اتخاذ القرار بين العلم والتنجيم

> في كل قضية أو أمر، شخصيا كان أو عاما، يجد المرء نفسه بالضرورة أمام مسألة اتخاذ القرار، الذي يجب بالضرورة أن يخدم مصلحة الإنسان الخاصة، أو المصلحة العامة حينما يكون الأمر عاما، كمصلحة الشعب أو الأمة التي أوكلت إليك الأمر بطريقة من الطرق. هذه الخيارات التي يجب أن نختار منها بالضرورة أيا كانت، تتشكل بفعل عاملين أساسيين هما:

العامل الذاتي الذي ينشأ من خلاصة الخبرة والتجارب والحسابات الذاتية التي تحدد ما يجب فعله للحصول على القيمة الأعلى من تحقيق المصالح.
العامل الموضوعي، وهو محصلة تأثير كل العوامل الخارجية المحيطة التي تمثل مصالح الآخرين دولا كانت أم أفرادا.

يقال في علم اتخاذ القرار ويسمى كذلك بـ"نظرية اتخاذ القرار" إن صوابية اتخاذ القرار لدى متخذه ليس درجة ذكاء الأخير أو دهائه (فالذكاء و الدهاء ليس سوى عوامل مكملة)، بقدر ما هي امتلاكه للمعلومات الدقيقة غير المنتقصة أو المضللة عن الموضوع أو القضية محور النقاش أو التي ينبغي اتخاذ القرار بصددها. فالمعلومات الصحيحة وتوفرها لدى متخذ القرار هي المحددة لصوابية القرار.

عند قراءتنا لمعطيات الحاضر، وما نعايشه من أحداث، و ما نراه من سياسات صادرة مِمَن نسميهم حلفائنا(لا أعلم بماذا يسموننا به)، ينتابني إحساس مخيف من طريقة تعاطي قياداتنا مع الأحداث والمستجدات في قضيتنا الجنوبية. صحيح أننا لا نمتلك المعلومات الكافية والدقيقة حتى نستطيع استقراء الواقع بدقة والتعاطي مع ما سيحدث غدا، لكننا نستطيع مقاربة وربط الأحداث التي تجري لنا ومن حولنا، وتكوين المعلومة التي قد تكون صحيحة أو غير كاملة الصحة. أشعر أننا نتعاطى مع ما يحدث بعقول المشعوذين وليس بعقل علمي. أشعر بأن قيادتنا التي أوليناها الأمر والأمور تتعاطى معنا بطريقة "اهدؤوا فليس لكم إلا ما قررناه وارتأيناه كمفوضين من قبلكم". وهنا لا نخاف من الأمور التي يقررونها أو سيقررونها، فمصدر الخوف عندنا هو أن لا نكون نحن من سيقرر أمورنا، أو أن ما سيقرر علينا في ظل عدم وضوح الرؤية لدى من حولنا، ليس بمستوى أحلامنا وآمالنا. هذه الهواجس هي ما يشعرنا بالقلق، وما يجعلنا ثابتي التوازن في حالات كهذه، فنقولها بكل الصدق، هي وعود الرجال الذين يقودون قضيتنا لنا، وما نعتقد أنهم يمتلكونه من الشجاعة والرصيد النضالي ضد حكم الطاغية الطائح في السنوات السابقة. وبرغم كل ما نراه من مؤامرات تحاك عل الشعب الجنوبي من أكثر من مصدر، وبرغم الإقامة شبه الدائمة للقيادات خارج البلاد وابتعادهم عن معاناة ونبض الشارع الجنوبي، وما يصاحب ذلك من قلق يفضي إلى الشك بعدم قدرتها (القيادة) على حلحلة كثير من القضايا المعيشية والخدمية بها، فلا يزال لدينا اعتقاد أن لديهم من الشجاعة ما سيسمح لهم أن يواجهوا الشعب بالحقائق وإعلام الناس بها، دون تفريط في الثوابت التي اجمعنا عليها شعبا وقيادة. وهذا ما يجعلنا نطمئن إلى حد ما. وإننا على ثقة أن تجربة الثلاث السنوات من القيادة قد صاحبتها أخطاء يجب تصحيحها بالضرورة في أسرع وقت، مثلما حملته من خطوات وإجراءات صحيحة ينبغي تعزيزها والبناء عليها. هذا كله يحدث في غياب إعلام مقتدر قادر على قولبة أفكار المجتمع الجنوبي وجعلها تتعايش مع الأحداث وتتفاعل مع المجريات الخطيرة والحاسمة التي يمر بها الوطن وقضيته. هواجس مشروعة كثيرة أكتفي منها بهذا القدر، فربما نجد من يتفاعل مع ما نقوله أو نكتبه بموضوعية بعيدة عن التشنج والتشكيك في الآخرين فالوطن أكبر مننا جميعا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى