامل معهم.

ومثّل تهاون الدولة في التعامل مع الظاهرة منذ ظهورها وحرمان الأطفال من أبسط حقوقهم الواجب عليها توفيرها بيئة خصبة لتنامي عمالة الأطفال في السنوات الأخيرة في حين كانت الحرب عاملاً رئيساً دفع بالعديد من الأسر إلى الزج بأطفالهم إلى سوق العمل للتخفيف من آثار النزوح والتشرد وضمان البقاء على قيد الحياة في بلد موسوم بالفقر بغير حروب، كما يعتبر نقص الوعي والمستوى الثقافي للأسرة وعدم إدراكهم لفائدة التعليم ورداءة التعليم أساساً في اليمن، وسوء المعاملة داخل المدارس من الضغط والترهيب والعقاب من عوامل الدفع بالأطفال إلى العزوف عن مواصلة طلب العلم، والتوجه إلى سوق العمل في وقت مبكر جداً، ولا يمكن إغفال الوضع المعيشي المتدني لمعظم الأسر التي أضحت غير قادرة على الإنفاق على الأطفال ما يعزز فيهم الرغبة بالمساعدة والعمل لتوفير متطلبات العيش والتخفيف من الحمل والهم الواقع على أسرهم.

إن شروق شمس يوم جديد بالنسبة لكثير من الأطفال في مدينة عدن يعني التوجه لمقاعد الدراسة أو التنزه في عطلة نهاية الأسبوع، أما بالنسبة لمحمد ابن الشهيد البالغ من العمر 11 سنة، فهو يوم آخر من العمل والشقاء في ورشة لإصلاح السيارات.
يقول محمد: "أنا أعمل في ورشة إصلاح السيارات لساعات طويلة، لتوفير لقمة العيش ولمساعدة أمي وأخواتي، فأبي استشهد في الحرب وتركنا بلا معيل".

محمد لم يكمل تعليمه، وذلك بسبب ضيق الوقت الذي لا يتناسب مع وقت عمله، والذي لا يسمح له بأداء واجباته المدرسية، أو حتى الالتزام بالدوام الدراسية، "الدراسة تحتاج جهد واجتهاد وتركيز وأيضاً مصاريف، وفي ظل هذه الأزمة والغلاء أنا مجرد عامل في ورشة إصلاح السيارات وراتبي في بعض الأوقات يكون قليلاً لعدم وجود شغل في الورشة".

علي (10 سنوات) الذي يقف أمام آلة أطول منه، ويداه الماهرتان تجعل الزائر يراقب حركاتهما المتقنة والسريعة بتعجب بالرغم من الجروح البادية عليهما.

يقول علي: "أنا نازح وأعمل أنا وأخي الأكبر مني بعامين هنا بعد ما توفى أخي الكبير الذي كان مسؤولاً علينا بمرض حمى الضنك، فنحن لم ندخل مدارس منذ البداية، لقد كنا نعمل في المزارع، وبعد النزوح تعلمنا عمل إصلاح السيارات لكسب بعض المال الذي يساعدنا على العيش، في كثير من الأحيان نحصل على مضايقات من الزبائن مثل الصراخ علينا أو الاستهزاء بنا".

ويلاحظ أن كثيراً من الأطفال إن سألتهم: لماذا لا تدرس أو لماذا لا ترغب في إكمال الدراسة يرد بأن "الدراسة لم تعد تجدى نفعاً، ومن درسوا قبلنا هم أشباه أميين يجلسون لا شغل ولا مشغلة، على الأقل التوجه إلى سوق العمل يكسبك مهنة تأكل منها بالحلال".
الطفل أكرم يعمل مع والده في بيع الخضار إلي جانب إخوانه، يقول والده: "أفضّل تشغيل ابني البالغ من العمر 12 عاماً في محلى التجاري بدلاً من الإتيان بموظف يكلفني راتباً شهرياً إضافياً".

ويضيف والد أكرم: "التعليم أصبح يحتاج إلى الكثير من المصاريف المادية، ويتطلب الانتظار لسنوات طويلة، للحصول على وظيفة، لكن العمل بالتجارة يختصر سنوات كثيرة، ويمكننا من جمع مبالغ لن نستطيع جمعها في حال استمرينا بالدراسة".

والغريب أيضاً أن أرباب العمل الذين يشغلون الأطفال يعتقدون أن سماحهم للأطفال بالعمل لديهم يعد رحمة ومساعدة لهم، "نحن نوفر فرصة عمل وملجأ للطفل ونمنحه فرصة لتعلم مهنة يأكل منها عيشاً في وقت ارتفعت فيه نسبة البطالة في المجتمع بشكل كبير، نساعد الأطفال الذين يأتون للعمل هنا وأعمارهم بين 10-15 سنة، ونوافق على عملهم لمنع انجرافهم لطرق أخرى تضرهم وتشكل خطراً عليهم وعلى المجتمع، فعملهم في الورشة مثلاً يقيهم من خطر الوقوع في أيدي العصابات ومروجي المخدرات. حتى أن كثير من الآباء يأتون بأطفالهم إلينا للحصول على فرصة عمل نتيجة خوفهم من بقاء أطفالهم في الشارع وفراغهم الذي يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل العصابات".

وتبقى ظاهرة عمالة الأطفال موجودة ومتفاقمة يوماً بعد آخر في مجتمعنا المشتت، ولن يجد هؤلاء الأبرياء من ينقذهم من براثن الطمع والفقر طالما أن وضع البلد يسير بسرعة مهولة نحو المجهول. خنق الطفولة إصابة للمجتمع وتهديد بأمنه على المدى البعيد في حال غضضنا الطرف عن أمنه المهدد في الوقت الراهن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى