العنوان الآخر.. للصراع في اليمن

> ما لا يفهمه الكثيرون (في الشرق والغرب و حتى في البلدان العربية) أن التهميش والإقصاء والإلغاء الذي عاناه ويعانيه شعب الجنوب، والاستحواذ على الثروات الجنوبية الطبيعية ( بكل أشكالها برية كانت أو بحرية) الذي مورس على أبناء الشعب الجنوبي، من قبل نظام الشمال لا سيما بعد حرب 1994 بين الشمال والجنوب قد أحدث شرخا عميقا في الوعي والوجدان الشعبي، الجنوبي وهو ما أدى إلى انتفاضة الحراك السلمي الجنوبي، المطالب بالحقوق المهدرة التي تم تجاهلها، لتتحول إلى مطالب سياسية عنوانها استعادة دولة الجنوب، كمخرج وحيد يتكفل باستعادة الحقوق المنهوبة، وفيها الحق في العمل الذي أصدرته وألغته منظومة 7/7.

جاء الغزو الشمالي الثاني ليقضي على كل أمل جنوبي في تصحيح شوكة الميزان غير العادل، وليكون ذلك الغزو الشمالي للجنوب (حرب 2015) الشرارة التي أشعلت الثورة المسلحة، والمستمرة حتى يومنا هذا. الشعب الجنوبي اليوم ينطلق من حقيقة إنسانية يعرفها الجميع، هي أن الوطن هو الوعاء الذي يجب أن تولد وتنمو وتزهر فيه أحلام الناس بكل أطيافهم، أيا كانت تلك الأحلام، وهي متنوعة بتنوع البشر أنفسهم. والوطن المزدهر إنما يكون نتاجا طبيعيا لازدهار حياة أبنائه، حياة عنوانها معيشة كريمة، وتوزيع عادل للثروات القومية، وقانون يصون حقوق الناس، ودولة تفي بمتطلبات الناس من تعليم وصحة وخدمات أساسية وغير ذلك من الحقوق الطبيعية للإنسان في أي مكان من عالمنا المتصل والمتواصل.

إذن فإن الصراع على الثروة في الجنوب، التي سيطر عليها النظام العفاشي وزبانيته بالمطلق تقريبا، هو أحد عناوين الصراع السياسي القائم بين قوى الماضي والقوى الصاعدة في اليمن بشطريه، إضافة للقوى الخارجية المستثمرة في هذه الثروات ويضاف إليهم أطراف جديدة تحاول الحصول على الثروات التي لم تدخل مرحلة القاسم بعد. الواقع يقول أن الشعب صاحب الثروة قد أقصي عن نيل حقوقه في الثروة طوال الأربعة العقود الماضية. وهو اليوم، وبعد كل هذا الدمار والتضحيات، يرفض قوانين اللعبة السابقة، ويسعى لإلغائها أو على الأقل لتعديلها. القوى الخارجية -في تقديرنا- ليس من مصلحتها على المدى القصير أو المتوسط، الوقوف بجانب أجنحة الدولة العميقة، التي تشظت في الشمال ومعها توابعها الجنوبية التي لا تزال تتمسك بالسيطرة على البلاد وما فيها من ثروات. على القوى الخارجية الشريكة في تقاسم الثروات في البلاد أن تتحالف مع القوى السياسية الصاعدة وغير الملوثة، التي تعبر عن مصالح الأغلبية من الشعب، لا سيما وأنها نفسها كانت ضحية الابتزاز من قبل القوى المهيمنة في البلاد وتعاني فساد المنظومة العفاشية (السابقة) الناهبة لخيرات البلد، وعليها أن تدرك أن مصالحها الاقتصادية ستكون مصانة وفاعلة على قاعدة لا ضرر ولا ضرار. وكل ما سيحدث هو تحويل الثروات المنهوبة من بطون اللصوص إلى بطون أبناء هذا الشعب المتعوس بثرواته ممثلة بالدولة. إذ لا يعقل أن يتجرع الشعب مرارة الفقر والحاجة والعوز، وثرواته تنهب من قبل الفاسدين جهارا نهارا أمام سمعه وبصره.

إذن فالشواهد والدلائل القائمة تشير إلى أنه لن يستقيم الحال ولن يحدث استقرار في عموم البلاد شمالا وجنوبها، إلا بإعادة صياغة معادلة المصالح فيما بين البلد وخارجه من ناحية وبين منظومة أو منظومتي الحكم المستقبلية في الشمال والجنوب وبالتالي بين الشعبين الشمالي والجنوبي من الناحية الأخرى. دون صياغة المعادلتين الجديدتين (يمكن تسميتها بالمعادلة الداخلية والمعادلة الخارجية)، ستبقى البلد أقرب إلى الفوضى، وأقرب إلى هيمنة قوى الإرهاب الموجودة على الساحة بتسميات مختلفة، ولا تزال تسعى لمزيد من الهيمنة الاقتصادية والعسكرية، و سيجد الشعب نفسه، وقد انعدمت أمامه الخيارات التي تمكنه من الحياة الشريفة منحازا إلى القوى الإرهابية الموجودة بتسهيلات من القوى النافذة في الحكم، وسيكون شعاره، أنه وطالما انعدمت أمامه الخيارات، فإن الاستفادة مما هو متاح من الأمور، هي تحصيل حاصل، وأنه طالما الأوضاع (خربانة خربانة) بنا أو بدوننا فلم لا نركب الموجة؟. وستتعرض المنطقة و مصالح العالم المارة بجانبها، لمخاطر ما أنزل الله بها من سلطان. فغياب العدالة يغري بركوب موجة الظلم.

البلد كما تدل المؤشرات الاقتصادية والفنية، تزخر بالخيرات، وهذه المؤشرات يجب أن تكون نصب أعين المستثمرين من الدول الخارجية، ويجب أن تكون دليلهم في اختيار مواقفهم السياسية والاقتصادية، ومعيارهم في تصويب مواقفهم تجاه ما يجري في اليمن. هل تنعدل شوكة الميزان؟ هذا السؤال المرحلي الماثل أمامنا كشعب، نأمل أن نسمع إجابته من الخارج بنعم. وأملنا في القوى العالمية المهمة، أن تبادر إلى توفير إشارات نفهم منها أن الإجابة هي (نعم) بقوة ووضوح. وهذا سيمنح القوى الجديدة التي تتشكل في البلاد نفسا جديدا وأملا في أنه باستطاعة الشعبين في الشمال والجنوب من الحصول على حياة كريمة بعيدة عن معونات يقال إنها تكلف مليارات الدولارات حسب معطيات مقدمي تلك المعونات، المتمثلة في التمر والمكرونة وعلب الزيت، التي عادة ما تخطئ عنوانها، فتصيب البطون المتخمة و ليست الجائعة وتلك قصة أخرى يعلمها الخواجات جيدا، حتى وان أبدوا جهلهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى